ليس جديداً إثبات العلاقة القوية بين تنظيم القاعدة الإرهابي وإيران، وتقدير ما بينهما من مصالح تستهدف المملكة أولاً في وجودها ووحدتها، وإحراجها بتهم الإرهاب أمام العالم، حيث أثبتت الأحداث والمواقف والوثائق أن تلك العلاقة ليست عابرة، أو مصالحية وقتية، ولكنها إستراتيجية في الدعم والمساندة والتخطيط والتجنيد والإيواء وتوفير المعلومات. ما كشفت عنه وكالة الاستخبارات الأميركية عن نصف مليون من الملفات حول العلاقة بين إيران والقاعدة - عُثر عليها في جهاز حاسوب بمقر الإرهابي أسامة بن لادن بعد مقتله في باكستان 2011- لهو دليل على أن طهران كانت المحرّك الأول للتنظيم، والمشرف على عملياته، واتخذت منه سبيلاً للحرب نيابة عنها في السعودية، فضلاً عن علاقتها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وتجنيد الانتحاريين في مهمة ضرب العلاقات السعودية - الأميركية باسم الإرهاب، وما نتج عنها من الحرب على العراق وتدمير قدراته حتى يكون الطريق سالكاً لها. كلنا نتذكر كيف آوت إيران قيادات القاعدة بعد الحرب على طالبان، وأعادت إنتاجهم 2003 في مهمة تجنيد لعمليات تفجير وتدمير داخل المملكة، وبعد القضاء على التنظيم 2006 استمر الدعم الإيراني للتنظيم في اليمن؛ ليكون أداة أخرى للتهديد، والمساومة، والفتنة الطائفية، حيث كان المخطط الإيراني أن أفضل الطرق للعمق السعودي هو اليمن عبر وكيلها الحوثي، وفلول القاعدة هناك، ولكن عاصفة الحزم قرأت المشهد وأفسدت المشروع. إيران الخميني لم تخض حرب مواجهة تقليدية بعد حربها مع العراق، وفضّلت أن يكون وكلاؤها حزب الله والحوثي والحشد والقاعدة وداعش أدوات لتحقيق مصالحها في التمدد والهيمنة، حيث لم يكن هناك عائق سوى المملكة التي كانت تواجه المشروع الإيراني مبكراً، واستطاعت أن تقف أمامه بقوة وحزم، ونجحت في اليمن عسكرياً، والعراق اقتصادياً، وقريباً في لبنان حين يقول الشعب كلمته ضد حزب الله. إرهاب الدولة الذي مارسته إيران على مدى عقود من الزمن لا يكفيه قطع علاقات، أو ضرب وكلائها في المنطقة، أو رعاية أميركية للمواجهة والتصعيد، ولكنها بحاجة إلى مشروع تمارس فيه القوة السعودية الناعمة والذكية والخشنة أحياناً دورها في تعرية إيران الملالي عقدياً وفكرياً، وتسفيه أحلامها بعودة إمبراطورية فارس سياسياً، واستثمار كل الوثائق المعلنة إعلامياً في تكوين رأي عام صلب دولي، إلى جانب بناء تحالفات إقليمية ودولية في تحييد إيران ومنع تدخلاتها في شؤون الآخرين. لا نفكر مع إيران بالحرب التقليدية، ولكن علينا أن نقفز إلى مشروعنا الذكي في التصدي لمصالحها وعلاقاتها في المنطقة، والعمل على الأرض في مهمات إعلامية واستخباراتية، وقوى ناعمة من الخلف تدير الدبلوماسية الاستباقية في التأثير، وبناء المواقف، واستثمار العلاقات في شراكات حضور تجمعها المصالح مع الغرب على المدى البعيد.