- الرأي - خلود النبهان - جازان : في زمن تتسارع فيه الخطوات نحو المستقبل، يظل التراث نافذة نطل منها على الماضي، وحبلًا متينًا يربط الأجيال بجذورها. ومن بين أولئك الذين أخلصوا لهذا الإرث الإنساني وكرّسوا حياتهم لفهمه وحمايته، يبرز اسم الدكتور فيصل طميحي، الباحث في علم الآثار والتراث، كشخصية تجمع بين شغف الاكتشاف وعمق البحث الأكاديمي. مسيرته ليست مجرد رحلة علمية بل قصة عشق لماضٍ يثري حاضر المملكة ويشكل ملامح هويتها الثقافية. الباحث والإنسان: مسيرة تجمع بين الشغف والتخصص الدكتور فيصل طميحي هو أحد أبناء منطقة جازان الذين نهلوا من جمالها الطبيعي وإرثها التاريخي. نشأ بشغف فطري بالآثار، ليُقدّر له أن يحقق هذا الشغف بدراسة أكاديمية تخصصية. يحمل الطميحي درجة الدكتوراه في علم الآثار، مع تخصّص دقيق في علم المسكوكات (العملات الأثرية)، وهو المجال الذي يعد ركيزة مهمة لفهم الحضارات وثقافاتها الاقتصادية والاجتماعية. عمل الطميحي في جهات متعددة، أكاديمية وبحثية، مكّنته من المشاركة في التنقيب والمسح الأثري بمناطق المملكة كافة. لم تكن تلك التجارب مجرد عمل بل كانت مدرسة صقلت شخصيته البحثية وأغنت مسيرته المهنية. كما نشر الطميحي العديد من الأبحاث المحكّمة التي تسلط الضوء على العمق الأثري والثقافي للمملكة. التراث الأثري وتعزيز الهوية الثقافية في حديثه مع صحيفة " الرأي " : يرى الطميحي أن التراث الأثري يلعب دورًا محوريًا في تعزيز الهوية الثقافية للمملكة. فالمملكة، باعتبارها مهد الرسالات ومهوى الأفئدة، تحتضن حضارات إنسانية متعاقبة تركت بصمتها في كل شبر من أرضها. ويؤكد أن العمق التاريخي الذي تكشف عنه الاكتشافات الأثرية الحديثة يعزز الشعور الوطني بالانتماء، ويثبت أن لهذه الأرض "أول وتالٍ"، كما عبَّر بمقولته. كنوز جازان الأثرية: استثمار سياحي وأكاديمي تزخر منطقة جازان بمواقع أثرية غنية ومتنوعة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ والإسلام. من بين هذه المواقع، تبرز أطلال موقع عثر، وموقع السهي، وموقع المنارة. هذه المواقع ليست فقط كنوزًا للبحث الأكاديمي بل تمثل فرصًا واعدة للاستثمار السياحي بما ينسجم مع رؤية 2030. يؤكد الطميحي أهمية المحافظة على أصالة هذه المواقع أثناء استثمارها، مشيرًا إلى أن التنوع التضاريسي الذي تتميز به جازان يمنحها خصوصية تراثية متفردة. التراث العمراني: انعكاس للبيئة الثقافية يشير الطميحي إلى أن التراث العمراني في جازان يتشابه مع نظيره في مناطق المملكة الأخرى من حيث العناصر الأساسية، لكنه يتميز بلمسات فريدة تعكس البيئة الزراعية الغنية للمنطقة. ومن أبرز مظاهر هذا التراث "العشة التقليدية"، التي يدعو إلى إعادة إبرازها بوسائل حديثة تحقق الاستدامة وتُبرز هويتها التاريخية. نقطة التحوّل: الاكتشافات الأثرية في فرسان يرى الطميحي أن الاكتشافات الحديثة في محافظة فرسان تمثل نقطة تحول مهمة. فقد كشفت التنقيبات عن أكوام القواقع التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، إضافة إلى معثورات من عصر ما قبل الإسلام. هذه الاكتشافات أضافت حقائق حضارية جديدة تسهم في تعزيز مكانة المنطقة الثقافية عالميًا. التنوع الثقافي: عنصر قوة للتكامل الوطني والإقليمي يرى الدكتور فيصل أن التنوع الثقافي الذي تتميز به المملكة بمختلف مناطقها يعزز الهوية الوطنية ويوفر فرصة للتكامل الإقليمي. اللغة المشتركة والعادات المتقاربة عوامل توحد الشعوب في المنطقة وتجعل التعاون في مجالات التراث والثقافة أمرًا طبيعيًا ومثمرًا. استثمار التجارب الناجحة في حماية التراث: ويذكر الدكتور فيصل طميحي لصحيفة " الرأي " : أن من بين التجارب الملهمة التي تدعو إلى الاقتداء بها تجربة "جدة التاريخية"، حيث تم توظيف مبانيها التراثية في مسارات سياحية ثقافية جذبت الزوار من كل مكان. ويقترح تكرار هذه التجربة في جازان وفرسان لإبراز هويتهما التاريخية. الشباب:حماة التراث ومستقبل الثقافة يلفت الطميحي إلى أن الشباب السعودي اليوم يظهر وعيًا متزايدًا بأهمية التراث، ليس فقط كماضٍ يُحكى بل كجزء من هويتهم ومستقبلهم. ويؤكد أن دورهم لا يقتصر على حماية التراث بل يتعداه إلى إبراز قيمته ونقل رسالته للأجيال القادمة. رسالة للأجيال: الحفاظ على الأمانة الثقافية في ختام حديثه، يؤكد الدكتور فيصل أن التراث هو أمانة ينبغي الحفاظ عليها كما وصلت إلينا دون تغيير أو تطوير. ويشير إلى أن الحراك الثقافي الحالي في المملكة يوفر فرصة ذهبية لنقل هذا الإرث للأجيال القادمة بنفس الروح والقيمة التي ورثناها من أسلافنا. ختامًا : الدكتور فيصل طميحي هو نموذج للباحث الذي يجمع بين شغف الاكتشاف وحس المسؤولية تجاه الإرث الثقافي. من خلال أبحاثه الرصينة وإسهاماته العلمية، استطاع أن يقدم صورة مشرقة عن التراث السعودي، وأن يسهم في تسليط الضوء على الكنوز الأثرية التي تزخر بها المملكة، وخصوصًا منطقة جازان. برؤيته الواضحة وإيمانه العميق بأهمية التراث، يواصل الطميحي العمل على مشاريع طموحة تهدف إلى الحفاظ على التاريخ وصونه للأجيال القادمة، ليبقى اسم الدكتور فيصل طميحي شاهدًا على إنجازات علمية وإسهامات وطنية متميزة في مجال الآثار والتراث.