لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    «نتفليكس» تواجه غضب السعوديين بسبب رفع الأسعار.. هل تسقط أمام المنافسين ؟    إصابة طبيب في قصف إسرائيلي استهدف مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    11 تطبيقاً على هاتفك.. تتجسس عليك    بروزوفيتش مهدد بالغياب أمام الاتحاد    "مركز الأرصاد" يصدر تنبيهًا من أمطار غزيرة على منطقة الباحة    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    اختبارات الدور الثاني للطلاب المكملين.. اليوم    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    رصد أول إصابة بجدري الماء في اليمن    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    آل غالب وآل دغمش يتلقون التعازي في فقيدهم    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    "ليالي المحافظات" تنطلق في شتاء جازان 2025 بألوان التراث والفلكلور    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    القِبلة    المملكة تعزز التعاون لمكافحة الفساد والجريمة واسترداد الأصول    نائب وزير التجارة تبحث تعزيز الشراكة السعودية – البريطانية    30 عاماً تحوّل الرياض إلى مركز طبي عالمي في فصل التوائم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    المدى السعودي بلا مدى    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    إسرائيل تستهدف قياديًا في «حزب الله»    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    أسبوع واحد نقل الحرب في أوكرانيا إلى التصعيد    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



االعلامة ابن عقيل الظاهري: غلبني «الهوس» فكانت لحيتي عند ركبتي لا أهذبها أبدا 1
نشر في المدينة يوم 25 - 12 - 2009

في الحلقة الأخيرة من «المواجهة» .. معترفا : لا أرفع رأسي في مَحْفَل ولا أظهر في فضائيات وعنيت بقراءة الفكر العلماني ممن يتقنون المغالطة والكذب .. ونقف في هذا الأسبوع مع الحلقة الأخيرة من "مواجهة" العلامة أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري معترفا بأن الهوس غلبه فكانت لحيته عند ركبته لا يهذبها أبداً فاستغربتها مدينة لندن، ومقرا بأن أبوب تراب الظاهري والشاعر عبدالغني القستي أعجميان صلتهما بإيقاع العرب كعلاقة الأتان بالمهرة، مشيرًا إلى أن الأول لم يُحسن إلى الظاهرية وما قدمه نقل ونسخ من الكتب. مؤكدًا أنّه "مترجم لابن حزم"، وأنه لا يستدرك على أعضاء هيئة كبار العلماء في فتواهم، مطالبا في ذات الوقت بتوحيد الفتوى، وإدخال أعضاء في البلاغة والنحو واللغة والنواحي الفكرية في " الهيئة"، واصفًا الخطاب الديني بأنه صوت "خافت" وأن محمد أركون والصادق النيهوم وعلى حرب أهل ضلال، وعايض القرني صاحب طويَّة سليمة، مشخصاً ما آلت إليه "الصحوة" وأنها إذا تحولت إلى فتنة وانشقاق وحزبية وتأليب على ولاة الأمور فهي نكسة وفتنة وليست صحوة... فإلى نص المواجهة في حلقتها الأخيرة... هل لك أن تعطينا صورة موجزة عن علاقتك بأبي تراب الظاهري رحمه الله تعالى؟ - علاقتي بأبي تراب رحمه الله ليست بالحميمة إلى ذلك الحد.. تعرفت عليه في حدود عام 1384ه في درج عمارة باعشن بجدة ، وقارضني بعد سنوات بكلمات، وسماها (حلقونات ظاهرية) نشرها بجريدة المدينة أو البلاد .. نسيت.. وكانت مقابلة العمارة مقابلة ودية، وأردتها تتلمذاً عليه؛ فما وجدت شيئاً يغريني بالتتلمذ.. وجدتُ أن ما عند الرجل هو نقل من الكتب ونسخ، لكنه لا يوصِّل معلوماته ، ولا يصوغها صياغة ذات إيقاع يُغري، وظاهريته تقليدية للإمام ابن حزم رحمه الله تعالى؛ فصارت علاقة تقليدية كأيِّ علاقة مع ظاهري أو غير ظاهري. بلا هدف هل بينك وبينه اتفاق أو اختلاف في الظاهرية؟ - نعم..صارت بيننا معارك صحفية كثيرة مشهورة، وأكثرها رمْيٌ في الهواء بلا هدف. ما أبرزها؟ - منها أنه ادَّعى أن الإيصال للإمام ابن حزم رحمه الله تعالى موجود، وأبرز صورة لصفحة منه؛ وإذا بهذه الصورة في المحلى؛ فصار بيني وبينه خلاف أغضبني، وحزَّ في نفسي، وأكذبت دعوى وجود الإيصال وهذا هو هدفي ، ثم ترفعتُ عن المهاترة ، وتواضعت لسنِّه .. ومن الذكريات غير المشكورة أنني كنتُ جالساً ومعنا عبدالغني القستي ؛ فإذا بهما يتبادلان ورقة بينهما؛ فأخذتها بعنف على غرة؛ فإذا كل واحد منهما يكتب بيتاً في هجائي، وهو هجاء قبيح قذر جداً على طريقة الإجازة : واحد يكتب بيتاً أو شطراً والآخر يتمُّ؛ فسألته هل تهجوني في بيتك قبحك الله؟.. فمزَّق الورقة، وقبَّل رأسي، وطلب مني العفو، وعدَّ ذلك من المِزاح !. ولو كان الهجاء عفيفاً لَفَرحتُ به؛ لأنني أحب المفاكهة ولو على نفسي، والشيخ أبو تراب رحمه الله نديم مليح في الأدب، وفي الغناء الحجازي، ولاسيما تقليد حسن جاوا؛ فإن كان المجلس مكثوراً فأدبه مطرب، وإن كان مختصراً مع قوم رفعت بينهم الكلفة فهو مجون لا تجديف؛ وربما مر في المجلس المكثور ما لا يُفهم هدفه مثل مداعبته للشاعر أحمد إبراهيم الغزاوي رحمه الله بقصيدة مطلعها: وقع الصيد بفخ فاقرئوا الصيد سلاما وبعض الشعر ينسبه الشيخ لنفسه ثم يُوجَدُ لغيره مثل القصيدة التي هي شبه رثاء لنفسه .. ولكنني انتصفت لنفسي من متشاعر أعجمي ظلمني، وحقه إقامة حد القذف، وتكلمت عن الشيخ أبي تراب على طريقة العلماء العدول الذين يُترجمون للغابرين بصدق؛ لمعرفة موقع الغابرين من الأسوة، وهم يعلمون أنهم يقعون على حفرة الأعراض، ولم أتعرض بحمد الله لما يجرح الدين والسلوك، ولم يَصْفُ قلبي للشيخ بعدها، ولكنني كنتُ جادّاً في قضاء حوائجه من شفاعات وما في حكمها؛ وفاء بحق الصحبة. مقلد بحت هل لديك تحفُّظات على منهج أبي تراب الذي سار عليه، وهل أساء إلى الظاهرية؟ - كما ذكرت لك، ولا أتكلم عن أمور تخصُّ شخصيته رحمه الله، لكنه رجل مقلد بحت للإمام ابن حزم، وهو يحفظ وينقل، وليس برجل فكر ومنهجية؛ فهو كأي مقلِّد من المذاهب الأخرى من مالكي وحنفي وشافعي وحنبلي، ولو تفرغ الشيخ أحمد شاكر رحمه الله للفقه وَفْق منهجيته التي اطلعتُ عليها في بعض المسائل لكان ظاهرياً أفرح به. إباحة الغناء ولكن يقال إن بعض أطروحاته أثَّرت على الظاهرية خاصة في الجانب السلبي؟ - تحمَّس لإباحة الغناء بلا تحقيق؛ فردَّ عليه أحمد محمد باشميل بإسكات الرعاع، وباشميل سريع التحمس بلا علم وبأسلوب صحفي رحمه الله.. ورد عليه الشيخ حمود التويجري رحمه الله بالقول الصواب، وهو عابد ورع، ولكن فيه يبوسة، ويغلب عليه الجانب النقلي .. والاجتهاد يحتاج إلى عقليات علمية وفكرية مثل الشافعي وابن جرير رحمهما الله تعالى مع ثقافة العصر التي يتمتع بها أمثال أستاذي الدكتور إحسان عباس رحمه الله، مع حذق نظرية المعرفة.. وإباحة الغناء أو تحريمه بإطلاق خطأ، والتوسُّع فيه أيضاًَ خطأ، بل المباح منه في نطاق ضيِّق قد يصل إلى المستحب كحداء الحرب قديماً، والعرضة حديثاً إذا قيل تحميساً في حرب قائمة، وذكر الله أفضل، والمستحبات تتفاضل .. وليس كل مالم يُبح يكون عند الله عظيماً، ولكن اقتران الغناء بتناوح الآلات، والخمرة وإن كانت غير معتَّقة، وغزال تتثنى أو شادن يتكسر عظيم عظيم عظيم جداً؛ فإن صدَّ عن ذكر الله وعن الواجب فذلك مسخ.. والغناء الساذج لإقامة وزن الشعر حلال بحت، وعليه السيرة العملية، وأوصى به الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه في قوله: تغنَّ بالشعر إما كنت قائلَهُ إن الغناء لهذا الشعر مضمار يهابه المثقفون ولقد أفتى أبو تراب بحل زوجة من طلق ثلاثاً بلفظ واحد، ثم طلق ثلاثاً بلفظ واحد بأن له الرجعة، وهذا ما أدين لله به، ولكن الورع يقتضي أن لا يفتي إلا لخاصة نفسه ومن يعولهم بشرط أن لا يستفتوا أحداً؛ لأنه لم يُؤذن له بالفتوى، بل يحيلهم إلى المفتي في عصره ومصره سماحة الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ رحمهما الله تعالى؛ ولهذا أُبعد عن تدريس مسائل الدين في الحرم، وأُذن له بتدريس اللغة والبلاغة والعروض؛ فصار له رِدَّة فعلٍ، وانضم إلى أهل الصحافة وأهل الخلوة طيَّب الله ذكراها؛ ولسلاطة لسانه، وانبهار المثقفين بغريبه في اللغة، وتفرُّغه للبحث، وتهويله أحياناً بالرجوع إلى بعض المصادر النادرة مباشرة: هابوه.. وله شعر جارح جداً، والعطار رحمه الله على سلاطته كان يهابه، وهو الذي قال للعطار: (تعيبني بالخلوة وطالما حك جلدك ترابُها، وملأ بطنك كبابُها) .. ولو بدأ بالمسائل الظاهرية المشرقة، وأجَّل ما فيه فرقة، وأخذ بالبيان بلا تكلُّف، وغلَّب جانب الورع: لكان محسناً إلى الأصل المكين الذي هو الأخذ بالظاهر والاكتفاء به. ذُعِرَ القوم منه ثم ذُعِرَ القوم منه؛ لكثرة ما يُخطِّئهم لغة، وهو رحمه الله في التصحيح اللغوي مقلِّد بحت، ولقد بليت اللغة بمتحجِّرين يخطِّئون كل ما لم يجدوه في المعجم، وكاد يؤثِّر عليِّ في ذلك .. كما بليت بإباحيِّين يجيزون كل لحن، والتصحيح ينبغي أن يتوافد عليه خبرة لغوية بمعاني المادة، وخبرة فكرية بفلسفة اللغة ، وليس كل ما لم يرد في المعجم غير صحيح؛ لأن جُمَّاع المتون همُّهم جمع المعاني ولا يَتقصَّون جميع الصيغ (الأوزان)، ومن جمع على الصيغ كالفارابي ونشوان الحميري رحمهما الله تعالى اقتصر على المدوَّن.. كما أنه ليس كل ما في المعجم صحيحاً؛ لأن علماء اللغة قد يفهمون النص العربي فهماً خاطئاً؛ فيظن الناس أن ذلك معنى عربي؛ وإنما هو خطأ في الفهم من قِبل عالم.. مثال ذلك تفسير (الزان) بالتخمة، وموروث العامة يصحح اختلاف اللغويين في الفصحى، ويُعتبر مرجحاً كما في الزان؛ فقد تواتر استعماله عند العوام شعراً ونثراً بمعنى عيدان شجر يتخذ قنا للرماح، وكما يسمى هذا الشجر في الفصحى زاناً فإنه يسمى نشماً بالنون الواحدة الفوقية ؛ فمن فسر الزان بالبشم بالباء ذات النقطة الواحدة التحتية: فقد أبعد النجعة، وخصمه موروث الأجيال؛ فلقد نص الفيروز آبادي على أن الزان بمعنى النشم بالنون (وهو التخمة) واعترف الزبيدي بأن هذا الضبط في نُسَخِ القاموس، ثم علق بقوله: وصوابه البشم بالباء التحتية الواحدة.. وروى الفراء عن الدبيرية قالت: الزان التخمة، وأنشدت: مصحَّح ليس يشكو الزان خثلته ولا يخاف على أمعائه العرب فالفيروز آبادي اعتمد تفسير الدبيرية. لا أحب مثل هذا التفاضل ولكن هناك حوار نشر في ملحق الأربعاء الصادر عن هذه الجريدة مع أبي تراب قال فيه: (إن ظاهريتك مأخوذة عن أبيه) ؟ - والده الشيخ أبو محمد عبدالحق رحمه الله أخذتُ عنه إجازةً عامة، ولم أدرس عليه قط .. ولكن من مقابلاتي العابرة له إذا زرته في بيته مع ابنه أبي تراب رحمهما الله تعالى، ومن قراءتي ما يكتب في البلاد، ومن تصفُّحي لكتبه الخطية كجمعه بين الصحيحين: علمت أنه محدِّث يحفظ بعض الأحاديث نصاً، وبعضها معنى، ويلقيها في الحرم على الطلبة، ويشرح متوسطها بما يسهل فهمه، ويشرح غامضها بما يسهل فهمه أيضاً من كلام الأئمة كالحافظ ابن حجر .. وليس هو رحمه الله ظاهرياً، ولا هو من رجال الفكر والاستيعاب العلمي؛ ولهذا كانت مكتبته متواضعة، ولكنه رجل خير وتديُّن .. والإمام ابن حزم رحمه الله تعالى عرفته في شقراء قبل عام 1387 ه بسنوات، وصرتُ ظاهرياً مقلداً له منذ عام 1387 ه، وما لقيت أبا تراب ووالده لقاء تواصلٍ ومباحثة إلا بعد ذلك .. كما أن إفادة الشيخ أبي تراب مني عن الظاهر أكثر من إفادتي منه، ولا أحب مثل هذا التفاضل في العلم، ولكنكم دفعتموني للاعتراف بما هو صحيح.. ومنذ أعوام انسلخت من تقليد الظاهرية، وأخذت بأصل (الأخذ بالظاهر، والاكتفاء به) باجتهاد مضنٍ حسب وسائلي العلمية المضنية أيضاً، وهي (التفقُّه في لغة العرب)، و(التأصيل لنظرية المعرفة وآداب البحث والمناظرة)، و(الاستقصاء العلمي للأمهات العلمية الفكرية في المسألة)؛ فإذا حزبتني مسألة فقهية اخترتُ كتب الفقه المقارن ككتب الشافعي وابن جرير والطحاوي وابن حزم وابن عبد البر رحمهم الله تعالى، ولا أرمق كتب الفروع التقليدية التراكمية بمُؤْخِرة عيني إلا للعبرة أو توثيق السيرة التقليدية؛ فإن خطر في المسألة بحث لغوي لم ألجأ إلى الكتب الحشوية كالقاموس ولسان العرب، بل أرجع أولاً لأهل الأصول اللغوية والتحقيق كالأزهري وابن فارس وقبلهما ابن دريد بتحفُّظ والراغب والزمخشري والسمين رحمهم الله تعالى؛ فإن أردت الاستيعاب والتمحيص راجعت تاج العروس؛ فإن عرض لي بحث فكري لم أبالِ بأي مصدر أرجع له ولو كان مثل ابن ميمون اليهودي، أو القاضي عبد الجبار المعتزلي، أو أبو حامد الغزالي على تذبذبه رحم الله الأخيرين منهم ؛ لأنني بحمد الله أحكمتُ نظرية المعرفة. لم يحسن إليها هل أثَّر فيك خاصة في النشأة؟ كلا .. إنما التأثير من شيخي عبدالفتاح أبو غدة وعبدالله ابن حميد وعبدالعزيز ابن باز وصالح بن غصون في الشباب ، ومن قِبَلِ صادق صِدِّيق ومحمد ابن داوود رحمهم الله تعالى في النشأة. ولكن ألا تعتقد أنه أساء إلى الظاهرية؟ - لم يُسِئْ إليها، ولكنه لم يُحسن إليها ولم يخدمها؛ لأنه لم يأخذها بتفكير أو اجتهاد، بل أخذها بنقل تقليدي، وعُني بالجوانب غير المشرقة. صوت جهوري مع هذا فالظاهرية صوت خافت لا يُعلن؛ فأغلب الظاهريين لا يعلنون ظاهريتهم. هل ترى أن السبب في ذلك هو خروج الظاهرية عن المذاهب الأربعة في كثير من المسائل؟ - أحسُّ أن في هذا السؤال تكراراً، ولكنني أتحمَّلُه؛ لأن الحديث عن الظاهر غذائي الروحي، والجواب أن الظاهرية صوت جهوريٌّ على ما فيهم من جمودٍ وتضييق بالحرفية، وفيهم علماء فحول غزيرو الإنتاج كإمامهم داوود بن علي رحمه الله، وقد ظلَّلوا أخطاءهم الشنيعة القليلة بسعة علمهم وتدويم فكرهم، وتلك ظاهرة لا أَعْتَزُّ بها .. وكيف يكونون صوتاً خافتاً وهم والحنفية والمالكية هم المذاهب الثلاثة المنتشرة في الآفاق؛ فكان مذهب الظاهرية هو السائد في فارس والعراق، ولم يوجد للمذهب الحنبلي سيادة إلا في عهد أبي يعلى رحمهم الله تعالى؛ فحل المذهب الحنبلي محل المذهب الظاهري .. ومذهب الشافعي على غزارة معينه، ونقاء أصوله كان مذهب حُذَّاق العلماء الأقرب إلى النص، ومذهبَ جماهير بغير سلطة دولة، وما حُظي مذهبُ الشافعي بدولة إلا في المخلاف
السليماني.. وكان المذهب الظاهري هو الصوت الجهوري في الأندلس في عهد الموحِّدين، وقد رام المقلِّدة خنق صوته فلم يقدروا، ولكنهم قضوا على كنوزه كما قضى مقلدة المالكية في الأندلس على كتب الفروع من المذاهب الأخرى، فالكتب الغزيرة للإمام داوود الظاهري لم يصل إلينا منها شيء، والإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله تعالى حُرِّق بعض كتبه، وغسل بعضها، وفقدنا كتابه الفحل (الإيصال)، ومتنه (الخصال) .. كنوز الظاهرية كما فقدنا كتابه عن الجمع بين النصوص وقد أنجز منه عشرة آلاف ورقة .. ولكن بحمد الله بقي من كنوزه ما يغيظ كل مقلِّدٍ مُنْطَفئ .. ثم المذاهب الأربعة حفظك الله من قال: (إنها الحق؟)، بل ثلاثة منها مذاهب الدولة في المصر؛ فالانضواء إليها ضرورة وظيفة ، ومذهب الشافعي وهو معين لأصول الأخذ بالظاهر، وأفضلها أصولاً، وأغزرها استدلالاً لا دولة له كما أسلفت.. وهناك مذاهب سامقة كمذهب سفيان بن عيينة، والليث بن سعد .. إلخ رحمهم الله تعالى، ولكنهم لم يعلقوا من السلطان بسبب؛ فقلَّ أتباعهم من طلاب الوظيفة، وأما أن أهل الظاهر لا يعلنون ظاهريتهم فشيء يُدَّعى على التاريخ؛ فأهل الظاهر محمومون بإعلان مذهبهم، والمصارعة حوله، وتحمُّل الأذى دونه باستثناء نوادر من طبيعتهم الرفق كالحميدي، أَوْلاَ يحتدُّون إلا في العقيدة كابن حيان، أو متعاطفون كالمقريزي رحمهم الله تعالى .. على أن الحميدي وإن كان مسالماً فقد نشر بعض كتب ابن حزم في المشرق، وربما أخفى مذهبه؛ لأن الصدور غير رحبة في عصره ومصره. عفوا شيخنا الكريم ومتى كان ذلك؟ - في القرن الخامس، وهو تلميذ الإمام ابن حزم، وانتقل إلى بغداد، وحاول أن يخفي ظاهريته كراهية للخلاف وإن بقي في ذات نفسه على ظاهريته؛ وليس له كتاب في الفقه ، ولم يُحفظ له مسائل ؛ فنعرف مدى ظاهريته ، ولكنه متعاطف مع شيخه بيقين . مجرد مترجم ولكن البعض يقول: (إنك مجرد مترجم له)؟ - صدقوا؛ فكل ما كتبته من فقه ابن حزم محصور في بحوث بالصحافة والدوريات، ولم ير النور في كتاب إلا مسائل في كتابي (مذاهب بعض الأصحاب)، وهي مسائل في صلف الشباب كثيرة التسطيح، والباقي ترجمة له في كتابي (ابن حزم خلال ألف عام) أربعة أجزاء، و( نوادر ابن حزم ) مجلدان .. وقد بدأتُ من مطلع هذا العام نشر حديث الشهر في مطلع كل شهر في كتاب يضم ما كتبته ولم يُطبع في كتاب منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ومنه ما طبع مُسَطَّحاً فضفَّرت مرائره، وأعلنت في عدد المحرم 1431 ه أنني عازم إن شاء الله على إصدار (الإكثار في شرح المحلى بالآثار ) مطلع كل شهر أول عام 1432 ه بحول الله وقوته يكون شهرياً في حجم (حديث الشهر) .. وإن لم أحقق مسائل الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في الفقه فحسبي أنني ظاهري من رأسي إلى أخمص قدمي عن ضرورة لغة، وبحبوحة فكر. حاشا لله يقال: (لك موقف عدائي من الوهابية) .. هل هذا صحيح؟ - حاشا لله، ولكنني أتبع البرهان ولو خالفت أهل الظاهر؛ فما بالك بغيرهم .. وكلمة الوهابية هذه لا تجوز واقعاً؛ لأن محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه رجل مصلح عالم لم يأت بشيء من عنده؛ وإنما جاء بعلم السلف في بلد هُجر فيه مذهبهم، فجاهد بكل جهده وفكره، واستنصر بعد الله بالسلطان حتى نشر طريقة أهل السلف، وكلمة الوهابية من إطلاق الخصوم ، وأُشهد الله على محبته ومحبة ما جاء به من إحياء طريقة السلف .. أما الخلاف في مسائل فقهية فلا أحد يكون معصوماً من الخطأ، ومن نماذج ذلك أنني لا أدعو بدعاء الحديث الذي رواه عطية العوفي في الذهاب إلى المسجد (أسألك بحق السائلين عليك)، وإن عمل به أكثر الناس تقليداً منهم ، وليس ذلك لأن السؤال بحق السائلين ليس له وجه يُقبل إذا صح النص ؛ بل لأن الحديث غير صحيح ، وفي صحيح البخاري وغيره من كتب الصحاح غنية عن ذلك ؛ فكيف نلغي الصحيح ونأخذ الضعيف تقليداً ؟. كثير الحملة عليه ولقد أخبرني سماحة الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله تعالى بمنزلي في غُبيراء أن أحد علماء المغرب كان كثير الحملة على الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فأرسل إليه الشيخ نسخة خطية من كتاب التوحيد، وانتزع غلافها وعنوانها واسم مؤلفها ، ومعها خطاب يثني فيه على جهود هذا العالم المغربي ، ويطلب منه معرفة مؤلف هذا المخطوط ، ورأيه في مادته ؛ فأجاب المغربي بأنه لا علم له بالمؤلِّف ، وأما مادة المخطوط فهي مذهب الأئمة من علماء المسلمين .. فأجابه سماحة الشيخ ابن حميد بأن المؤلف محمد بن عبدالوهاب ، فأجاب العالم المغربي رحمه الله: (إن كان هذا هو مذهب ابن عبدالوهاب فهو على حق). تتمة الحوار http://www.al-madina.com/node/209677

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.