وفى الرئيس جورج بوش بأصعب الوعود التي قطعها اثناء حملة الانتخابات الرئاسية وهي المضي في التجارب الباهظة التكاليف لبناء شبكة الصواريخ الدفاعية على رغم تداعيات أحداث 11 أيلول سبتمبر. وكان على الولاياتالمتحدة، تسريعاً لتجاربها، ان تنسحب من معاهدة "آي بي ام" للحد من انتشار الاسلحة الباليستية، لأنها تحظّر على موقعيها اجراء تجارب دفاعية صاروخية. وأعلن بوش في حديقة البيت الابيض امس، والى جانبه اركان ادارته عن "انسحاب الولاياتالمتحدة رسمياً من آي. بي. ام. التي مضى عليها ما يقارب ثلاثين عاماً". راجع ص 10 وتنص المعاهدة على ان تعلن أي دولة ترغب في الانسحاب منها، عن ذلك قبل ستة شهور من البدء بالتطبيق، وهذا ما اعلنه الرئيس بوش امس. وأجرت واشنطن وموسكو محادثات تهدف الى التوصل الى اتفاقية استراتيجية اخرى بديلة من "آ بي ام" لكنهما لم تتواصلا الى اتفاق لأن روسيا أصرّت على الابقاء على "آي بي ام". والمعاهدة التي وقعت عام 1972 هي آخر ما تبقى لروسيا من ذكريات عهد الاتحاد السوفياتي، ما يفسر معارضة روسيا للخطوة الاميركية. وكان الرئيس الاميركي أطلع نظيره الروسي على القرار الاميركي اثناء زيارة الاخير للولايات المتحدة الشهر الماضي، وتم الاتفاق على ان ذلك لن يؤثر في العلاقات الاميركية الروسية المتحسنة منذ احداث 11 ايلول، والتي وقفت بعدها روسيا الى جانب الولاياتالمتحدة في حربها ضد "طالبان" وتنظيم "القاعدة". ومع ذلك تخشى الأوساط الأميركية الديموقراطية المعارضة ان يؤثر القرار الاميركي في التحالف الدولي لمحاربة الارهاب الذي يعتبر تأييد روسيا له اساسياً. وقال زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور توم داشل ان ذلك "يهدد التحالف الهش الموجود مع حلفائنا"، فيما اعتبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور جوزيف بايدن ان الانسحاب قد يتسبب بإطلاق سباق تسلح ليس فقط في روسيا وانما في الهند وباكستان. وانتقد بايدن اولويات بوش قائلاً ان على الولاياتالمتحدة ان تقلق من امكان امتلاك الارهابيين اسلحة دمار شامل أكثر من دول تمتلك صواريخ بعيدة المدى. وبعد احداث 11 ايلول اعتقد البعض ان مشروع نشر شبكة دفاعية صاروخية سيطوى لمدة من الزمن لأن الارهاب الذي تعرضت له الولاياتالمتحدة هو الهاجس الأوحد للادارة، وان الشبكة الدفاعية لن تحمي الولاياتالمتحدة من خطر الارهاب. لكن الادارة الجمهورية ارتأت عكس ذلك وقررت الاستفادة من التأييد الشعبي لسياستها المتشددة في حربها ضد الارهاب من اجل حسم موضوع الشبكة الدفاعية. وبذلك تكون وزارة الدفاع الاميركية والجناح المتشدد في الحزب الجمهوري قد نجحا في تطبيق أحد أهم أسس السياسة النووية الاميركية، التي كانت تعتمد على منطق الردع النووي في مواجهة العدو وقررت الآن تحويل هذه السياسة الى سياسة دفاع نووي.