كما هي الحال في العلاقات الفلسطينية - الاسرائيلية منذ سنوات، خصوصاً منذ تولي زعيم حزب ليكود ارييل شارون منصب رئيس الوزراء، يتظاهر الاسرائيليون بالتحضير لاجتماعات مع الفلسطينيين ليس من اجل تلبية مطالبهم الكثيرة التي يعرفونها والناشئة عن افعال اسرائيلية معادية، وانما خدمة لمصالح اسرائيلية في توقيت معين. ومن احدث الامثلة على ذلك الاجتماعات التي دعا الاسرائيليون الفلسطينيين الى عقدها معهم لضمان عدم تعرض المستوطنين وجنود الاحتلال لأذى خلال جلائهم عن قطاع غزة. ولم تكن تلك اجتماعات للتفاوض، وما كان يمكن ان تكون للتفاوض لسبب واضح هو انها متعلقة بخطة اسرائيلية"احادية الجانب"للانسحاب من غزة لم يتفاوض الاسرائيليون مع الفلسطينيين بشأنها وإنما فرضوها فرضاً لأنها تمكنهم من توطيد احتلالهم للضفة الغربية وتمكنهم من محاولة الادعاء بأنه لم تعد لهم مسؤولية عن القطاع الذي ارادوا تخليص انفسهم من"العبء"الديموغرافي الفلسطيني فيه. والمثال الأحدث على اصرار اسرائيل على تقرير اجندة العلاقات مع الفلسطينيين هو تحديد شارون موعد ومكان اجتماعه مع عباس الثلثاء المقبل في مقره الرسمي في القدسالمحتلة لغرض يتعلق به. ذلك ان شارون الذي لم ينفذ أي التزام ذي قيمة من بين التزاماته المنصوص عليها في تفاهمات شرم الشيخ في 8 شباط فبراير هذه السنة اراد، وقرر، الاجتماع مع عباس قبل لقاء رئيس السلطة الفلسطينية مع الرئيس الاميركي جورج بوش في العشرين من الشهر الجاري ليتجنب اي ضغط اميركي على اسرائيل بعد الاجتماع. ولكن كيف؟ ان في حكم المؤكد تقريباً، قياساً على سلوك شارون في الماضي القريب، ان يعد رئيس الوزراء الاسرائيلي عباس والسلطة الفلسطينية علناً بتلبية بعض المطالب مثل تخفيف القيود العسكرية الاسرائيلية على التنقل بين مدنهم وبلداتهم وقراهم في الضفة الغربية واطلاق عدد قليل من السجناء الذين أوشكت محكومياتهم على الانتهاء وبعض الوعود في ما يتصل بميناء غزة وبعض المعابر كي يكون بوسع بوش ان يعلن لعباس سروره بتقدم العلاقات بين الفلسطينيين والاسرائيليين سلمياً، وكي يسجل انه يلحظ"الخطوات الايجابية"التي اقدم عليها رئيس الوزراء الاسرائيلي، ويقول انها خطوات تستحق ان تقابلها السلطة الفلسطينية بالاقدام على نزع سلاح الفصائل الفلسطينية المسلحة، خصوصاً"حماس"و"الجهاد الاسلامي"، وهو بالطبع ما لن يقدم عليه عباس او اي قائد فلسطيني ما دام الاحتلال الاسرائيلي مستمراً. وبعد ذلك، اي بعد ان يعود عباس الى رام الله او غزة، تعود حكومة شارون الى المماطلة والتملص من تنفيذ الوعود والالتزامات بحجة ان السلطة الفلسطينية لا تعمل على تفكيك"البنية التحتية للارهاب"، حسب التعبير الاسرائيلي. لكن أي مماطلة اسرائيلية ما هي الا ضرب من ضروب قصر النظر، خصوصاً ان سلوك الاسرائيليين يشير الى انهم يريدون لأنفسهم الأمن ولكن من دون ان يأبهوا بأمن الفلسطينيين. ونتيجة لموقف الاستعلاء الاسرائيلي هذا، ارتكبت اسرائيل اعمالاً عدوانية كثيرة ضد الفلسطينيين: قتلاً وقطعاً للأرزاق بمصادرة الاراضي وتجريف المزارع والحقول ونشر الحواجز العسكرية في كل مكان والحد من عدد الفلسطينيين الذين يمكنهم العمل داخل اسرائيل، واعتقال الفلسطينيين بالمئات والآلاف والسيطرة على منافذ الاراضي الفلسطينية الى مصر والاردن والسماء والبحر ومواصلة احتلال المدن الفلسطينية في الضفة الغربية واغتيال من تعتبرهم مطلوبين او قياديين في صفوف المقاومين للاحتلال. وتمضي اسرائيل في غضون ذلك كله في توسيع المستوطنات وزيادة عددها على الارض الفلسطينية. بعد كل هذه الاعمال العدوانية الاسرائيلية التي يندرج الكثير منها في عداد جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، لا عجب ان مطالب الفلسطينيين كثيرة لأنها ناشئة عن جرائم اسرائيلية كثيرة. فهل سيكذب شارون هذا السيناريو المتصور لما ينوي عمله اعتباراً من الثلثاء، الموافق للحادي عشر من الشهر الجاري، مروراً بالعشرين منه وحتى نهاية العام الجاري؟ سنعرف الجواب قريباً.