كشف المشاركون في ندوة «عكاظ» أن فجوة الإسكان في المملكة دفعت المنظمين لمنتدى جدة الاقتصادي إلى تخصيص جلسات المنتدى لمناقشة قضية «الإسكان والنمو السكاني في المملكة»، حيث يتوقع أن ينمو عدد السكان بحلول عام 0502 م ، إلى أكثر من الضعف، وسيتركز هذا النمو بكامله في المدن، بسبب انتقال السكان من القرى والأرياف إلى المدن. وأضافوا «أن جلسات المنتدى ستناقش متطلبات الإسكان الميسر، وأسس الدعم المادي لدعم المساعدات الحكومية». وطالب المشاركون في ندوة «عكاظ» بضرورة خروج منتدى جدة الاقتصادي بحلول عملية، لمواجهة اتساع فجوة الإسكان، مؤكدين أنه لاتزال هناك حاجة إلى بذل جهود كبيرة للمساعدة في خفض أسعار المنازل إلى مستويات معقولة بالنسبة للعائلات ذات الدخل المنخفض، وإلى تفاصيل الندوة: عكاظ: ما هي الحلول العملية لمواجهة فجوة الإسكان في المملكة ؟ وما المطلوب من منتدى جدة الاقتصادي في هذا الشأن؟ م. رضوان : في رأيي، أنه يجب وضع الأسس السليمة لتأمين وحدات إسكانية تساهم في تقليص الفجوة الإسكانية في المملكة، ومنع اتساعها في السنوات المقبلة، من خلال محورين: الأول (فني) وهو ضرورة بناء الوحدات الإسكانية وفق كود البناء السعودي، بحيث يفرض على المكاتب الاستشارية، والذي يعد مقياسه البيئة السعودية. والمحور الثاني (اجتماعي)، وهو يمس صياغة حياة اجتماعية جديدة، ولذلك يجب مراعاة تسمية المدن السكنية التي يتم إنشاؤها، بحيث نرفض تسميتها بمساكن ذوي الدخل المحدود والتي تجسد صورة نمطية بنوعية سكان تلك المناطق التي يجب أن تتوافر فيها البيئة المناسبة لضمان تواجد مختلف الطبقات وفقا لبرامج الإسكان بعيدا عن التمييز الاجتماعي الذي يخلف نتائج سلبية كبيرة على المنظور البعيد، إضافة إلى ضرورة تطوير المخططات المعطلة في المدن والمحافظات، مع ضرورة أن تتولى وزارة الإسكان رسم رؤية شاملة للسكان، ومنع حدوث مشاكل في البنية التحتية للمرافق التي تعاني منها معظم الأحياء في المناطق، خاصة أن أكبر صعوبة تواجه المملكة ضعف البنية التحتية للمدن والمحافظات، ولهذا يأتي بناء البنية التحتية السليمة أول خطوة في التطوير العقاري. م. العقيلي: إن تملك المواطن السعودي للمسكن يحقق بالنسبة له العوامل الإيجابية، بعد أن تحقق له ولأسرته الاستقرار الاجتماعي والأمني، وحصول مواطني الدولة على مساكن يعكس بلا شك مؤشرا لقوة اقتصاد الدولة واستقلالها، مؤكدا أن المملكة تعاني من حدوث فجوة بين السكان والمساكن تجاوزت نسبتها 60 في المئة، لكن هذه الأزمة لم تطف على السطح لكون الفئة المتضررة من الشباب، وجاء تحرك الدولة بإنشاء وزارة الإسكان والتوجيه ببناء 500 ألف وحدة سكنية استشعارا لهذه المشكلة التي تؤرق آلاف الأسر في المملكة، ويفترض أن تتضمن استراتيجية وزارة الإسكان حلولا عملية ومنهجية لمواجهة أزمة الإسكان، من خلال تنفيذ برامج عملية لدعم الإسكان واستثمار الدعم الحكومي، وإنشاء صناديق خاصة، وتيسير إجراءات تملك المسكن، كما أن القطاع الخاص مطالب بالمساهمة في بناء المزيد من الوحدات السكنية، والعمل على تنفيذ مشاريع وزارة الإسكان بأسعار مقبولة، لكن العبء الأكبر في تأمين المساكن للمواطنين يقع على كاهل الدولة ومؤسساتها ذات الاختصاص. تكاليف عالية م. فتح الدين: لا شك أن التعامل مع تحديات توفير المسكن الميسر، يرتكز على عوامل أبرزها الدور الحكومي في توفير المساكن، وتطوير الصناعة وإشراك القطاع الخاص، في البناء وتمويل الإسكان، شريطة أن يكون هناك وضوح في العلاقة بين التطوير العقاري والإسكان، لمنع ما يحدث من تكرار للأخطاء في بناء الوحدات السكنية من قبل المواطنين أنفسهم، رغم أنهم المستفيدون من قروض صندوق التنمية العقارية والذي نتج عنه تكرار نمط البناء، وتحمل تكاليف بناء عالية، وجودة منخفضة، ولكن ذلك لا يعنى أن تتولى الوزارة بناء المساكن، بل إن هذا التوجه مرفوض، كون الوزارة معنية فقط بالإشراف والتنظيم، ولا نريدها أن تتحول إلى مطور عقاري، بل تتصدى للعوائق التي يواجهها المطورون، وتعمل على مساعدتهم، وتبرم تحالفات مع المطورين العقاريين لتتولى تنفيذ مشاريع الإسكان. استنساخ المشاريع عكاظ: هل هناك نماذج لمدن إسكانية يمكن استنساخها في مشاريع الإسكان المستقبلية؟ م. فتح الدين: هناك نماذج متميزة لبناء وحدات سكنية ذات جودة عالية بأسعار معقولة، ومن هذه المشاريع مشروع واحة مكةالمكرمة الذي تم تنفيذه بالشراكة بين شركة البلد الأمين الذراع التنفيذي لأمانة العاصمة المقدسة، وشركات التطوير العقاري، وحول منطقة جبلية إلى منطقة إسكان متطورة، إضافة إلى مشروع إسكان الأمير فواز جنوبجدة الذي أصبح حلم السكن لدى الكثيرين، وحمل هذان المشروعان أسماء متميزة تسمى المكان ولا تنتقص من قاطني الوحدات السكنية. عكاظ: ما أسباب غياب الرؤية في توزيع الأراضي وتباطؤ إجراءات منح تراخيص البناء؟ و ما الضوابط التي يجب تطبيقها على برامج الإسكان؟ م.فتح الدين: إيجاد آلية اتفاق بين وزارة الإسكان، ممثلة في صندوق التنمية العقارية، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، لتأمين أراض لإنشاء مشاريع الإسكان للمستفيدين من قروض الصندوق، لمواجهة ارتفاع أسعار العقار في المدن الرئيسية في الرياض، والشرقية، وجدة، ومكة، والمدينة المنورة، ومساعدتهم في تأمين الأراضي، وإنشاء الضواحي السكنية على أطراف المدن ذات الكثافة السكانية، بحيث تتوافر فيها المراكز الخدمية الأمنية والاجتماعية والتعليمية والصحية، على أن يتم وضع آليات توزيع الأراضي وفق خطط تدرس الاستخدامات الفعلية للأراضي، وكيفية توزيعها بما يتناسب والحاجة إلى السكن والخدمات والمرافق، وهذا التنظيم من شأنه أن يمنع الوقوع في الأخطاء، وفي ذات الوقت لا بد أن نستفيد من أخطائنا لمنع تكرارها مستقبلا، إذ يجب تخطيط الضواحي السكنية قبل البدء في تنفيذها، ووضع ضوابط رقابية لمنع تحويل استخدام الوحدات السكنية إلى مكاتب إدارية، واستخدامات أخرى تخالف الهدف من إنشاء هذه المباني، والاستفادة من تجارب الإسكان الناجحة، ومنع تكرار الأخطاء التصميمية والهندسية. المسكن الاقتصادي د. النمر: في رأيي أن بناء المشروع الإسكاني يتطلب مراعاة جوانب التخطيط المسبق للأحياء، وتطوير الأراضي الخام، وتأسيس بنية تحتية قوية، وتقنين أسعار الأراضي، وبناء الوحدات السكنية القابلة للتوزيع العمودي بدلا من التوزيع الأفقي، وتحديد تكاليف البناء، وخفض أسعارها، ليتمكن ذوو الحاجة إلى السكن من بناء مسكن اقتصادي راق، والتي ستنعكس على ارتفاع أسعار العقارات أو انخفاضها، وهذه العوامل من شأنها أن تساهم في تسريع مشروعات الإسكان في حال بقاء الأسعار في مستويات مشجعه للمطورين في بناء الوحدات السكنية وفي حال ارتفاع الأسعار للمواد الخام سيحدث تقلص في مشاريع الإسكان، وسينتج عن ذلك اتساع فجوة الإسكان، وارتفاع قيم الشراء والإيجار للعقارات . الإحصاء ضعيف الزهراني: مصادر الإحصاء لدى الجهات المعنية بالإسكان ضعيفة، ولا تجسد الواقع الذي يوضح حاجة المملكة للإسكان، كما أن الرؤية لدى الجهات المعنية بالإسكان لا تزال ضبابية عن الخطط المستقبلية لمواجهة أزمة نقص المباني، بعد أن فاق عدد المواطنين المستأجرين عدد من يملكون وحدات سكنية مناسبة، ولا بد من تحديد الفجوة السكانية، التي وللأسف تسببت في نشوء الظواهر العشوائية في المدن، أولا، ومن ثم وضع الحلول وآليات البناء سواء عن طريق بناء الوحدات السكنية الكافية وخلق نماذج عمل بين القطاع الخاص مع بعضه البعض ليتمكن من تنفيذ مشاريع كبيرة بأقل جهد ممكن مع تظافر الجهود حسب الإمكانيات المالية والبشرية والتخصصات. عكاظ: ما هي السبل الكفيلة لتغيير ثقافة الأسرة السعودية في تملك مساكن بمساحات كبيرة؟ رضوان: يجب على الأسر السعودية التخلي عن الثقافة ببناء مساكن على مساحات كبيرة، بحيث يتقلص السكن السعودي مساحيا، وإقامة ديوانيات في الأحياء لاستخدامها في المناسبات والأفراح. م. العقيلي: لا بد من إضفاء ثقافة جديدة لدى الأسر لاختيار نوعية المساكن، وتقليص مساحات الفلل والعمائر السكنية، وبناء مدن الإسكان في مناطق الاحتياج، لمنع الهجرة من القرى والأرياف إلى المدن الكبيرة. عكاظ: كيف ستتمكن وزارة الإسكان بالشراكة مع المطورين من بناء مدن تنافسية ومثالية تحقق الاستدامة للسكان؟ وما العوائق التي يواجهها المطورون؟ م. رضوان: أعتقد أن بناء المدن التنافسية باعتبارها بيئة جاذبة للسكان يمكن أن يتم، شريطة أن يتحقق فيها الاستدامة للسكان والقاطنين فيها، من خلال تأمين مصادر للدخل في المناطق التي تنشأ فيها مدن الإسكان، وأنا أحد المطورين الذين شاركوا مع وزارة المالية في بناء وحدات سكنية للنازحين في منطقة جازان، إذ تم بناء مدن مثالية تتوفر فيها كافة الخدمات من الشوارع، ومراكز الخدمات الصحية، والتعليمية، والثقافية . تداخل الصكوك الزهراني: العقبات التي تواجه المطورين كثيرة ومتعددة، لكن أبرزها مشكلة تداخل الصكوك، وتأخر اعتماد المخططات السكنية، وتأخر إصدار التراخيص التي تخولها بالبناء، مع أن إسناد عدد من الأمانات التراخيص للمكاتب الاستشارية ساهم في مرونة إصدار التراخيص في بعض المناطق، وعلى وزارة الإسكان مسؤولية التصدي للعقبات التي تواجه المطورين لضمان سير مشروعات بناء الوحدات السكنية بوتيرة أسرع. م.رضوان: فيما يتعلق بآلية التراخيص للبناء، فقد أسندت أمانة جدة هذه المهمة إلى المكاتب الاستشارية المعتمدة، وتمكنت خلال العام الماضي من إصدار 315 ألف تصريح لبناء فلل وشقق سكنية، وهذا من شأنه أن يحقق مرونة في إصدار تصاريح البناء للمطورين، والراغبين في بناء الوحدات السكنية. توفر التمويل عكاظ: كيف ترون اللوائح التنفيذية لأنظمة التمويل والرهن العقاري وتأثيراتها على حركة الإسكان؟ د. زمزمي: أرى أن اللوائح التنفيذية لأنظمة التمويل والرهن العقاري الصادرة مؤخرا سيكون لها أُثر كبير جدا في إحداث تطور نوعي في مشاريع الإسكان في المملكة، كونها ستحقق وفرة اقتصادية، ومرونة في التمويل على مستوى الفرد والشركات العقارية، وستساهم هذه التنظيمات الجديدة في استقطاب شركات أجنبية للاستثمار في التمويل العقاري والرهن والتي في مجملها تضع ضوابط لتنظيم الرهن والتمويل، بما يكفل ضمان الحقوق للمقترضين، وتقنين الالتزامات المالية تجاه شركات التمويل، والتنافس في مجال التمويل سيخلق بيئة جاذبة لمشاريع البناء والتعمير. عكاظ: ما هو تأثير إعلان وزارة الإسكان عزمها بيع الوحدات السكنية بأسعار مخفضة بنسبة 40في المئة عن الأسعار الحالية للسوق في المملكة؟ الزهراني: ليس هناك تأثير على المطورين العقاريين بعد إعلان وزارة الإسكان نيتها طرح أسعار الوحدات السكنية مخفضة بنسبة 40 في المئة عن الأسعار الحالية للسوق العقارية في المملكة؛ وذلك لعدة أسباب، أهمها أن وزارة الإسكان تتحمل فقط تكاليف تطوير الأراضي وبنائها، لكنها لا تتحمل تكاليف شراء الأراضي وتحصل عليها بدون مقابل كونها إراضي مملوكة للدولة، إضافة إلى أن طرح الوزارة لأسعار الوحدات السكنية التي تقع في أطراف المدن وبأسعار مخفضة لا يؤثر على المطورين العقاريين الذين يملكون وحدات إسكانية وإراضي يعتزمون بنائها في وسط المدن وهذه تمثل ميزة للمطورين . عكاظ: كيف يمكن مواجهة التحدي للتغلب على أزمة الإسكان من خلال منتدى جدة الاقتصادي؟ وما هو المطلوب من وزارة الإسكان؟ م. العقيلي: إن التحدي الذي يواجه الخبراء الاقتصاديين والوزارات المعنية بحل أزمة الإسكان يتمثل في تأمين مليون وحدة سكنية خلال السنوات الخمس المقبلة، والعمل على تطوير الأراضي الخام، وتخطيط المدن، وتأمين الخدمات، وشبكات الطرق، وندعو وزارة الإسكان إلى الشفافية وإعلان جداول زمنية توضح جميع المراحل لمشاريع الإسكان التي تعتزم تنفيذها في مختلف مناطق المملكة. المشاركون في الندوة : * المهندس عبد الله بكر رضوان عضو مجلس محافظة جدة، ورئيس لجنة المقاولين والخرسانة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة. * المهندس رائد عبد الكريم العقيلي نائب رئيس لجنة المقاولين والخرسانة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة. * محمد عاشور الزهراني متخصص في مجال التطوير. * الدكتور هاشم عبد الله النمر عضو هيئة التدريس والمستشار الاقتصادي في الخطوط السعودية * الدكتور إبراهيم زمزمي محام ومستشار قانوني * المهندس عبد الملك عبد الله فتح الدين العضو المنتدب لبيت العرب للتطوير العقاري، وعضو اللجنة العقارية في الغرفة التجارية في جدة سابقا.