الناشط السياسي الليبي حسن طاطاناكي الذي يرغب بتعريفه ك «مواطن ليبي»، يتمتع بعلاقات مع قوى سياسية عدة وزعماء قبائل، ويمتلك وسائل إعلام مرئية ويدير مع حقوقيين مؤسسة «العدالة أولاً» التي توثّق الإساءات إلى حقوق الإنسان في ليبيا. لكن طاطاناكي يبدو مستقلاً حين يوزّع نقده على الأطراف الليبية، وإن بدرجات متفاوتة، وفق ما يراه مصلحة الشعب الليبي بتياراته المدنية. يقول إن الإسلام السياسي في ليبيا يبدو مثل شركة قابضة هي «الإخوان»، والشركات الفرعية هي سائر تشكيلات الإسلام السياسي. مع ذلك تحاول قيادات «القاعدة» و»المقاتلة» و»أنصار الشريعة» وغيرها التخويف ب «داعش»، ويعلنون رغبتهم بالدخول في تحالف ضده، وهم أنفسهم يشبهونه في السعي للسيطرة على الدولة والشعب بالعنف. إنها عملية تغيير وجه لا أكثر، لكن «الإخوان» يتميزون باستخدام المال والتهديد والفساد، وقد لمسنا ذلك على الأرض لدى «الإخوان» في أوضاع المجلس المنتهية ولايته في طرابلس. أنشأ «داعش» دولته في سورية والعراق مستغلاً الصراع السنّي- الشيعي، وفيما لا طوائف في ليبيا، نراه ينبت فجأة من مراكز معروفة ل «القاعدة» و «المقاتلة»، وتستمر محاولة إقناع المجتمع الدولي بأن «القاعدة» تواجه «داعش» في ليبيا. إنها خرافة، أو أنها اللعبة التي يتقنها القتلة. وعزا طاطاناكي التركيز على التمايزات بين أقاليم ليبيا الغربية والشرقية والجنوبية إلى «الإخوان»، واتهمهم ببث الخلاف بين الأقاليم، فيما الخلاف موجود داخل كل إقليم بين التيار المدني الشرعي والجهات المسلحة التي تصادر إرادة المواطنين، وهو يعتبر العاصمة طرابلس محتلة بالقوة العسكرية للإسلام السياسي، وقد رد التيار المدني على الاحتلال بواسطة الجيش الشرعي المنبثق من البرلمان المنتخب الذي وصل حتى مسافة 40 كيلومتراً من العاصمة ولا يزال يحاول التقدم. ويرى طاطاناكي علامات ضعف وأنانية جهوية في مدن ترضخ لميليشيات وكتائب أمنية، متوهمة أنها تستخدم هؤلاء، فيما يحصل المسلحون الميليشيويون على ما يسمّونه شرعية المدن ويستخدمونها ضد الجيش الشرعي. وعزا هذه الظاهرة السلبية إلى طمع يتحكم بوجهاء في بعض المدن، يسشجعه الإسلام السياسي الذي يمارس لعبته بوجوهها المختلفة. ونفى وجود مشكلات حقيقية لدى شعب ليبيا وقبائلها في الشرق والغرب والجنوب، فالتصنيف الجهوي الحاد يقوم به «الإخوان»، فيما يسيطرون مع متطرفيهم على العاصمة ويدعمون حكومتها غير الشرعية التي تتقدم للدخول في الحوار، بقبول الأممالمتحدة وتشجيعها. ويعترف بسطوة القوة العسكرية للإسلام السياسي في الداخل الليبي كما بقوة تحركاته الخارجية التي تدعمها دولتا تركيا وقطر، في مقابل ضعف التيار المدني وإمكانات جيشه الشرعي. وهو يرجع الضعف إلى شفافية هذا التيار ومؤسساته، وحرية غير منضبطة لدى أركانه تؤدي الى خلل التنسيق. وأعطى مثالاً كثرة الخلافات بين البرلمان والحكومة والجهات التنفيذية، فيما تعجز الحكومة عن توفير المعيشة اللائقة للمواطن. وكل هذا يظهر الطرف الآخر في مظهر قوة. وقد أدى هذا الوضع الى تردد المجتمع الدولي في التعامل مع الشرعية الليبية التي يكثر المتكلمون باسمها ويتعدد مبعوثوها الى الجهات الدولية، فيما يبدو «الإخوان» وداعموهم في مظهر تنسيق تفتقده الهيئات الشرعية. ولاحظ لدى الحديث عن الجيش الشرعي افتقاده كياناً قيادياً متكاملاً بأركانه الضرورية، إذ تبدو كل مجموعة من الجيش كأنها مستقلة عن غيرها، مع خلل في التراتب وصولاً إلى هيئة قيادية يفترض ان تشكل مرجع الإمرة والتحركات. أما مشكلة تسليح الجيش فتعود، ليس فقط إلى الحظر الدولي بل ايضاً إلى حرص الشرعية الليبية الممثلة في البرلمان على تطبيق المعايير القانونية الدولية لاستيراد سلاح للجيش. أما الجهة الأخرى فتستورد السلاح بطرق غير قانونية بواسطة داعميها الدوليين. الحوار ونتائجه ويرى طاطاناكي أن رئيس بعثة الأممالمتحدة في ليبيا برناردينو ليون يدير الحوار الليبي بين كيانين يفترض شرعيتهما، في حين ان الحوار هو بين كيان شرعي وآخر احتل العاصمة وجوارها متحولاً إلى قوة أمر واقع. ويأخذ ليون الحوار الى اتفاق على حكومة وفاق وطني مع قوى لم تفوّضها ديموقراطية صندوق الانتخاب. وفي كل الأحوال فإن البرلمان الشرعي هو الذي يتحمل مسؤولية الحوار من دون استفتاء شعبي يخوّله ذلك. لقد جرى التوقيع الأولي على اتفاق لم تتضح حقيقته والمآلات التي يؤدي إليها، وعلى سبيل المثال: ما هو جيش هذه الحكومة؟ وهل يضم مقاتلي الإسلام السياسي المتعسكر باختلاف مسمياته وكذلك قيادات من هذه الفئة؟ وهل سيكون مقر الحكومة العاصمة طرابلس على رغم كونها محتلة؟ البرلمان شرعي ومنتخب، ولكن ليس من حقه التنازل عن سلطته أو جانب منها لطرف ثان. وإذا صح أن حكومة الوفاق التي يريدها ليون ستتخذ قراراتها بالإجماع فإن ذلك يربك إدارة الدولة وسياساتها، ويفسح في المجال لتدخلات أجنبية لدعم إجماع على هذا القرار أو ذاك، كأننا نمهّد لحكم فاشل يستند الى ديموقراطية شكليّة تقف خلفها جماعات الضغط العسكري والتهديد والفساد، فضلاً عن تشريع الدولة لتدخُّلات خارجية. والمطلوب من السيد ليون تعريف الإرهاب، هو الذي يضغط ويهدد حين يقول انه إذا وقّع البرلمان الاتفاق سيوقف حرب «أنصار الشريعة» على بنغازي التي دمّر 40 في المئة منها، فضلاً عن تدمير «داعش» سرت وضغوط المتطرفين على مصراتة، وبينهم عرب وأجانب. اما الجنوب فيسيطر «القاعدة» على قسم كبير منه بعناصره التي أتت الى مدينة أوباري من مالي عبر النيجر. دول الجوار وأوروبا ولفت طاطاناكي إلى تركيز الإسلام السياسي المتطرف للقبض على ليبيا كمركز للتحرُّر المادي واللوجستي يؤهله لتصدير الإرهاب إلى دول الجوار وأبعد. وأشار إلى وجود حوالى مليون ليبي في مصر ونصف مليون مصري في ليبيا، مع ذلك أعدم الإرهابيون 7 مصريين في بنغازي و24 في سرت واختاروا هؤلاء الأبرياء من الأقباط وأرفقوا جريمتهم بإعدام 22 إثيوبياً، وهم أقباط أيضاً، في رسالة دموية إلى المجتمع والدولة في مصر التي تبعد 220 كيلومتراً عن درنة حيث يسيطر «القاعدة»، فضلاً عن أن حدودنا مع مصر يبلغ طولها 1250 كيلومتراً. الهدف بث الفتنة في مصر وبينها وبين ليبيا باستخدام مال ليبيا وشعبها. وعن تونس حيث يقيم ليبيون كثيرون، فإن تدريب 5 متطرفين منها في ليبيا تسبب بقتل سياح وهزة للإقتصاد، وإذا استمر مثل هذه العمليات الإرهابية تتعرض تونس الى انهيار اقتصادي. وفي ما يتعلق بالجزائر فإن دولتها تمرست بمحاربة المتطرفين، لكن هناك خطر على ليبيا من تصدير الإرهابيين الجزائريين إليها. أما تشادوالنيجر فإن الفوضى في ليبيا قد تدفعهما الى محاولة السيطرة على النفط والمياه في مناطقنا الجنوبية، أو تقاسمها مع متطرفين ليبيين. وبالنسبة الى أوروبا التي تعاني الآن من حوالى 300 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا عبر البحر من ليبيا ومات آلاف منهم غرقاً بمراكبهم المتهالكة، فيجب ان تعلم أن ليبيا تعاني من وجود حوالى 800 ألف مهاجر غير شرعي على أراضيها يسعون للعبور الى أوروبا. وبذلك يبدو واجباً على الأوروبيين دعم الحكم الشرعي في ضبط الحدود الجنوبية. هنا أساس المشكلة. ولكن يبدو ان الحلول الموقتة التي تسعى إليها الأممالمتحدة مبنية على قلة معرفة بالواقع وتتسبب بمزيد من المآسي لليبيا وأوروبا ودول الجوار. وهنا ينبغي تعاون المنظمة الدولية مع جامعة الدول العربية لاستنباط حلول للأزمة، لئلا تبقى ليبيا مكاناً حصيناً للمتطرفين ومنطلقاً نحو الجوار والعالم كله. وليتذكر الأوروبيون دائماً أن ليبيا ومصر وتونس أقرب إلى إيطاليا من لندن.