اتفق كبار المعلقين الاسرائيليين على القول ان وراء تهديدات رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون للفلسطينيين بخطوات أحادية الجانب، جملة اعتبارات أبرزها توصله الى قناعة بأن استئناف المفاوضات مع نظيره الفلسطيني أحمد قريع لن تفضي الى تقدم جدي في العملية السلمية، ما سيؤدي الى انهيار "خريطة الطريق" و"سيحتم على اسرائيل املاء الحل الذي تبغيه من دون انتظار الطرف الثاني". وبدا ان المعلقين خلصوا الى هذا الاستنتاج بناء لتسريبات متعمدة من أوساط قريبة من شارون واعتماداً على "نصيحة" شارون للفلسطينيين أول من أمس أثناء لقائه رؤساء تحرير وسائل الاعلام العبرية، بأنه الأجدر بهم ان يتوصلوا الى اتفاق معه قبل فوات الأوان، مهدداً بأنهم قد لا يحصلون في المستقبل على ما يمكن ان يحصلوا عليه اليوم وانه لن ينتظر حكومة فلسطينية ثالثة، بعد الانهيار الذي يتوقعه لحكومة قريع، لمواصلة التفاوض انما سيقدم على خطوات من جانب واحد تصب في مصلحة اسرائيل بغض النظر عن انعكاساتها على الفلسطينيين. وكتب المعلق السياسي في "هآرتس" ألوف بن نقلاً عن مصادر في ديوان شارون ان هذه الخطوات، على رغم حرص شارون على عدم الافصاح عن طبيعتها، ستشمل انسحاب اسرائيل من مستوطنات نائية في قطاع غزة في موازاة قيامها بضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية الى تخوم اسرائيل، كما فعلت مع القدس والجولان المحتلين بقرارين اتخذتهما الكنيست في الستينات والثمانينات. وتابع بن ان شارون ووزير خارجيته سلفان شالوم باتا على قناعة ان قريع "لن ينشط ضد الارهاب"، ما يرفع درجات تشاؤمهما من احتمالات تحريك العملية السلمية. وزاد ان رؤساء اجهزة الاستخبارات عرضوا أمام شارون تقارير تفيد ان الفلسطينيين يلحظون "مواطن الضعف وبوادر انهيار" في الجانب الاسرائيلي في اعقاب التطورات الداخلية الأخيرة، خصوصاً تحذير أربعة من رؤساء جهاز الاستخبارات شاباك السابقين الحكومة من عواقب سياستها القمعية في الأراضي الفلسطينية ومبادرات السلام التي أطلقها اليسار الاسرائيلي، معولين في الآن ذاته على تحرك اميركي في المنطقة قبل الانتخابات الرئاسية "وعليه يرجئ قريع اجتماعه مع شارون في محاولة منه لتحسين موقعه والضغط على اسرائيل". واشار المعلق الى ان مدير مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية دوف فايسغلاس الذي زار واشنطن الاسبوع الجاري يعود بانطباع ان الادارة الاميركية تشاطر تل ابيب تشاؤمها من قريع ورأيها في انه وحكومته لن يصمدا طويلاً. في السياق ذاته، يكتب كبير المعلقين في "يديعوت احرونوت" ناحوم بارنياع ان فايسغلاس حاول التوصل الى تفاهم سري مع مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض كوندوليزا رايس يقوم على افتراض ان لا رجاء من حكومة قريع وان عمرها لن يدوم اكثر من ستة اشهر "ثم تنهار لتنهار معها خريطة الطريق". وتابع ان اسرائيل لا تنظر بعين الرضى الى تصريحات قريع الأخيرة للفضائيات العربية "وقد كانت عدائية للغاية" ودلت على انه لا يعيش الواقع حين يتوقع من شارون هدم بناء "الجدار الفاصل" أو سحب قوات الاحتلال الى المواقع التي كانت فيها عشية اندلاع الانتفاضة "والأغرب مطالبته شارون الالتقاء في معبر ايريز وهذا ليس وارداً في الحسبان" وفقاً لفايسغلاس. وزاد بارنياع ان أقطاب الدولة العبرية "المقتنعين" بأن مصير قريع قد حسم، أخذوا يتظاهرون فجأة بشدة تمسكهم ب"خريطة الطريق" وان حديث شارون عن "بادرات حسن نية" اسرائيلية تجاه الفلسطينيين يقوم على افتراض ان قريع "لن يخلع جلده ويصبح شريكاً في المفاوضات"، ما سيوفر لشارون لاحقاً مبررات ليعدل عن هذه المبادرات، التي لم يفصح عنها اصلاً. واضاف ان فايسغلاس حاول اقناع رايس بأنه مع السقوط المتوقع لحكومة قريع ينبغي على واشنطن وقف جهودها لحل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي: "هذه الرسالة التي أراد شارون تبليغها للرئيس جورج بوش، دفن خريطة الطريق وعدم اطلاق خطة بديلة، على الأقل حتى انتهاء فترة ولايته الحالية". وختم المعلق بالتأكيد ان شارون، وحيال السيناريوهات التي وضعها، سيسعى الى ملء الفراغ الناشئ عبر اتخاذ قرار اسرائيلي أحادي الجانب، بترسيم حدود الدولة العبرية و"شارون لا بد ان يبقى وفياً لخرائطه القديمة، اذ لا يمكن لرجل في مثل سنه المتقدمة ان يتغير بسرعة، ويبقي تحت السيطرة الاسرائيلية نصف أراضي الضفة الغربية".