كنا قد توصلنا في الجزء الأول من هذا المقال 10/1/2002م الى أن الإدارة الأميركية، منذ لحظة اندلاع تفجيرات 11/9/2001 على أرضها، اعتمدت سياسة الانتقام في مواجهة تلك التفجيرات والأزمة الداخلية التي نتجت عنها. غير أن تلك السياسة الانتقامية جرى تأطيرها داخل الخطاب السياسي الأميركي القائم على الهيمنة العالمية ما قبل التفجيرات، بما جعل تلك "السياسة الانتقامية" تتجاوز هدفها المعلن كحالة دفاع عن النفس إلى حالة حرب لتوسيع الوجود الأميركي العسكري في مناطق جديدة من العالم، من ناحية، ولتوسيع دائرة المصالح الأميركية في مناطق تتنامى أهميتها الاقتصادية، من ناحية أخرى. وفي ذلك استطاعت الإدارة الأميركية خلال الربع الأخير من العام الماضي تطوير استراتيجيات عدة تعمل جميعها على تكريس الخطاب السياسي الأميركي في علاقة فوقية غير عادلة بالمجتمع الدولي، بينما اكتفت المنطقة المستهدفة بالحرب الأميركية بردّات الفعل الآنية على ما يجري. وأهم تلك الاستراتيجيات هي: - استراتيجية العمل العسكري القائم على العمل العسكري بالأصالة عن أميركا ونيابة عن العالم الغربي، العمل العسكري التحالفي، والعمل العسكري بالنيابة عن أميركا من جانب سلطات المنطقة. - استراتيجية العمل الديبلوماسي بشقيه التحييدي والتوريطي. - استراتيجية العمل الإعلامي القائم على الوعود أو الوعيد. وقد بينا في المقال السابق الدور الذي تلعبه عولمة "المكارثية الأميركية" وتحويل تهمة الإرهاب إلى سيف مسلط على رقاب الشعوب والأنظمة في مساندة هذه الاستراتيجيات، كما قمنا بتعريف وتحليل استراتيجية العمل العسكري. بقي في هذا الجزء أن نتناول كلاً من الاستراتيجية الديبلوماسية والاستراتيجية الإعلامية للحرب الأميركية وعلاقتها بالخطاب السياسي الأميركي، ونكمل بالاستراتيجية الثانية من استراتيجيات الحرب الأميركية. * ثانياً: استراتيجية العمل الديبلوماسي: أ - العمل الديبلوماسي التحييدي. ب - العمل الديبلوماسي التوريطي. لم يكن لأميركا أن تكتفي باستراتيجية العمل العسكري في ما تسميه بحربها على الإرهاب حتى لو أرادت ذلك، ليس فقط لأن أميركا تعلن نفسها ممثلاً للعالم الحر والحضارة الغربية ولكن أيضاً لأنه ليس في إمكانها، رغم تفوقها العسكري، أن تتجاهل ميزان القوى في العالم وناديه النووي خصوصاً انه بات يضم عدداً من الدول الآسيوية التي تقع منطقة الحرب في عمقها الجغرافي والسياسي. هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى لأن العمل الديبلوماسي هو إحدى آليات العمل السياسي الدولي التي يصعب تجاهلها في عالم اليوم، وقد بدا واضحاً أنه باستخدام "البراغماتية السياسية"، ولعبة تبادل المصالح، فإنه سيكون في إمكان أميركا إعادة إنتاج سياسة "العصا والجزرة" بأشكال جديدة قد تجنبها المزيد من مخاطر الغوص في وحل الحرب وفتح جبهات عدة لها في وقت واحد، كما أن ذلك يعني تكلفة بشرية أميركية أقل مما لو اعتمدت الحرب على استراتيجية العمل العسكري وحده. إلا أن العمل الديبلوماسي في ظل ميزان القوى المشار إليه ما كان ليتم من خلال الكيل بمكيال واحد، نظراً الى تفاوت موقع الدول في الأهمية على سلم العلاقات الدولية ضمن منظومة الميزان القائم. ولهذا فقد كان لا بد للإدارة الأميركية من أن تكيل بأكثر من مكيال في تخيّر أشكال العمل الديبلوماسي المطلوب لمساندة إرهاب آليتها العسكرية في حربها على الإرهاب. ومن هنا تفرعت استراتيجية العمل الديبلوماسي الأميركي إلى مسارين رئيسيين: أ- العمل الديبلوماسي التحييدي: وقد حدد طبيعة العمل الديبلوماسي التحييدي ليس فقط علاقة أميركا بدول المنطقة المعنية مباشرة بالحرب بل أيضاً الثقل التاريخي والسياسي والشعبي، بعضها أو كلها مجتمعة لهذه الدول، وما يمنح كلاً منها مثل هذا الثقل من قدرة على التحرك المستقل نسبياً في علاقتها بأميركا وبالتحالف الدولي الذي أقامته أميركا واستخدمته كعمود فقري للعمل الديبلوماسي على وجه التحديد. وفي هذا نشطت استراتيجية العمل الديبلوماسي الأميركي التحييدي مع كل من الصين وروسيا، إلا أنها تركزت بالتحديد على كل من الهندوإيران من دول المنطقة، أما مصر فعلى رغم ثقلها التاريخي والسياسي والشعبي بدا أن لها شأناً آخر في حسابات العمل الديبلوماسي الأميركي. وتبقى إسرائىل وهي الشريك الأميركي الدائم في الحرب والسلم. كان المتابع يستطيع بسهولة أن يلحظ تلك السياسة التحييدية التي اتبعتها أميركا تجاه الهند من النشاط الديبلوماسي المكثف الذي ظهر جلياً في زيارات عدد من الديبلوماسيين الغربيين للعاصمة الهندية، وعلى رأسهم كل من وزير الخارجية الأميركي كولن باول ورئىس الوزراء البريطاني توني بلير، حيث بدا الأخير ممثلاً نشطاً للديبلوماسية الأميركية في المنطقة من الأيام الأولى لاتخاذ أميركا القرار بالحرب. هذا بالاضافة إلى المساعدات المالية التي تلقتها الهند بما لا يقل عما أعطي لباكستان، وبالإضافة أيضاً إلى التطمينات الأميركية التي أعطيت للهند بشأن المسألة الكشميرية المتنازع عليها تاريخياً بين الهندوباكستان، وقد اعتبر ذلك عربوناً أميركياً لتلتزم الهند موقف الحياد في حرب أميركا التي ما كان لرحاها أن تدور على الأرض الأفغانية وبالاعتماد على القواعد العسكرية بباكستان باليسر نفسه في ما لو كان للهند رأي آخر في الحرب الاميركية أو في ما لو لم تنجح أميركا في ديبلوماسية تحييد الهند. وبالمثل، حرصت الإدارة الأميركية على اعتماد ديبلوماسية التحييد مع لاعب آخر من دول المنطقة المعنية مباشرة بالحرب، وكان ذلك اللاعب هو العدو الرئىسي المعلن لأميركا في المنطقة قبل العراق وبعده والمتمثل في دولة إيران. ومع أنه يصعب تقبل استجابة النظام الايراني، ان لم نقل رضوخه، لديبلوماسية التحييد الأميركية التي جعلته يغير بين يوم وليلة عداءه التاريخي منذ قيام الثورة الاسلامية الايرانية عام 79 تجاه "الشيطان الاكبر"، حسب التسمية الخمينية لأميركا، كما انه يصعب قبول التبريرات التي ذهبت إلى القول بأن موقف "الحياد" الذي التزمته ايران تجاه ضرب الشعب الافغاني المسلم هو لصالح حرب أميركا، انما كان نتيجة للخلاف السياسي والاختلاف المذهبي بين النظام الايراني وبين حكومة "طالبان"، والحادث الذي تعرض فيه ديبلوماسيون ايرانيون للتصفية على يد "طالبان"، فإنه لا يمكن فهم الموقف الايراني خارج اطار البراغماتية السياسية التي لا يمكن تبرئتها من الانتهازية. إذ يبدو أن ايران لم تكتف في حرب أميركا الحالية بمعيار الحياد الذي اتخذه نظامها تجاه التحالف الدولي لحرب الخليج 90/91، بل زادت عليه على حساب مواقعها المبدئية السابقة من أميركا. وباحتمال أن موقف النظام الايراني قد جاء طمعاً في المزيد من فك عزلتها السياسية خصوصاً في علاقتها بالغرب وأميركا تحديداً فإن ذلك لا يستبعد أن يكون هناك توجه ايراني لاعطاء اولوية لهويتها الايرانية، وبالتالي مصالحها القومية على حساب هويتها الاسلامية على ما في ذلك، لو صحّ، من ابتعاد عن منطلقات الثوره الاسلامية في ايران وما له من انعكاسات على المد الاسلامي بمفهومه الثوري والسياسي معاً وما يثيره كل ذلك من اسئله حولهما عندما يرتبطان بالخطابات الرسمية لبناء السلطة. واياً كانت الحسابات الإيرانية، فإن موقفها أعطى العمل الديبلوماسي التحييدي فرصة أكبر للنجاح الذي اتبعته الإدارة الأميركية كواحد من استراتيجيات الحرب. اما بالنسبة الى مصر، فعلى رغم أن مصر نفسها حاولت أن تتبنى سياسة رسمية هي أقرب إلى الحيادية تجاه حرب أميركا، فإن أميركا على عكس موقفها من الهندوايران لم تكن راضية بمجرد الحياد المصري الذي أبداه الرئىس المصري بتكرار دعوته إلى عقد مؤتمر دولي يجري فيه التوصل إلى اتفاق عام على تعريف الإرهاب وتحديد بؤره "داخل المنطقة وخارجها" واشكاله الدينية والسياسية مع صياغة اتفاق دولي على كيفية مواجهته. وفي هذا ضاعت دعوة الرئيس المصري كغيرها من النداءات المشابهة التي انطلقت داخل أميركا وخارجها بضرورة تعريف الارهاب ومعالجته داخل اطار قانوني يحتكم إلى العقل والاعراف والقوانين الدولية. وبالمقابل نشطت على العكس من تلك النداءات، دعوة العداء لمصر، فقد كانت أميركا على ما يبدو تطمع من مصر بموقف اكثر من موقف الحياد. ويبدو أن مما طمّع أميركا في مصر هو ذكرياتها القريبة عن مؤتمر شرم الشيخ لمكافحة الإرهاب بالتسعينات بحضور أميركا وفي ظل نظام قاد مشروع السلام "الاستسلامي" مع العدو الاسرائىلي، ولا يزال وفياً على المستوى الرسمي، وعلى رغم المقاومة الشعبية لمشروع التطبيع مع العدو. كما يبدو أيضاً أن أميركا لا تقدر حجم الاحراج الذي تسببه لنظامها الصديق بتجاهلها لموقع مصر في التاريخ العربي الحديث كمركز للمقاومة القومية ورفض التدخل الاجنبي عندما تطالبه بما هو اكثر من موقف الحياد، بينما يتعرض العالمان العربي والاسلامي للإرهاب ولأعنف حملة تدخل اجنبي في شؤونه الداخلية باسم محاربة الإرهاب. ب- العمل الديبلوماسي التوريطي: يقصد بالعمل الديبلوماسي التوريطي تلك الجهود الأميركية التي وظفت عدداً من الاجراءات والمساعي الديبلوماسية لتحويل بعض دول المنطقة التي تشن ضدها الحرب الأميركية مباشرة إلى طرف له دور أكبر من دور الحياد تجاه الحرب، وذلك اما بتحويل مثل هذه الدول إلى أداة من ادوات الحرب ومعبر من معابرها الرئىسية، أو باستخدامها كلها أو بعضها لأغراض الحرب في مهمات مختلفة أهمها تأكيد شرعية الحرب الأميركية. وفي هذا كانت ديبلوماسية "التوريط" تطمع من هذه الدول إلى موقف لا يكتفي بالتحالف الضمني الغاض للطرف عن العمل العسكري الأميركي، بل بالتحالف الذي يصل دوره الي دور الشريك "عضوية عاملة وليس عضوية مؤازرة" في حرب أميركا. واذا كانت جهود العمل الديبلوماسي التوريطي تركزت على دولة باكستان بالذات من دول المنطقة، فإن الجهود الأميركية للعمل الديبلوماسي التوريطي حامت وربما لا تزال تحوم حول المملكة العربية السعودية، على اختلاف الغرض والحاجة من توريط كل من الدولتين. فبينما كان الجهد الأميركي الديبلوماسي لتوريط باكستان يتجه إلى توريطها توريطاً مباشراً في الحرب الامركية ببعديها الاستخباري والعسكري، فقد كان هناك ميل على ما يبدو من التحركات الأميركية الى ان يُكتفى من السعودية لو وافقت على تأمين غطاء شرعي واخلاقي وسياسي لشن الحرب الأميركية ضد دول وشعوب مسلمة، وذلك طبعاً لما تملكه الدولة السعودية من أهمية بالغة في العالمين العربي والاسلامي عموماً، وفي العالم الاسلامي خصوصاً باعتبارها تمثل صدارة اسلامية بحكمها للاراضي الاسلامية المقدسة، أرض الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وبقيامها على خدمتهما ورعايتها السنوية لأكبر تجمع اسلامي عالمي يتمثل بموسم الحج. وفي هذا لم يكن صعباً مرة اخرى على المتابع أن يرصد منذ اللحظات الاولى التي اعلنت فيها الإدارة الأميركية عزمها على توجيه ضربتها الحربية الاولى لافغانستان، وربما قبل اتخاذ قرار الحرب رسمياً، أن أميركا اتجهت على الفور الى الضغط على باكستان لتقدم لها وسائل المساندة كافة من دون قيد أو شرط بحكم جوارها الجغرافي وصلتها السياسية بأفغانستان. وعلى رغم غضبة الشارع الباكستاني واستنكار الرأي العام بمختلف انتماءاته السياسية، بما فيه طلاب المدارس الثانوية بباكستان للضغوط الأميركية على بلاده ورفضه لتجريدها من حق استقلال قرارها السياسي امام الضغط الأميركي سواء كان ذلك الضغط بسياسة الترهيب أو الترغيب كرفع الحظر الاقتصادي عن باكستان ومحو مديونيتها، وعلى رغم استبسال الباكستانيين على المستوى الشعبي في الاحتجاج على القرار الأميركي بإعلان الحرب على افغانستان، وعلى قرار حكومتهم بعدم مقاومة الضغط الأميركي، فقد مضت أميركا في تنفيذ سياستها بمزيد من التوريط لباكستان، وقد بدا ذلك "التوريط" والتواطؤ الرسمي معه واضحاً سواء ابان الاعداد للحرب ونقل القوات الأميركية إلى الحدود الافغانية أو اثناء انزالها لملايين الاطنان من القذائف المحرمة دولياً على الشعب الافغاني الأعزل. وقد وصلت سياسة التوريط الأميركي للموقف الرسمي الباكستاني حداً جعل السلطة تقوم باعتقال وفرض الاقامة الجبرية على ممثلي التنظيمات الاسلامية المعارضة للحرب ولموقف التورط فيها، بل انها تجاوزت ذلك إلى درجة صار يصعب معها على الحكومة الباكستانية التراجع عن الانزلاق في وحل الحرب حتى عندما قررت أميركا خلافاً لوعودها الاولى للسلطة الباكستانية بالاعتماد على تحالف الشمال وإعداده ليحل محل حكومة طالبان على غير رغبة باكستان. هذا في ما يخص سياسة العمل الديبلوماسي التوريطي التي انتهجتها الإدارة الأميركية مع باكستان، اما في ما يخص ديبلوماسية التوريط بشكل عام فقد جربتها أميركا مع دول اخرى وان لم يحالفها الحظ بالقدر نفسه الذي كان في حسبانها أو توقعاتها. ففي المساء الثاني لضربة واشنطن ونيويورك إلى يوم 12/9/2001 لاحقت كاميرات المحطة التلفزيونية الأميركيةCNN السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان بالسؤال القائل: هل السعودية على استعداد لدعم الحرب الأميركية اقتصادياً وعسكرياً لمحاربة الإرهاب في العالم والمنطقة؟ وعندما حاول السفير السعودي التعامل مع السؤال ديبلوماسياً بالقول "إن مثل هذا السؤال سابق لأوانه إلى أن تصل الإدارة الأميركية إلى دلائل قانونية حول هوية من قام بالتفجيرات، والى ان تقرر كيف تتعامل مع الموقف بعيداً عن تأثير صدمة التفجيرات"، فإن الاجابة على ما يبدو لم تكن مقنعة أو بالأحرى لم تكن هي المطلوبة، ومن هنا عاد المراسل التلفزيوني لطرح السؤال بصيغ اخرى تحاول أن تنتزع موقفاً "توريطياً" من السفير السعودي. كما أن وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد لم يتورع في السياق نفسه، عندما تردد بأن السعودية ترفض استخدام اراضيها كقواعد عسكرية للطلعات الأميركية على افغانستان، عن القول علناً وعلى فضائىات العالم بأن السعودية تميل إلى عدم إعلان مواقفها التأييدية لأميركا صراحة وإن كان متأكداً أن الرياض ستكون على أتم الاستعداد للاستجابة إلى، والتعاون مع، وفي كل ما تطلبه منها أميركا. ثالثاً - استراتيجية العمل الإعلامي في الحرب الأميركية: في عالم يتميز بحقبته التاريخية الحالية مع بداية القرن الواحد والعشرين بثورة الاتصالات كما تميزت القرون القليلة السابقة من بداية العصر الحديث بالثورة الصناعية وثورات الشعوب في بقاع الارض شتى، لم يعد الإعلام مجرد اداة مساعدة في صنع السياسة بل اصبح جبهة من جبهات العمل السياسي والعسكري معاً، بل أيضاً جبهة من جبهات الاقتصاد والثقافة، كما خرج من دائرة النخب السياسية الضيقة ليصبح مشاعاً جماهيرياً يتدخل في تحديد مزاج الشعوب واتجاهاتها. وبهذا تحول الإعلام إلى استراتيجية رئىسية تقع في صلب صناعة مصائر الشعوب والدول واعادة تشكيلها. ومن هنا انقسمت استراتيجية العمل الإعلامي في الحرب الأميركية إلى المسارين الآتيين: أ - العمل الإعلامي الوعيدي: على رغم ما في الملاحقة الإعلامية للسفير السعودي وكذلك ما في تصريح وزير الدفاع الأميركي الخاص بالسعودية المثالين المذكورين أعلاه من إحراج للنظام السعودي ليس فقط أمام شعبه، بل ما فيه أيضاً من ضرب بعرض الحائط لموقع السعودية الاسلامي ومحاولة استغلال لذلك الموقع بمحاولة "توريطها" في موقف تأييدي مطلق لحرب أميركا على مجتمعات مسلمة، بما لا قبل للسعودية به اسلامياً كمسؤولة عن قبلة المسلمين في القارات الست. وعلى رغم ما في هذا الموقف الأميركي من خرق لأبسط مبادئ السيادة الوطنية والديموقراطية معاً، فقد شنت أميركا حرباً إعلامية شرسه ضد السعودية، فتحت حراب عولمة المكارثية "التهمة برعاية الإرهاب" وباسم الدفاع عن ديموقراطية التعليم صارت السعودية فجأة لقمة سائغة للإعلام الأميركي المضاد، ولم تحسب في ذلك أميركا حساباً للحسابات السعودية الداخلية والخارجية عندما تطالب نظامها بمعاداة العالمين العربي والاسلامي وبمخالفة الرأي العام السعودي في سبيل حرب أميركية غامضة، ما لبث أن اتضح منها أن أميركا على استعداد تام لتحويل الأصدقاء إلى أحد أهداف الجانب الإعلامي منها إذا هم لم يتحلوا بالتجاوب المطلوب في سفك دماء الأبرياء، وهذا ما جرى مع مصر بل مع السعودية نفسها، وفي هذا فإن أميركا لم تكتف في حربها على السعودية بملاحقة طلابها ورعاياها المقيمين بأميركا وباعتقال 600 مواطن سعودي في السجون الأميركية، بل واصلت تكثيف حربها الإعلامية ضدها التي ما هي إلا شكل من اشكال العمل الإعلامي "الوعيدي" كواحدة من استراتيجيات الحرب الأميركية في المنطقة. وعلى رغم ما لاقته الحكومة السعودية طوال تاريخها الحديث خصوصاً إبان المد القومي من تجريح وإحراج بسبب صداقتها لأميركا، فإن أميركا لم تقم أي وزن لحساسية موقف السعودية خصوصاً في وقت واصلت أميركا تكثيف هجومها الجوي المبرح على الشعب الأفغاني المسلم في شهر رمضان المبارك. غير أن أميركا على ما يبدو تهدف من العمل الإعلامي "الوعيدي" إلى ما هو ابعد من انتزاع مواقف إعلامية غير معارضة لحربها. ب - العمل الإعلامي الوعودي: في إطار استراتيجية العمل الإعلامي للحرب الأميركية المرتكزة الى اعادة انتاج الخطاب السياسي الأميركي ما بعد تفجيرات أيلول بما يعيد هيبته الخارجية ويثبت دعائمه التي "هزتها" الضربة كخطاب لا يزال قادراً على السيطرة وقيادة المصير العالمي للشعوب والانظمة، يأتي العمل الإعلامي "الوعودي" الذي تريد به الإدارة الأميركية ترميم ما لحق بوجهها وبسمعتها من خراب سواء بسبب ما لا تريد الاعتراف به من أسباب التفجيرات أو بسبب إرهابها في حربها على ما تسميه بالإرهاب. وفي هذا الاطار جاءت استراتيجية العمل الإعلامي بشقها "الوعودي" عن طريق الوعد بتوقف الحرب إذا ما احضرت أولئك الذين قاموا بالتفجيرات إلى "العدالة" أو إحضار "العدالة" إليهم. غير أن أبرز جانب من جوانب العمل الإعلامي "الوعودي" الذي وجه بالذات إلى المنطقة المعنية بالحرب هو تلويح الرئىس الأميركي بوعد اقامة الدولة الفلسطينية، وإذا كان بعض المتفائلين من المحللين السياسيين قد حاول تفسير شكوك المتشائمين منهم تجاه العمل الإعلامي الوعودي الخاص بالدولة الفلسطينية بعقدة سايكس - بيكو التي قضت بتقسيم المنطقة وتجزئتها تحت سيطرة الدول العظمى في ذلك الوقت بعد "وعود" الاستقلال، فإن التوعد المبطن مرة والسافر مرات الذي يوجه إلى القادة الفلسطينيين إذا لم يبادروا إلى سحق حركات التمرد ووأد الانتفاضة في الأراضي المحتلة لا يدع مجالاً لتكذيب التجارب المريرة وتصديق الوعود الأميركية. والسؤال الذي يبقى ليقض مضاجعنا إذا كانت تلك استراتيجيات حرب أميركا على المستوى العسكري والديبلوماسي والإعلامي، فإلى متى نبقى أسرى ردّات الفعل الانفعالية المتذبذبة لحدث لا نصنعه ولكنه يتدخل في تفاصيل مصيرنا؟ * كاتبة سعودية.