يقوم الناقد سهيل بشروئي بجولة تشمل أوروبا ولبنان وعدداً من البلدان العربية الأخرى، بغية الإعداد للمؤتمر العالمي الأول للدراسات الجبرانية الذي سينعقد في عاصمة الولاياتالمتحدة الأميركية في 10 - 12 كانون الأول ديسمبر 1999. هذا المؤتمر الواعد الذي يتناول حياة الأديب والرسّام جبران خليل جبران وأعماله سوف ينعقد في جامعة مريلاند في كولدج بارك، برعاية مركز الأبحاث والدراسات الجبرانية في جامعة مريلاند. وكان صدر قبل شهرين كتاب جديد لسهيل بشروئي بالإشتراك مع جورج جنكنز عنوانه: "جبران خليل جبران: الشاعر والإنسان" عن منشورات "أوكسفورد وان ورلد". ولفت الكتّاب أنظار النقّاد والقرّاء وتناولته الصحف والمجلات درساً وتحليلاً. وعهدت "الحياة" إلى الناقد ألبير مطلق أن يحاول الناقد سهيل بشروئي، لما كان بينهما من تعاون في مجال الدراسات الجبرانية، ولعل أبرز ما أنجزاه مشتركين في هذا المجال كتابهما القيّم "في ذكرى جبران" الصادر عن مكتبة لبنانبيروت، 1981. والناقد ألبير مطلق سيكون واحداً من المحاضرين في المؤتمر العالمي حول جبران. وهنا نص الحوار: أنت تنظّم المؤتمرات عن جبران منذ عقود. حدّثنا عن هذا المؤتمر الجديد؟ - يعتبر هذا المؤتمر أول لقاء عالمي حول جبران، وسيؤمّه عدد غفير من المتخصصين في أدب جبران والعاملين في الحقل الجبراني، لتبادل الآراء وتحريك النشاط الفكري والأكاديمي، بغية إقامة رابطة عالمية للدراسات الجبرانية. وسيحضر المؤتمر ممثلون عن بلدان عدة، منها: الصينوالهند واليابان وأستراليا والفيليبين، وهي بلاد لم تتمثل في المؤتمرات السابقة، إضافة طبعاً إلى عدد كبير من البلدان الأوروبية وبلاد أميركا الشمالية والجنوبية، وبطبيعة الحال لبنان والبلدان العربية الأخرى. وهو الأول من نوعه أيضاً من حيث تنوّع نشاطاته وموضوعاته ومراكزه، إذ يلي مؤتمر الولاياتالمتحدة أنشطة ثقافية في قصر الأونيسكو في باريس وفي المتحف الوطني اللبناني في بيروت. ما الأنشطة التي سيدور حولها المؤتمر في الولاياتالمتحدة؟ - سلسلة من المحاضرات وفق منهاج متكامل يتناول جبران في جوانبه المختلفة كإنسان وأديب ورسّام، ويبيّن الجذور الفكرية التي أثّرت فيه. وستعقد حلقات مناقشة حول الدراسات المختلفة يشترك فيها المتخصصون والضيوف من مختلف أنحاء العالم. وستجمع هذه الدراسات في كتاب يصدر عن لجنة المؤتمر ويكون مرجعاً للدارسين والمهتمين. كما ستوضع أسس إنجاز ثبت كامل بكل ما كتبه باللغتين العربية والإنكليزية، وبكل ما كتب عنه بمختلف اللغات. كذلك سيشتمل المؤتمر على معارض فنّية لأعمال جبران وأشرطة سينمائية عنه وأشرطة فيديو ومسرحيات، وزيارة أماكن عيشه وعمله في الولاياتالمتحدة. لم اختارت اللجنة المنظّمة هذا الوقت بالذات لتنظيم المؤتمر؟ - أهمية المؤتمر لا تكمن في أنه أول مؤتمر عالمي للدراسات الجبرانية فحسب، بل أيضاً بالتوقيت الذي اختير لإحيائه. فقد مضت حتى الآن 75 سنة على نشر كتاب النبيّ. ونحن نقف اليوم على أعتاب نهاية قرن من الزمان وبداية ألفيّة جديدة. وأيضاً العام 2000 قد سمّته الأممالمتحدة بعام ثقافة السلام. وهذا ما حفزنا على أن نجعل المؤتمر مقدمة للعام 2000، لأننا نعتبر جبران شاعر السلام، وننوي أن نقدّمه للعالم، ربما للمرة الأولى في إطار عالمي، مبيّنين إسهامه في بناء الضمير العالمي وإيجاد الشعور بالإنتماء إلى العالم وتخطّي الحدود الضيّقة. ونأمل أن تبرز الدراسات ما عند جبران من عناصر أساسية لتكوين المجتمع العالمي ولتبيان الصلة الوثيقة بين الفكر الجبراني وأفكار المجتمع الواحد الذي يكثر الحديث عنه اليوم. هل من خوف أننا، بسبب نضج الأفكار حول المجتمع العالمي، نعطي جبران أكثر مما يحتمل ونلبسه غير ثوبه؟ - الشاعر العظيم لا يمكن أن يكون محصوراً في إطار ثقافة معيّنة أو في الحدود التي ترسمها الدول في ما بينها. الشاعر العظيم صاحب رؤيا ترى ما يختص بقومه وحضارته وثقافته وفي الوقت نفسه تنبسط رؤياه لتفتح آفاقاً أمام الروح والعقل بهدف تحقيق المعنى الدقيق لما نسمّيه الإنسانية. وبالتحديد تحدّث جبران عن وحدة الجوهر وتعدد المظهر فرأى الأشياء مترابطة، متصلة متحدة، على رغم أنها في مظاهرها متعددة الأشكال والألوان. وكان هذا هو المبدأ الذي يعبّر عنه في كتبه "النبيّ" و"المجنون" و"التائه" و"يسوع إبن الإنسان" وما عبّر عنه في "الأرواح المتمرّدة" و"الأجنحة المتكسّرة" و"عرائس المروج"، ومقالاته المجموعة في "البدائع والطرائف" و"العواصف" من أنه مهما اختلفت الأماكن والإتجاهات والأجناس واللغات فأن الإنسانية واحدة لا تتجزأ. ونتج عن ذلك إيمانه العميق بوحدة الأديان، فهو القائل: "أحب مسقط رأسي بعض محبتي لبلادي، وأحب بلادي بقسم من محبتي لأرض وطني، وأحب الأرض بكليّتي لأنها مرتع الإنسانية وروح الألوهية على الأرض ... الإنسانية المقدسة روح الألوهية على الأرض". "أنت أخي وأنا أحبك. أحبك ساجداً في جامعك وراكعاً في هيكلك ومصلّياً في كنيستك، فأنت وأنا أبناء دين واحد هو الروح، وزعماء فروع هذا الدين أصابع ملتصقة في يد الألوهية المشيرة إلى كمال النفس". هل هذه النظرة العالمية نابعة من تربية جبران المسيحية أم بفعل تيارات فكرية تأثّر بها؟ - لعلك تذكر يا صديقي ألبير أننا في سنة 1981، عندما أصدرنا أنت وأنا كتاب "في ذكرى جبران" حاولنا أن نجمع بين دفّتيه تلك الأبحاث التي طلبنا من أصحابها الإسهام بها. كان هدفنا أن نبرز التيارات المختلفة العربية والعالمية والآثار الفكرية التي التقت جميعها في ضمير شاعر عظيم. التقت في عبقرية جبران عناصر المحبة كما علّمها السيد المسيح. والتقت هذه المحبة بتبلور الأفكار الصورية التي نادى بها إبن العربي وإبن الفارض ورابعة العدويّة. هذا الشرق يحمل إليه أيضاً تلك الشفافية الروحية التي وصلته من "فقراء" الهند وحكماء الصين. ولم يقف عند هذه الحدود بل تفاعلت عبقريته أيضاً مع المؤثّرات الفاعلة من تيارات الفكر الأوروبي ومتناقضاته. فمن جهة يبرز لنا تأثر جبران في مرحلة من مراحل أعماله بالشكل عند نيتشه وأسلوبه ومقدرته الفائقة على الإبداع في التعبير. ومن ناحية أخرى يتفاعل مع وليم بليك الذي اتخذ الروح مجالاً لأدبه وفنّه، والذي شاطر جبران إيمانه بوحدة العالم والتقاء الحضارات والثقافات، ومن ناحية ثالثة تترسّخ إتجاهاته الأولى في محبة الطبيعة وما كان يكنّه لها من تقديس واحترام، بما يجد عن إمرسون وويتمان وثورو. كتابك الجديد، ما الذي يميّزه؟ - تعلم جيداً أن هناك آراء، وأنا أحترم هذه الآراء، تنظر إلى جبران من منظار محلي أو إقليمي، وأن آخرين ينظرون إليه من منظار يتعلق بالعدالة الإجتماعية والإصلاح الإجتماعي والمسائل المتصلة بمطالب العيش والحياة. وثمة فئة ثالثة تنظر إلى جبران كحلقة وصل بين الشرق والغرب. ويذهب بعض الدارسين إلى تحليل جبران تحليلاً نفسياً، فمنهم من يجده نرجسياً، أو إنساناً وقف بين الشرق والغرب تنتابه الهواجس والتحديات وتؤثر فيه كإنسان وشاعر. إني أحترم كل الذين أسهموا في دراسة التراث الجبراني وأختلف عن معظم هؤلاء، ولا أدّعي أن هذه ميزة، لكن هو اختلاف في الرأي، وبكل تواضع، أنا أرى جبران من منظار صنعته تجارب الحياة وتجربتي مع الأدب والشعر، في إطار تمكّنت أن اجمعه في تنقلاتي ورحلاتي وإقامتي في بلدان مختلفة في الشرق والغرب. أنا أعتزّ مثلاً بأن جبران كان لبنانياً فأعطته لبنانيته نظرة إلى الحياة جمعت بين الأضداد. وكما قال الشاعر ييتس بأن أعظم الشعراء هم الذين يجمعون بين الأضداد. لكن جبران لا ينتمي إلى لبنان فقط أو إلى العالم العربي وحده، فهو ملْك العالم. ولعل كتاباته باللغتين العربية والإنكليزية وهو أمر يندر تحققه بين الشعراء العظام، أي أن يكون الأديب مجلّياً بلغتين، دليل آخر على أننا لا يمكن أن نضع جبران في حدود اللغة الواحدة أو الوطن الواحد أو الثقافة الواحدة. أرى أن جبران هو من أوائل الشعراء في القرن العشرين الذين أسهموا في خلق هذه الفلسفة التي يعتز بها العالم اليوم والتي نطلق عليها شرعة حقوق الإنسان" وأنه أيضاً كان من أوائل الذين دافعوا عن حقوق المرأة في شكل واضح لا مساومة فيه" وأنه كان واحداً من أبرز شعراء القرن العشرين الذين نادوا بقدسية البيئة وهي التي صرنا ننادي بها اليوم في كل المحافل" وأنه كان أخيراً من أوائل الذين نادوا بوحدة العالم الإنساني وضرورة التقاء الثقافات الفكرية والروحية على درب واحدة. ما هي مشاريعك للمستقبل؟ - الكتاب الذي صدر لي أخيراً مكتوب بالإنكليزية. وقد وجدت أن من واجبي أن اقدّم لقرّاء العربية كتاباً يختلف عنه من حيث الشكل والمضمون، ولكن يلتقي معه في الجوهر، وموضوعه "الأدب اللبناني بالإنكليزية" ويشتمل على مقدمة للتيارات الأدبية المعاصرة، الناطق بالانكليزية، وتحليل نقدي للآثار التي كتبها بالإنكليزية كل من أمين الريحاني وجبران وميخائيل نعيمة. وبالنسبة لي أقول أن هذه محاولة خجولة رأيت أن أقدّم فيها أول كتاب لدراسة معالم المدرسة الأدبية بالانكليزية التي أسسها اللبنانيون الثلاثة، وهي الوجه المقابل لما دار حوله كلام كثير، أي الأدب اللبناني بالفرنسية