تحولت ثقافة مجتمعاتنا من ثقافة إنتاجية إلى ثقافة استهلاكية بحتة، فأصبح التسوق في نظرنا متعة، والشراء إدمانا والإنفاق على الكماليات تفاخرا وظاهرة سلبية، أثرت على مدخراتنا وأوقعت البعض في دائرة الديون، وصار الاستهلاك هدفا للتعبير عن مكانة الشخص، فكلما زاد استهلاكه زادت مكانته. والسؤال من نشر هذه الثقافة بين شعوبن، او من عطل عقولنا عن التفكير في الإنتاج وحولنا إلى مستهلكين بدلا من أن نكون منتجين. لقد أنقسم العالم إلى فريقين فريق ينتج، وفريق يستهلك أنتاج الفريق الأول وبنفوذ الدول المنتجة على المنظمات الدولية، فقد سخرت كل الأنظمة والقوانين وحقوق الملكية الفكرية التي تصب فيها مصلحتها وتعطيل كل الطرق، ووضع العقبات أمام أي دولة تسعى للإنتاج وفرض الضرائب العالية، واستعانت الشركات الكبرى بالحملات الدعائية والإعلامية لترويج منتجاتها مستخدمين كل وسائل الإغراء بطرق علمية تعتمد على الدراسات النفسية حتى جعلتنا نرتبط عاطفيا بتلك المنتجات وتحول مضمون الإعلان وهدفه من فكرة الاهتمام لدى المستهلك بجودة السلعة وقيمتها الفعلية إلى عملية تسهيل الحصول على السلعة ودعم النزعة الاستهلاكية، ودفع المستهلك إلى السعي إليها وامتلاكها بغض النظر عن جودتها، ودخلت تلك الشركات أسواقنا بنفوذها الدعائي وليس بجودة منتجاتها، فنجد أن تكلفة الدعاية والترويج للمنتج أضعاف تكلفة الإنتاج واستخدمت أساليب تطوير المنتجات، بإضافة مزايا جديدة تجعل المستهلك يزهد فيما لديه ليهرول إلى المنتج بعد التطوير ليشتريه مهما كلف الثمن ويستغني عن القديم بأبخس الإثمان، ولا ننسى بعض الشرائح الرأسمالية في مجتمعاتنا التي استغلت الانفتاح الاقتصادي العالمي، فعطلت عمليات الإنتاج واتجهت إلى الاستيراد والسمسرة، والحصول على الوكالات ودعم الاستهلاك بدلا من دعم الإنتاج. إن السياسات الاقتصادية العالمية واتفاقيات التجارة الحرة والجات جزء من تدعيم ثقافة الاستهلاك وتنميتها، وأصبح الاقتصاد القوة الثانية بعد القوة العسكرية للدول لبسط نفوذها على العالم. ومن أجل ذلك أصبحت الحاجة ملحة إلى إنشاء جمعيات لتوعية المستهلك ومواجهة الحملات الدعائية للشركات، ونشر ثقافة الادخار وتنويع الرسالة الإعلامية بحيث يتلاءم مضمونها لتوجيه الفرد للاستهلاك والانتقاء وفقا لحاجاته ومتطلباته.