ازد - حصة ابراهيم برز أخيراً صراع عنيف بين قيادات الميليشيات الحوثية حول النفوذ والمال، وعلى رغم سطوة الميليشيات وقمعها العنيف لكل من يعارضها، أو يحاول كشف خفايا قياداتها، إلا أنها لم تتمكن من السيطرة على هذا الصراع وإبقائه في زواياها المظلمة، ليظهر بقوة على سطح المشهد السياسي اليمني، ويكشف معه فساداً غير مسبوق، يلتهم بلايين الريالات من إيرادات الدولة وتجارة السوق السوداء للمشتقات النفطية. ومنذ سيطرة ميليشيات الحوثي على مؤسسات الدولة وماليتها العامة بما فيها البنك المركزي، في أيلول (سبتمبر) 2014، استنزفت الاحتياطي النقدي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي والمقدر بنحو 4 بلايين ونصف بليون دولار أميركي بحسب تأكيد الحكومة الشرعية، إضافة إلى الإيرادات العامة للدولة لأكثر من عامين. وتؤكد مصادر مطلعة : أن اللجان الحوثية المسيطرة على مؤسسات الدولة تحايلت على قرار البنك المركزي الصادر قبل نحو عام بإيقاف المصروفات بكل أشكالها باستثناء الراتب، وتقوم بتحصيل الإيرادات نقداً بدلاً من الشيكات وتتصرف بها في شكل عبثي. وقالت المصادر المقربة من المجلس السياسي الذي يعد أعلى سلطة في تحالف (الحوثي – صالح)، إن الميليشيات تستحوذ على عشرات البلايين من الإيرادات العامة وتتصرف بها من دون علم شريكها في الانقلاب على السلطات الشرعية علي صالح، بما في ذلك إيرادات شركات الاتصالات التي بلغت قبل نحو شهرين أكثر من 40 بليون ريال، إضافة إلى إيرادات الجمارك والضرائب والتبرعات التي كانت تحصلها لمصلحة دعم البنك المركزي، وإيرادات النفط والغاز. وكلها لم تكن تورد إلى البنك المركزي وفق المصادر. هذا الأمر دفع وزير المال في حكومة الانقلاب المشكلة قبل نحو ثلاثة أسابيع صالح شعبان إلى زيارة شركة النفط عقب تشكيل الحكومة مباشرة ومطالبة القائمين عليها بتوريد الإيرادات إلى حساب الحكومة لدى البنك المركزي، بيد أن طلبه الذي أثار حفيظة الحوثيين قوبل بالرفض، وأوضحت المصادر أن الحوثيين يبررون الاستحواذ على كل هذه الإيرادات بالإنفاق على المجهود الحربي. ومنتصف الأسبوع الماضي توفي الصحافي اليمني محمد عبده العبسي، ويعتقد أنه مات مسموماً، ما دفع أسرته ونقابة الصحافيين اليمنيين للمطالبة بلجنة محايدة لتشريح الجثة وتحديد سبب الوفاة. وتقول مصادر مقربة منه أنه حصل على وثائق تكشف فساد قيادات حوثية متورطة بالمتاجرة بالمشتقات النفطية في السوق السوداء، وتأسيس شركات نفطية خاصة بهذه القيادات، واحتكارها استيراد النفط. وكشف الصحافي اليمني محمد الربع عن رسالة وجهها إليه العبسي قبل أيام قليلة طلب فيها من الربع الذي يعمل في قناة «يمن شباب» التي تبث برامجها من الأردن، الحديث عن «هوامير الفساد النفطي»، وقال العبسي في رسالته إنه أجرى بحثاً استقصائياً عن تجار السوق السوداء في اليمن واتضح له أن أكبر الشركات النفطية المحتكرة حالياً استيراد النفط ثلاث شركات كلها لقيادات حوثية. وأكد العبسي أن الشركة الأولى والأكبر هي لمحمد عبدالسلام الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي، وأسماها «يمن لايف» ويديرها شقيقه، والشركة الثانية لتاجر السلاح الحوثي المعروف دغسان محمد دغسان واسمها «أويل برايمر»، بينما تعود الشركة الثالثة واسمها «الذهب الأسود» للحوثي علي قرشة الذي كان عضواً في لجنة الوساطة أثناء الحرب الخامسة، مشيراً إلى أنه تم إنشاء شركة في إحدى الدول من قبل الحوثيين كواجهة تقوم بشراء النفط باسمها صورياً حتى لا تواجههم مشاكل في الحصول على تراخيص من قبل دول التحالف. وقال العبسي أن ارتفاع سعر الدولار إلى أكثر من 300 ريال في فترة وجيزة سببه سحب العملة الصعبة من السوق والمتاجرة بها في استيراد النفط، ما يعد في نظر العبسي أحد الأسباب التي تجعل محمد عبدالسلام وفريقه المفاوض في محادثات السلام مع الحكومة الشرعية، يفشل أي حلول أو فرص للتوصل إلى السلام في اليمن، وإبقاء الوضع الحالي كما هو لأطول وقت ممكن حتى يتمكنوا من تكوين ثروة تمكنهم من البقاء اقتصادياً. وزود العبسي زميله الربع بالعديد من الوثائق التي تؤكد هذا الفساد، بينها رسالة موجهة من الشركة اليمنية للنفط إلى بنك اليمن الدولي تطلب فيها تحويل مبلغ ثلاثة ملايين و421 ألف دولار من حسابها لمصلحة شركة «الذهب الأسود» التي يمتلكها القيادي الحوثي علي قرشة، مقابل 700 طن متري من الديزل. وخلال العامين الماضيين تشكلت طبقة تجارية جديدة في السوق اليمنية من الحوثيين، اذ أنشأت قيادات حوثية عدة شركات صرافة، وفتحت عدداً كبيراً من محطات بيع المشتقات النفطية، ومعارض لتجارة السيارات، الأمر الذي مكنها من تكوين ثروات كبيرة، تم تسخير أجزاء منها لشراء الأراضي والمنازل في العاصمة صنعاء وبقية المدن التي يسيطر عليها الحوثيون الذين يسعون أيضاً لإنشاء شركة اتصالات جديدة من الجيل الرابع، بيد أن يحيى الراعي رئيس مجلس النواب تمكن من تجميد الترخيص لهذه الشركة في اللحظات الأخيرة. وعلى مدى الأشهر الماضية وأتباع الرئيس المخلوع علي صالح، يهاجمون الميليشيات الحوثية ولجانها المسيطرة على مؤسسات الدولة ويتهمونها بالفساد، ويقولون إن المشرفين التابعين للحوثي يستولون على إيرادات الدولة وينفقون منها على أنفسهم ببذخ شديد أمام أعين اليمنيين، وإن فساد هذه اللجان استنزف كل الموارد وحال دون صرف مرتبات موظفي الدولة مدنيين وعسكريين لأربعة أشهر متتالية. الصراع بين القيادات الحوثية على الأموال العامة للبلاد، والمتاجرة بها في الأسواق السوداء للمشتقات النفطية، أفرزا صراعاً آخر على النفوذ وامتلاك سلطة اتخاذ القرار، إذ تؤكد مصادر مقربة من الميليشيات الحوثية تحدثت : أن خلافاً شديداً يدور منذ أكثر من عام ونصف العام بين الناطق باسم الحوثيين ورئيس فريق المفاوضات مع الحكومة الشرعية محمد عبدالسلام، ورئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي، وقالت المصادر إن عبدالسلام الذي يشرف على وسائل إعلام الحوثي، يوجه هذه الوسائل بتجاهل بث ونشر أخبار ونشاطات الحوثي، في محاولة لتحجيم دوره. وأوضحت المصادر أن رئيس اللجنة الثورية العليا، التي يقول الرئيس المخلوع صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام أنها حلت بمجرد تشكيل المجلس السياسي الأعلى مناصفة بين شريكي الانقلاب، ما زال يمارس مهماته في إدارة مؤسسات الدولة من خلال اللجان الثورية الموجودة في مختلف المرافق، وأن تجاهل دوره من قبل الإعلام الحوثي، دفعه للتفكير في إنشاء مؤسسة إعلامية خاصة به، وأنه يجري الإعداد لإنشائها بصورة حثيثة. الخلافات في أروقة الميليشيات لم تقتصر على محمد عبدالسلام ومحمد علي الحوثي، بل هناك صراع آخر يدور بين رئيس اللجنة الثورية محمد الحوثي، ورئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد، حول الصلاحيات في إدارة شؤون الدولة. مصادر مطلعة في المجلس السياسي الذي يعد السلطة المتوافق على منحها حق إدارة البلاد بموجب اتفاق الشراكة بين الميليشيات والرئيس المخلوع، أكدت ل «الحياة» أن محمد علي الحوثي لا يزال هو المسيطر على القرار في مختلف مؤسسات الدولة من خلال اللجان الثورية التابعة له، على رغم التوافق على استبدال سلطة المجلس السياسي بسلطتها، ومن ثم تشكيل حكومة شراكة بين الحليفين. وتعتقد المصادر أن رئيس المجلس السياسي صالح الصماد، وعلى رغم أنه أحد القيادات الحوثية، إلا أنه غير مأمون الجانب بالنسبة إلى الحوثيين، وبالتالي فإن قراراته وتوجيهاته غير نافذة لدى اللجان الثورية التي يديرها محمد الحوثي، وترى المصادر أن نسب الصماد هو السبب في ذلك، إلى جانب الصراع على النفوذ والمال، كونه لا ينحدر من سلالة الهاشميين التي يتعصب لها الحوثيون. وتقول مصادر سياسية يمنية، إن سيطرة الحوثيين على السلطة في البلاد عقب اجتياحهم العاصمة صنعاء، فتحت أمام قياداتهم كل خزائن الأموال العامة، وأخذوا يتمتعون برغد العيش بعد سنوات طويلة من الحرمان في محافظة صعدة وكهوف جبالها، وأن ما استولوا عليه من أموال مكنهم من شراء المنازل الفخمة والسيارات الفارهة، والإنفاق الباذخ على أمور المعيشة، ما دفع كل واحد منهم إلى السعي لتحقيق المزيد من الثراء، وهو ما فتح أمامهم أيضاً أسباب الصراع، إذ يعتبر كل منهم ما تحقق له مكاسب شخصية ويرفض التخلي عن هذه الفرص مهما كان الأمر. وتوقعت المصادر السياسية التي تحدثت إلى «الحياة» أن يقود صراع النفوذ والمال في أوساط الميليشيات الحوثية إلى خلخلتها وربما سقوطها، بخاصة ان الكثير من المؤشرات تؤكد أن سلطة القائد الروحي للميليشيات عبدالملك الحوثي المتواجد في كهوف محافظة صعدة، باتت عاجزة تماماً عن السيطرة على قيادات الصفين الأول والثاني التابعة له، وهي القيادات التي أوغلت في الفساد وتمردت على قيادتها نتيجة لذلك. ولفتت المصادر إلى العديد من المؤشرات التي تؤكد أن عبدالملك الحوثي أضحى غير قادر على ردع أتباعه، وإيقاف ممارساتهم وسلوكياتهم وفسادهم، فضلاً عن إيقاف الصراع في ما بينهم، وتقول إن دوره يقتصر حالياً على تسجيل المحاضرات والخطب التي ترسل لأتباعه، والتي لا تخلو خطبة منها من الإشارة إلى تلك السلوكيات والممارسات الفاسدة، ومطالبة أتباعه بالكف عنها، وأنها كانت السبب في إلحاق الهزائم بمقاتليه، ومن ضمن القضايا التي يدعوهم في خطبه إلى معالجتها، قضية آلاف السجناء الأبرياء الذين اعتقلتهم الميليشيات وترفض إطلاقهم. وتابعت المصادر: «لو كان عبدالملك الحوثي صاحب قرار لأصدر أوامره بإطلاق السجناء الأبرياء، ولكان تم إطلاقهم فعلاً، ولو كان قادراً لأوقف الصراع بين الناطق باسمه محمد عبدالسلام ورئيس اللجنة الثورية محمد الحوثي، وبين الأخير وصالح الصماد، ولو كان باستطاعته لأوقف القيادات الفاسدة وأحالها على المحاسبة حفاظاً على سمعة الميليشيات التي تتمرغ في الوحل». الأيام المقبلة كفيلة بكشف المزيد من الخفايا حول صراع الحوثيين وفسادهم، والتي قد تؤدي إلى الانشقاقات في أوساط الميليشيات، بخاصة أن شريكهم في الانقلاب علي صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام باتا يضيقان بهم ذرعاً، ليس لرغبتهما في إيقاف فسادهم، ولكن لاستحواذهم على كل شيء من إدارة الدولة إلى مواردها وأموالها، من دون أن يحصلا ولو على الجزء اليسير منها، وهو أيضا ما يرجح أن يكون سبباً في المواجهة بين الشريكين.