تسكن ذاكرة أفراد المجتمع حالات استثنائية من المواهب المبدعة في شتى مجالات الحياة، ما يدخل المتابع في خانة الاستفهامات الطويلة حول قدرات الإنسان، وعلاقته بما يحيط به، وليست فاطمة الغامدي بدعاً من النوادر في عالم تقني معاصر لا يعترف إلا بالعلم والتقانة، فالراقية الشرعية نجحت، على رغم محدودية قدراتها القرائية واللغوية في تخفيف معاناة المسكونين بهوس الجن والعين، وأعادت روح الثقة ومعنوية التعافي لحالات عدة من رجال ونساء وقعوا في أسر الألم النفسي سنين عدداً، إلا أن تحوّلها من الرقية إلى عالم الرسم، من خلال لوحات منتمية للمدرسة السريالية استوقف أهلها وقرابتها والمعنيين بالفنون البصرية. فالسيدة الأمية فنياً أنتجت ما يزيد على 200 لوحة تشكيلية في مدة لا تزيد على أربعة أشهر، وتتملك متابعها الدهشة وهي تغمس ريشتها في علبة ألوان، وتمررها على البياض بحركات عفوية وفي مرسم تقليدي، لتخرج لوحة متكاملة متناغمة في ألوانها وتقاطيع شخوصها اللامرئيين، وتنعكس آلام اللوحة على نفسية متأملها، كونها في الغالب داكنة الألوان، ولا تتبرم فاطمة من الإقرار باحتشادها بألم المرقين من المرضى حين تسلط سهام الرقية عليهم، لتتلبسها حالة وجع لا مناص من إخراجه في هذه الأعمال الفنية. «راقية شرعية» تحاكي «سلفادور دالي» برسوماتها «السريالية»