يمكن للمراقب المتتبع للتطورات السياسية في جنوب آسيا خلال العامين الأخيرين أن يرصد بسهولة تصعيداً مستمراً في التوتر بين الهندوباكستان بشكل ينذر، في حال استمراره، بنشوب حرب رابعة بين الدولتين. وكان أبرز علامات هذا التوتر هو قيام الهند بتفجيراتها النووية في أيار مايو 1998، وما صحب ذلك من تصريحات هندية رسمية تنذر باكستان بضرورة الامتثال لمطالب الهند في ما يتعلق بأقليم كشمير، ما أضطر باكستان، رغم الضغوط الأميركية إلى إجراء تفجيرات نووية مماثلة، وأدى ذلك الى نشوء موقف نووي جديد في جنوب آسيا. وعقب ذلك تصاعد سباق التسلح الصاروخي بين الهندوباكستان وتأكد امتلاك الدولتين أدوات نقل القنبلة النووية. وفوراً أعلنت الهند أنها قررت زيادة إنفاقها العسكري بنسبة 28 في المئة، ما سيشكل عنصراً ضاغطاً على باكستان لتزيد إنفاقها العسكري. وتنفق الدولتان حالياً حوالي 13 مليون دولار سنوياً على أغراض التسلح أي نحو 3 في المئة من ناتجها القومي. وفي أيار مايو من العام الماضي جاءت حوادث التسلل في اقليم كشمير والمعروفة باسم "أحداث كارغيل" لتزيد التوتر بين الدولتين. فرغم أن هذه الأحداث اثبتت قدرة التوازن النووي الجديد على منع نشوب حرب شاملة بين الهندوباكستان، إلا أنها أوضحت أيضاً أن هذا التوازن لا يمنع نشوب حروب محدودة قد يتسع نطاقها، كذلك فرغم أن أحداث كارغيل اسهمت في إعادة انتخاب الائتلاف السياسي الذي يقوده حزب بهاراتيا جاناتا، بعد نجاح هذا التحالف في التعامل مع أحداث كارغيل إلا أنها أحرجت هذا التحالف لعدم نجاحه في التنبؤ بتلك الأحداث، وخلقت لدى حكومة فاجباي تصميماً على منع تكرار تلك الأحداث من خلال محاصرة باكستان استراتيجياً. وهكذا شنت الهند حملة ديبلوماسية هدفها عزل باكستان دولياً كان من أبرز ملامحها اتهام باكستان بأنها ضالعة في رعاية "الحركات الإرهابية"، في كشمير، وحض الدول على مقاطعة باكستان. وهو ما تجلى في زيارة هوبير فيدرين وزير خارجية فرنسا الأخيرة للهند، إذ صرح فاجباي رئيس وزراء الهند بأن على فرنسا أن تختار بين الهندوباكستان، بمعنى أنه لا يمكن أن تكون لفرنسا علاقات طيبة مع الدولتين في آن واحد. كذلك، رفضت الهند عرض باكستان استئناف المحادثات بين الدولتين، إلا إذا أعلنت باكستان وقف دعمها للحركات الانفصالية في كشمير، واضافت شرطاً جديداً وهو أن تقوم باكستان بتسليم الجزء الذي تسيطر عليه في كشمير الى الهند قبل بدء التفاوض الثنائي. وأعقب ذلك تأكيد الهند أن باكستان تقوم بحشد قواتها على الحدود بين الدولتين. وفي تقديرنا ان زيارة الرئيس الاميركي بيل كلينتون الى الهندوباكستان، اسهمت في زيادة احتمالات الصدام المسلح بين الدولتين. إذ دشنت هذه الزيارة "التفاهم الاستراتيجي الجديد" بين الولاياتالمتحدةوالهند، الذي بدأ في السنوات الثلاث الأخيرة، واستند الى خلفية فقدان باكستان أهميتها الاستراتيجية بالنسبة الى الولاياتالمتحدة بعد الانسحاب السوفياتي من افغانستان وانهيار الاتحاد السوفياتي. كما استند الى قاعدة التقارب بين الحكومات الباكستانية المتعاقبة وحركة "طالبان" في افغانستان مع اتهام الأخيرة بأنها ضالعة في رعاية الإرهاب العادي للهند والولاياتالمتحدة، ودعم هذا التفاهم الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال مشرف في باكستان في تشرين الأول اكتوبر الماضي والذي أعطى للولايات المتحدة الغطاء المعنوي للانحياز إلى الهند. وهكذا جاءت زيارة كلينتون للهند لتؤكد أن الولاياتالمتحدةوالهند دخلتا في تفاهم استراتيجي للضغط على باكستان لتوقف دعمها للثوار الكشميريين من ناحية، وتنهي علاقاتها مع حكومة افغانستان بزعامة "طالبان" لتسليم الاشخاص الذين تطلبهم الولاياتالمتحدة من ناحية أخرى. تكمن أهمية هذا التطور في أنه قد يسفر عن واحدة من نتيجتين كلاهما يصب في اتجاه احتمال نشوب الحرب. النتيجة الأولى هي أن شعور باكستان بالعزلة وفقدان الحليف قد يدفعها الى محاولة الخروج من المأزق من خلال شن حرب محدودة، أو تصعيد العنف المسلح أملاً في تدخل القوى الكبرى للوساطة لإنهاء النزاع حول كشمير. أما النتيجة الثانية فهي أن شعور الهند بانحياز الولاياتالمتحدة الى جانبها أو بعزلة باكستان قد يدفعها الى محاولة استثمار تلك الفرصة لإنهاء النزاع من خلال شن حرب محدودة على باكستان تحقق من خلالها مكاسب عدة، أهمها تدمير القدرات النووية الباكستانية، وبالتالي تأكيد الاحتكار النووي الهندي في جنوب آسيا، وضرب القدرة العسكرية الباكستانية، ومن ثم شل قدرة باكستان على دعم مقاتلي كشمير. وقد تحاول الهند الاستيلاء على الجزء الباكستاني من كشمير، وبذلك تنهي المشكلة الى الأبد. وليس مستبعداً أن تتعاطف الولاياتالمتحدة وإسرائيل مع هذا السيناريو لأنه سيضعف من شوكة حركة "طالبان" من ناحية، وسيكون له مردوده الاستراتيجي في الشرق الأوسط. إذ أن هزيمة باكستان من شأنها إضعاف موقف المفاوضين العرب مع إسرائيل، على الأقل من الناحية المعنوية. وما يزيد من خطورة مؤشرات التصعيد بين الهندوباكستان هو أننا نتحدث عن مواجهة بين قوتين نوويتين لم تستقر بينهما بعد تقاليد توازن الرعب التي غيرت العلاقات الاميركية - السوفياتية في فترة الحرب الباردة، كما أننا نتحدث عن تصعيد للتوتر في سباق تصعيد مواز لقوة التيارات الاصولية المتطرفة في الدولتين. ومن ثم، فإن مواجهة هندية - باكستانية ستكون مواجهة مدمرة لكل منطقة جنوب آسيا وستطال آثارها المنطقة العربية. من المفاهيم التي تطرحها المؤسسات الغربية كمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتي تسعى إلى تطبيقها في مختلف الأقاليم مفهوم "منع النزاعات". ويقصد بذلك اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تكفل ألا يتحول خلاف بين دولتين الى صراع مسلح. وفي تقديرنا انه لا يوجد اقليم في حاجة إلى تدخل دولي لتطبيق هذا المفهوم أكثر من اقليم جنوب آسيا حيث تزداد بشدة احتمالات المواجهة المسلحة، إن الأمر يتطلب مبادرة دولية سواء من مجلس الأمن، أو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أو أي تجمع دولي آخر لكسر حدة التصعيد الهندي - الباكستاني، ودفع الدولتين الى الدخول في مفاوضات حول ضبط سباق التسلح، وحل المشكلات الاقليمية التي اسفرت عن ثلاث حروب وتكاد تودي بالدولتين الى الدخول في آتون حرب رابعة ربما تصير حرباً نووية. * مدير مركز الدراسات الآسيوية في جامعة القاهرة