باب الأفكار نصف مفتوح نصف مغلق بين العالم العربي والولاياتالمتحدة الأميركية. النصف المفتوح أميركي عبر اهتمام المرسلين والمستعربين والخبراء منذ أواسط القرن التاسع عشر وعبر متابعة الإدارة الأميركية لسياسات المنطقة العربية بسبب مصالحها ومصالح شريكتها إسرائيل. أما النصف المغلق فهو عربي، لا تشفع لاغلاقه مؤسسات عربية لمتابعة الوضع الأميركي بقيت حبراً على ورق ولا مثقفون عرب أميركيون تركوا أفكارهم خلف المحيط وعادوا بالروح أو بالجسد إلى شمس الحنين العربية. وفي حين يحتاج العرب إلى حضور في الخيال الأميركي يتجاوز نمطية عالم ألف ليلة وليلة والصحراء الذي رسمته هوليوود، فإن جبران خليل جبران لبّى هذه الحاجة بأعماله التي يقرأها المواطن الأميركي العادي منذ الثلاثينات ولا يزال كتابه "النبي" إلى اليوم الأكثر مبيعاً في أميركا بعد الكتاب المقدس. كاتب شعبي يقرأه أهل الأرياف وفقراء المدن بقدر أكبر من قرائه المثقفين والأكاديميين، ومن هنا القول بأن جبران هو واحد من قلّة شكلوا ويشكلون الروح الأميركية. وهذا ما سيصار إلى تكريسه في العام المقبل عندما يعقد في واشنطن برعاية وحضور الرئيس بيل كلينتون مؤتمر عالمي حول "دور الجاليات في تكوين الروح الأميركية: جبران خليل جبران"، ويساهم في المؤتمر ممثلو 27 دولة لها جاليات في الولاياتالمتحدة، ومن بينها، بالطبع، دول عربية نتمنى أن يحضر ممثلوها مجتمعين لا متفرقين، وأن يعتبروا جبران ممثلهم في الخيال الأميركي ويركزوا على أثره، خصوصاً أن ملايين القراء الأميركيين لا يزالون يظنون أن كاتبهم المفضل مجرد أميركي ذي أصل شرقي، فالأحرى ان يعرفوا أنه لبناني عربي وأن كتاباته نابعة من حقيقة الوجدان العربي وغناه وتسامحه وإنسانيته. وجبران، قبل مؤتمر الجاليات الأميركية الذي سيعقد باسمه، موضوع سجال في بريطانيا سينطلق مع صدور كتابين في أيلول سبتمبر المقبل، الأول ايجابي من تأليف سهيل بشروئي وجو جونكيز، والثاني سلبي من تأليف روبين واترفيلد قدمت "الغارديان" منذ أيام عرضاً له يتضمن اتهامات لجبران كإنسان بأنه رومانسي مضطرب وخبيث ومتعجرف يمارس استغلال النساء. قراءة سلبية لسيرة جبران تصدم قراءه الشعبيين، لكنها تشابه سجالات غربية حول سير الكتّاب الكبار أشهرها ما صدر عن برتولت بريخت بأنه سارق أفكار وسارق نصوص أيضاً. وجبران، حتى في وطنه الأصلي، حاربته الكنيسة فترة طويلة من الزمن، ونظر إليه المثقفون في لبنان والعالم العربي على أنه كاتب رومانسي شعبي لا داعي للاهتمام بنصوصه نقدياً وأكاديمياً. كاتب شعبي؟ لا بأس. لكنه الكاتب العربي الأكثر تأثيراً في الولاياتالمتحدة ولدى قراء الانكليزية في العالم، وحتى في الصين بلغ مبيع ترجماته مليون نسخة، كما بلغ مبيع ترجمة كميل أبو صوان الفرنسية ل "النبي"، وحدها، 800 ألف نسخة، ولا نذكر الترجمات الأخرى لكتب أخرى وكتب السيرة. كاتب شعبي؟ فلنعتمده سفيراً للعرب لدى المواطن الأميركي فنصل إلى هذا المواطن من طريق لا يملكه غيرنا، بل يتمنى الغير أن يملكه. * كاتب لبناني من أسرة "الحياة"