المذابح الجزائرية غير المعقولة تذكر بسالفاتها من فظاعات الجنس البشري: عنف البدائيين الذي لم يؤرخ أو أُلبس أثواب القداسة أحياناً، ومحطات للعنف نالت عناية المؤرخين مثل إبادات الهنود الحمر في اميركا والابوريجين في استراليا واعدامات يهود في مناطق السيطرة النازية في أوروبا وبعض العمليات الاسرائيلية ضد فلسطينيين ولبنانيين وفظاعات التطهير العرقي ضد البوسنيين المسلمين في يوغوسلافيا السابقة. لن نطلب من مثقفين عرب ان يؤلفوا وفداً لزيارة الجزائر والتضامن مع شعبها البريء الذي يتلقى ضربات عمياء تحت جنح الظلام، لأن هذا الشعب لا يقدم للمثقف العربي المعاصر قاعدة قراءة ومشاهدة متطلباته الثقافية عربية كلاسيكية أو فرنسية أو باللغة المحكية، كما ان الطرف الذي يمكن ان يتظاهر ضده وفد المثقفين العرب غير واضح، وليس هو بالتحديد "الامبريالية الاميركية" لكي يمارس المثقف العربي ضدها تظاهراته التي خبرها واتقنها وأنس اليها. أنقول انه قابيل قايين العنيف الأول يتجسد في أحفاده يقتلون أخوتهم بلا ذنب؟ نهرب الى البداية اذ نقول، ولسنا في صدد تحديد مسؤولية اشار أحد الأصدقاء الى انها أبعد من جماعات تتخذ الاسلام شعاراً للسيطرة على الحكم من طريق قتل المحكومين لا قتل الحكام - فنتازيا فاجعة! - وأبعد من اتهامات بلا دليل لسلطة تلوث سمعة جماعات يعرف القاصي والداني انها تستسهل الحكم بالقتل وتنفيذ القتل في الجزائر وفي غيرها من الدول الاسلامية. المسؤولية أبعد، وربما كانت في حرب التحرير الجزائرية نفسها، حرب انتهت بالنصر على الفرنسي، لكنها حطمت أيضاً الشخصية الجزائرية وأوقعتها في الحيرة. كأن الفرنسي المنسحب صار مطلوباً استحضاره لتوجيه العنف اليه، فإذا تبين انه انسحب الى بلده لحقه العنف الى هناك، أو يتوجه العنف الى فرنكوفونيين جزائريين يُنظر اليهم كممثلين للفرنسي المنحسب. والحروب لا تنتهي بانتهاء المعارك. فكرة الحرب وعنف الحرب يستمران في النفوس وفي حركات الاجساد، حتى يستطيع أهل السلم تكريس تقاليد سلمية بديلة، وأن يوجهوا الهجومية الاجتماعية الكامنة نحو أشكال غير عنيفة، أي نحو تظاهرات لإنماء الريف مثلاً أو تظاهرات لإنماء الفولكلور، وبثّ حيويات سلمية تتحول فيها الهجومية الاجتماعية الى طفرة اقتصادية وثقافية وجمالية. والحال ان مذابح الجزائر تشكل تحدياً لشعوب خاضت حروب التحرر فلم تتحرر من الحرب، ولشعوب اسلامية بالذات وضعت الجماعات المسلحة مقدساتها الطاهرة في دنس العنف اليومي ومصالحه المادية البحت، وللمثقفين في العالم العربي وغيره للخروج من "دفء" اتهام "الامبريالية الاميركية" الى حقيقة العنف المركّب في المجتمعات النامية، وهو عنف لم يغب يوماً عن الانسان الخاطئ كما لم تغب مساعي أهل الضمير في الحدّ منه وتكريس تقاليد السلام بين البشر. والأفضل لضحايا الجزائر ان لا يزور الجزائر وفد من المثقفين العرب يكرر كلاماً ممجوجاً.