لم تخطط «فاطمة» يوماً لعبور حقل الأحلام إلى منصة الواقع، ولم تشأ أن تصدم المجتمع بقدراتها المغرقة في غرابتها، إلا أنها بما وُهِبَت من قدرات كامنة، نجحت في ملامسة أطراف الوجع في داخل متعبين ومتعبات، مستعينة بما أظهره الله على لسانها من آيات قرآنية خففت بتلاوتها من شقاء نفوس بيضاء، ورفعت ثقل أرواح وضعتها الأقدار في مهب رياح فائضة بالحقد والتعصب وشدة الفتك. السيدة «الخمسينية» أوضحت أن إحدى الرؤى لفتتها إلى موهبة الرقية، إذ رأت في منامها إشارات نورانية، فسّرها أحد المختصين بأنها ستسهم في مساعدة الناس وإخراجهم من كثير من المطبات، ولم يدر بخلدها أن المساعدة ستتمثل في علاج المصابين ب «العين والسحر والآلام النفسية» من خلال لغة شعبية ولهجة دارجة تردد بها آيات من كتاب الله فيتماثل المتعبون للشفاء بإذن الله، ويمضون سائرين في ألق المسافات الطويلة. ولعل أبرز ما حفّز «الحياة» لزيارة (فاطمة)، ما طرأ على حياتها من تحولات بإضافتها إلى الرقية، موهبة الرسم والتشكيل، متخذة من المدرسة «السريالية» أو «فوق الواقعية» مذهباً فنياً، من دون وعي منها بهذه المدرسة أو معرفة مسبقة برموزها أو منهجها في الفن، كون تعليمها توقف عند السنة الرابعة الابتدائية، لتمارس عبر لوحات عدة - اشتغلت عليها منذ نصف عام تقريباً - التعبير عن العقل الباطن بتلقائية ونفسية خالصة، وبإيحاء مركب بعيد كل البعد عن أي تحكم خارجي أو مراقبة من طرف العقل، من دون التفات إلى الانشغال الجمالي، موضحة أنها تستخدم الرموز للتعبير عن أوجاع بعض مرضاها، مستعيدة حالات الألم وقت الرقية وتداعياتها على نفسية وجسد المرقى. ولم تنف أو تخفي «الموهوبة فطرة» أميتها في الفن، وأنها لا تعرف الفنان الإسباني سلفادور دالي (1904-1989)، إلا حين ذكّرتها «الحياة» بأعماله الفنية ومنها «الخلوة» و«تداعي الذاكرة» و«الآثار» و«البناء» علّقت بأن لديها الاستعداد لمنافسته وتجاوز كل هذه الأعمال، مؤملة ألا تغفلها جمعيات التشكيليين وفروع جمعيات الثقافة كونها بحاجة إلى فضاء لعرض لوحاتها، مضيفة أن لديها استعداداً لإقامة معارض في مناطق سعودية، وشرح تجربتها المتواضعة للطالبات في المدارس والجامعات، مشيرة إلى أنها ستسعى إلى تطوير تجربتها لتؤثث الظل بألوانها اللافتة، وترتقي بوجع المتعبين إلى سفوح الغيم. من جانبه، عدّ رئيس قسم الفنون التشكيلية في فرع جمعية الثقافة والفنون عبدالله الدهري تجربة «فاطمة» من التجارب اللافتة والنادرة، كونها تعتمد على الجرأة في اقتحام وخوض التجربة، إضافة إلى اعتماد أسلوب قوي يبشر بتجلي موهبة متناغمة في تلقائية الألوان، إذ تزخر لوحاتها بشخوص ورموز محفزة للتأويل، مرجعاً سرعتها في تنفيذ ما يزيد على 200 لوحة في أشهر معدودة إلى نهم وطاقة خلاقة قابلة للتفجير والتعبير عن موهبتها بتلقائية فنية، وحالة نفسية مغايرة للمألوف، لافتاً إلى مهارتها في التحكم بالألوان لتعبر عن الأفكار اللاشعورية، مبدياً دهشته من التركيبات الغربية لأجسام غير مرتبطة ببعضها بعضاً وخلقها إحساساً بعدم الواقعية، إذ إنها تعتمد على اللاشعور مع محافظتها على انسجامها ورمزيتها. وأكد الدهري أن دهشته من هذه الحال تمثلت في تركيز فاطمة على «السريالية» التي تُعنى بالمضمون وليس بالشكل ولهذا تبدو لوحاتها غامضة ومعقدة، وإن كانت منبعاً فنياً لاكتشافات تشكيلية رمزية لا نهاية لها، تحمل مضامين انفعالية بحاجة إلى ترجمة من الجمهور المتذوق كونها تقوم على ما خلف الحقيقة البصرية الظاهرة التي لا تمثل كل الحقيقة، وترتكن إلى ما يخفى من حال نفسية داخلية. فيما أبدى مدير فرع جمعية الثقافة والفنون في الباحة علي البيضاني استعداد الفرع لتهيئة كل الإمكانات للتشكيلية «الظاهرة» (فاطمة) ومنحها فرصة عرض أعمالها في معرض مشترك خلال الصيف، واعداً بتنظيم معرض خاص بها بعد الصيف كونها حالة نادرة ولافتة.