علي بن أحمد بن سعيد بن حزم.. هذا هو الفقيه الأندلسي الذي نشأ بين النساء وعرف من أسرارهن ما لم يعرفه أحد.. وحفظه الله من الحرام فنشأ بينهن عفيفا.. لكن نفسيته استوت بين الرجال صعبة المراس خشنة القياد حتى قيل عنه لسان ابن حزم في المغرب كسيف الحجاج في المشرق. وقد وكل والده به رقيبات عليه.. وما أصعب رقابة النساء ثم تولى رعايته في صباه أبو علي الفاسي وكان رجلا متواضعا عفيفا غرس العفة في ابن حزم فلم يكشف إزاره على حرام قط منذ سن البلوغ. وصفه المحقق أحمد محمد شاكر فقال: الإمام الجليل المحدث الفقيه، قوي العارضة، شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه والأصول والخلاف، مجدد القرن الخامس، فخر الأندلس، أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456ه. وقال عنه أحمد أمين في كتابه ظهر الاسلام وكان عالم الأندلس غير مدافع ابن حزم فقد كان واسع الاطلاع قوي النفس في الجدل.. فهو نابغة في الحديث وفي علم الكلام وفي التاريخ وفي أصول الفقه وفي الأدب، وحتى في المنطق والفلسفة. وقد نشأ ابن حزم شافعي المذهب لكنه انتقل إلى مذهب الظاهرية.. وخلاصة هذا المذهب عدم الاعتماد في استنباط الأحكام الشرعية على القياس بل على النص وإذا كان النص مطلقا أخذ على اطلاقه إلا إذا قيده نص آخر.. وقال أحمد أمين: إن اعتماد الظاهرية على النصوص فقط أسلمهم أحيانا إلى بعض المتناقضات مثل انهم يوجبون غسل الإناء من ولوغ الكلب لوجود النص ولا يغسلون من ولوغ الخنزير لعدم وجود نص في ذلك. وناظر ابن حزم علماء عصره في الأندلس وقال عنه ابن حيان «انه يصك معارضه صك الجندل». وكان لا يأبه بمن يعارضه ولو كان الأشعري أو أبو حنيفة أو مالك رحمهم الله أجمعين.. وقد اعتذر في بعض كتبه عن حدته بأن ذلك بسبب مرض كان يعاني منه. وقد ناظره أبو الوليد الباجي من علماء المالكية وكان عالما فقيرا بينما كان ابن حزم ثريا.. فقال الباجي: «أنا أعظم منك همة في طلب العلم لأنك طلبته وأنت معان عليه تسهر بمشكاة الذهب، وطلبته أنا، وأنا أسهر على قنديل من قناديل الحرس». فقال ابن حزم: هذا الكلام عليك لا لك، لأنك إنما طلبت العلم وأنت في تلك الحال رجاء تبديلها بمثل حالي. أما أنا فلم أرج إلا علو القدر في الدنيا والآخرة. السطر الأخير : قال ابن حزم رحمه الله : أكتمه ويكشفه شهيق يلازمني وإطراق طويل ووجه شاهدات الحزن فيه وجسم كالخيال ضن نحيل وأثبت ما يكون المرء يوما بلا شك إذا صح الدليل.