تكاد المغنية شيرين عبدالوهاب تكون مخلوقة غنائية "عجيبة" بالمعنى الايجابي للكلمة ليس في مستوى صوتها وامتداداته وعمقه فقط، بل ايضاً في الجاهزية التي يمتلكها الصوت. واذا كان طبيعياً اداؤها التعبيري الصافي بعد تجربة ليست طويلة نسبياً لكنها غنية بالعناصر القوية، فان ما يمكن اعتباره فوق العادة هو تلك الاذن الموسيقية اليقظة التي ما ان تذكر لها اغنية معينة ليست بالضرورة لشيرين بل لأي مغن آخر قديم او مخضرم او جديد، وتطلب الى شيرين اداءها، حتى"تدخل"فوراً في المقام الموسيقي الخاص بتلك الاغنية، وفي النوتة الموسيقية الصحيحة، وعلى الطبقة الصوتية المحددة، وتؤدي كأجمل ما يكون الاداء بحيث قد يوصل انسجامها في الغناء - حتى ولو لم تكن مغرمة بالصوت الذي اداها اصلاً او بالاغنية ذاتها الى ان تنسى انت كمستمع، مغنيها الاصلي، وطريقة ادائها الاصلية، وتلتفت الى ما فعلته شيرين، الى صوتها، الى حضورها الذهني قبل الصوتي، والى اسلوب اداء فيه من البراعة والاتقان ما فيه من الشفافية والإحساس والجمال... واذا كان بعض المغنين يخاف او يتحاشى اداء اغان ليست له في المقابلات التلفزيونية المباشرة خشية الوقوع في مطبات المباغتة بين الطبقات العليا والدنيا في الغناء، وتفادياً لامكان المقارنة بينه وبين الآخرين الذين هم أصحاب الاغاني، فان شيرين تمخر عباب هذا البحر الصعب غير هيابة من أمر، مستسلمة لطاقتها الصوتية الخلاقة، وأحياناً متحدية اولئك الآخرين من دون ان تقول بالتحدي او تتصرف كأنها تتحدى. في مقابل تلفزيونية اخيرة مطولة، انشدت شيرين مطالع اغان لبنانية وعربية كثيرة لكبار من عباقرة الاداء القدامى، ولنجوم مخضرمين أو من الجيل الجديد بما يفوق في العدد عشرين اغنية تقريباً. انشدت بأسلوبها هي لا بأسلوب أي من مغني تلك الاغاني، وباحساسها هي لا بأحاسيسهم، وكانت تنتقل بين الاغاني برشاقة الطير المسافر الذي تأخذه النسمة الطرية الى الاستمتاع بالطيران. ومع ان بعض تلك الاغاني كان يُرى وكأنه عادي جداً وربما سيئ ولأشخاصٍ لا ينتمون الى الغناء العذب او الجميل، فإن شيرين حوّلته الى خانة اخرى هي خانة الاغاني التي"تكتشفها"حالاً من حيث قدرتها على الحلول في مكانة فنية لائقة. صوت شيرين يُشعرك بأن تلك الاغاني ليست عادية او سيئة ولكن مَن أداها جعلها كذلك... قلة هم المغنون الذين يتمتعون بهذه النعمة الفنية في اصواتهم. انهم في الاغلب الاعم محدودو الطاقات كما تقول اغانيهم، وقد لا يريدون اكثر من ذلك. حتى أصحاب المواهب الكبيرة والعميقة فإن آذانهم قد لا تكون يقظة بالقدر الكافي الذي يمكّنهم من ان يلتقطوا مقامات الاغاني وطبقاتها ونوتات بداياتها بالسرعة المطلوبة وپ"على الطاير"كما يقول التعبير الشعبي، فتخونهم الذاكرة حيناً، والقدرة على التمييز حيناً آخر، والمكابرة حيناً أخيراً. شيرين تفعل أُذنها اليقظة ذلك ببساطة شربة الماء الطيبة. اما المكابرة فليس لها مكان عندها: هي تغني ما عليها من أغاني الآخرين وعلى الآخرين ان يصدروا رد الفعل الذي يريحهم! كي تتحسس موهبة الأُذن اليقظة التي نتحدث عنها في تجربة شيرين، يجدر بك ان تستمع الى أداء بعض المغنين والمغنيات الآخرين في المقابلات التلفزيونية على الهواء مباشرة وتقارنه بأدائها. ليس غير اشخاص كوديع الصافي مثلاً من الرواد الاحياء يستطيع ذلك.