كشفت دراسة علمية أعدها معهد الملك عبدالله للبحوث والدراسات الاستراتيجية جوانب عديدة مهمة تلخص الواقع الزراعي في المملكة، مشيرة الى أن قضية الأمن الغذائي من أهم خمس قضايا مطروحة على المستوى العالمي، حيث تلجأ بعض الدول المحتكرة لإنتاج وتصدير السلع الغذائية وخاصة الإستراتيجية منها إلى الضغط السياسي والاقتصادي على كل من الدول النامية والمتخلفة. وبحسب الدراسة التي رأس فريقها الدكتور خالد بن نهار الرويس من جامعة الملك سعود واستعرضها الدكتور خالد بن سليمان الراجحي خلال منتدى الرياض الاقتصادي الخامس، فان المملكة تسعى إلى تحقيق مستوى معين من الأمن الغذائي عن طريق الاحتفاظ بمخزون استراتيجي من السلع الغذائية يكفي الاحتياجات الاستهلاكية لمدة ستة أشهر على الأقل كنوع من الأمن الغذائي. ويتم تكوين هذا المخزون عن طريق الإنتاج المحلي والواردات والاستثمار الزراعي الخارجي، لمواجهة الظروف الطارئة وخاصة وأن منطقة الشرق الأوسط أصبحت غير مستقرة عسكرياً وسياسياً واقتصاديا. ومما يساعد على تكوين هذا المخزون أن الاقتصاد السعودي يتمتع بقدرة ذاتية، نظراً لارتفاع أسعار النفط وتحقيق فوائض مالية في الموازنة العامة للدولة، تمثل 32.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2008. مخزون استراتيجي وتقول الدراسة : من المعروف أن المملكة تعاني ندرة الموارد المائية والأراضي الصالحة للزراعة، والمصحوبة في نفس الوقت بتزايد عدد السكان وبالتالي زيادة الطلب على المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، وعليه فإن توافر مخزون إستراتيجي من السلع الغذائية يضمن استمرار تدفق السلع للأسواق المحلية ومن ثم استقرار الأسعار وعدم ارتفاعها طوال العام. بما يحقق الأمن الغذائي للمملكة ويحول دون نشوء أزمات غذائية مستقبلا، بعد أن واجه العالم في منتصف عام 2008 نقصا ملحوظا في عرض السلع الغذائية الأساسية، بسبب زيادة الطلب عليها مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع والمواد الغذائية وتزامنه مع انخفاض مخزونات العالم والطلب المتزايد للغذاء وانخفاض الإنتاج العالمي للحبوب، كما ساهمت الظروف الطبيعية غير الملائمة وآثار التغير المناخي وموجات الجفاف والصقيع المتبادلة التي ضربت أجزاء كثيرة من العالم خلال العامين الماضيين في إتلاف جزء كبير من الحبوب الغذائية في بعض الدول الزراعية الكبرى مثل استراليا والصين والأرجنتين والهند، مما أثر على حجم المعروض من السلع الغذائية فارتفعت أسعارها العالمية وبالتالي يصبح من الضروري الاحتفاظ بمخزون إستراتيجي، يكفي الاستهلاك المحلي لمدة ستة شهور على الأقل وبصفة مستمرة. مبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي الخارجي تحد من ارتفاع أسعار الأغذية أزمات عالمية وفي ظل الأزمة العالمية، قامت بعض الدول المصدرة للمنتجات الزراعية بفرض رسوم جمركية عالية وفرض قيود على صادراتها وقت الأزمات الاقتصادية، وأصبحت منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة غير مستقرة سياسياً واقتصاديا، وبالتالي تسعى جميع الدول إلى تلبية مطالب مواطنيها وتحسين مستوى معيشتهم وتوفير السلع الغذائية بأسعار تتناسب مع دخولهم في ظل الأوضاع الراهنة وبالتالي فإن الاحتفاظ بمخزون استراتيجي من السلع الغذائية أصبح من الاعتبارات الضرورية لتحقيق الأمن الغذائي للمملكة. وقد تبنت المملكة مبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي الخارجي للحد من ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية وإيجاد مخزون استراتيجي آمن من السلع الغذائية الأساسية، بما يحقق الأمن الغذائي للمملكة ويحول دون نشوء أزمات غذائية مستقبلاً، بالإضافة إلى الحفاظ على استقرار أسعار المواد الغذائية طوال العام. د. خالد الراجحي تحقيق الأمن الغذائي واستهدفت الدراسة تحليل أساليب تحقيق الأمن الغذائي لأهم السلع الغذائية بالمملكة من خلال الزراعة المحلية والاستيراد والاستثمار الزراعي السعودي في الخارج، عبر دراسة الوضع الراهن والمتوقع للأمن الغذائي في المملكة، ودراسة الأنماط الاستهلاكية لأهم السلع الغذائية الإستراتيجية في مختلف المناطق بالمملكة العربية السعودية، وتقدير التكلفة الاقتصادية لمختلف أساليب تحقيق الأمن الغذائي لأهم السلع الاستراتيجية، ودراسة التفاوت بين المستوى الفعلي ونظيره المستهدف لإنتاج واستهلاك واستيراد أهم السلع الاستراتيجية، ودراسة دور كل من القطاع العام والخاص في تحقيق الأمن الغذائي، وتقدير حجم المخزون لأهم السلع الاستراتيجية اللازمة للوفاء بالاحتياجات الاستهلاكية، واقتراح التوصيات الكفيلة بتحقيق الأمن الغذائي في المملكة. أسس الاستثمار الزراعي واعتمدت الدراسة في تحديد أهم الدول المرشحة للاستثمار الزراعي الخارجي، وفقاً لنسبة المساحة الصالحة للزراعة إلى إجمالي مساحة الأراضي في الدولة المستهدفة، والحجم الاقتصادي للقطاع الزراعي ويعبر عنه بنسبة قيمة الناتج الزراعي إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدولة المستهدفة، ودرجة الانفتاح الاقتصادي ويعبر عنها بنسبة قيمة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة العمالة الزراعية إلى العمالة الإجمالية في الدولة المستهدفة، ونسبة قيمة التجارة الخارجية الزراعية إلى التجارة الخارجية الإجمالية في الدولة المستهدفة، ومؤشرات الحرية الاقتصادية وتشمل حرية التجارة وحرية الأعمال وحرية الاستثمار، وقيمة الاستثمار الأجنبي المباشر. وتم استخدام مقياس متدرج للمعايير يقع بين حدين هما "الصفر والواحد الصحيح"، في حين تم استخدم مقياس متدرج للدول المستهدفة يقع بين "الصفر والمائة"، وتم تحويل نتائج المعايير المحسوبة على مستوى الدول إلى درجات تقويمية مطلقة، ثم ترجيحها بأوزان نسبية تتناسب مع أهمية المعايير في تحقيق أولويات الاستثمار الزراعي الخارجي، كما اعتمدت هذه الدراسة في تحقيق أهدافها على الدراسات الميدانية لكل من المنتجين والمستهلكين والمستثمرين الزراعيين. د. خالد الرويس النتائج والتوصيات واستنتجت الدراسة أن الفجوة الغذائية في دول الخليج تعود الى شح الموارد المائية ومحدودية الاراضي الصالحة للزراعة ومحدودية نصيب هذا القطاع من حصص الاستثمار القطاعي وتضاؤل سياسات حماية الإنتاج المحلي، واختلال بين الإنتاج والاستهلاك وبين الصادرات والواردات العربية من السلع الغذائية، حيث أوصت ندوة الأمن الغذائي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتفعيل عمليات الشراء الموحد لأهم السلع الغذائية الاستراتيجية، وإنشاء شركة خليجية مشتركة للاستثمار في المجال الزراعي، وتوفير التسهيلات الائتمانية والتمويل للمستثمرين الخليجيين، وبناء مخزون استراتيجي للأغذية في دول المجلس، ووضع خطط وإيجاد آليات لإدارة المخزون الغذائي. واتخذت الحكومة السعودية عدة قرارات استهدفت بها الحد من ارتفاع أسعار السلع والمواد التموينية وتحقيق الأمن الغذائي من خلال تكوين مخزون استراتيجي بالإضافة لمبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي السعودي الخارجي. وقرار مجلس الوزراء الموافقة على تأسيس الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني، برأسمال قدره 3 مليارات ريال. وأوصت عدة دراسات بضرورة إعادة النظر في القرار الحكومي الصادر بشأن القمح وعدم التخلي كلية عن زراعته في ظل الاتجاه العالمي المتزايد لإنتاج الوقود الحيوي. كما استهدفت مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز للاستثمار الزراعي الخارجي المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي الوطني والعالمي، وبناء شراكات تكاملية مع عدد من الدول في مختلف أنحاء العالم ذات مقومات وإمكانات زراعية عالية لتنمية وإدارة الاستثمارات الزراعية في عدد من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية بكميات كافية وأسعار مستقرة، إضافة إلى ضمان استدامتها. الوضع الراهن للزراعة المحلية من خلال الدراسة الميدانية للمنتجين المحليين، تبين أن الغالبية العظمى من المنتجين لم يتوسعوا في الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار المدخلات وخاصة أسعار المبيدات الحيوية، وعدم وجود عمالة وارتفاع أسعارها، وتقليل كميات القمح المسلمة للصوامع وفقاً للقرار الحكومي 335، والطقس والأحوال الجوية غير الملائمة، ونقص رأس المال وعدم توفر التمويل اللازم، وأعطال الآلات والمعدات. وبدراسة التغير في هيكل التكاليف الإنتاجية للزراعة المحلية، تبين حدوث زيادة في هيكل التكاليف الإنتاجية بين عامي 2009 و 2010، حيث أكد 83.3% من المنتجين على حدوث زيادة في أجور العمالة الوافدة الدائمة والمؤقتة بين 30.2% و 43.9% لكل منهما، كما ازدادت تكلفة الطاقة بنسبة 17%. أما فيما يتعلق بمستلزمات الإنتاج المحلية والمستوردة فقد ازدادت بمعدلات تراوحت بين 18% و 23.2% لكل منهما. وفيما يتعلق بتكاليف النقل للإنتاج المحلي ومستلزمات الإنتاج ازدادت بين 55.7% و 16.9% في عامي 2009 و 2010م لكل منهما. وبدراسة التغير في أسعار بيع المنتجات المحلية خلال عام 2010 مقارنة بعام 2009، تبين أن 66.7% من المنتجين تغيرت أسعار البيع لمنتجاتهم، حيث ازداد مستوى الأسعار لبيع المنتجات بنحو 23.3%. وبدراسة أسباب ارتفاع أسعار البيع للمنتجات تركزت عوامل ارتفاع أسعار البيع في ارتفاع أسعار الاستيراد لمستلزمات الإنتاج الزراعي، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج المحلية، وارتفاع الهوامش والتكاليف التسويقية للمنتجات، وارتفاع أجور العمالة الوافدة وتكاليفها، ونقص الدعم الحكومي، ووقف تأشيرات العمالة الوافدة. وفيما يتعلق بالتوقعات لأسعار البيع لأهم المنتجات في العام القادم، توقع معظم المنتجين الزراعيين المحلين زيادة أسعار بيع المنتجات في العام القادم بمتوسط قدره 29%. النمط الإنتاجي والاستهلاكي الراهن تراجع الإنتاج المحلي لكل من القمح والشعير بمعدلات تناقص سنوية تراوحت بين 2.4% و 20.4% لكل منهما، في حين ازداد الاستهلاك المحلي للقمح والشعير بمعدلات نمو سنوية تراوحت بين 2.5% و 2.9% لكل منهما بين عامي 1990 و 2009. وتفوق معدل النمو السنوي في الإنتاج المحلي للزيوت النباتية الغذائية ولحوم الدواجن على نظيره المقدر للاستهلاك المحلي، في حين تفوق معدل النمو في الاستهلاك المحلي للحوم الحمراء والأسماك على نظيره المقدر للإنتاج المحلي خلال فترة الدراسة. ومن خلال التحليل الاقتصادي لمؤشرات الدخل والأمن الغذائي في المملكة أفاد 51% من حجم العينة البحثية للمستهلكين أنه حدثت زيادة في دخل الأسرة بنسبة تبلغ 15%، في حين ذكر 49% من العينة أن الدخل شبه ثابت. وقد تزامن مع ذلك زيادة في الإنفاق على الغذاء بنسبة تبلغ 27.7%، وذكر حوالي 37% من حجم العينة بان مستوى دخلهم الحالي في مأمن من مخاطر ارتفاع الأسعار في حين أفاد 63% من حجم العينة أن مستوى دخلهم الحالي ليس في مأمن من مخاطر ارتفاع أسعار السلع الغذائية. وفيما يتعلق بأثر ارتفاع الأسعار على الكميات المشتراة من السلع الغذائية، فقد أكد 48.7%من المستهلكين أنهم يقومون بتخفيض الكميات المشتراة أحياناً عند ارتفاع الأسعار. كما أكد 51.5% أنهم لا يقومون بالاقتراض لتغطية تكاليف الغذاء للأسرة. وفي ظل ارتفاع الأسعار أكد 36.8% من المستهلكين أنهم يقومون أحياناً بشراء سلع منخفضة النوعية والسعر. ولتلبية احتياجات الأسرة أكدت نسبة من المستهلكين بلغت 40.5% أنها قامت بتخفيض مشترواتها من السلع الكمالية لتوفير النقود لشراء السلع الأساسية، كما لجأت نسبة من المستهلكين بلغت 46.4% إلى تغيير مكان الشراء من أسواق التجزئة إلى أسواق الجملة. وبالرغم من ارتفاع أسعار السلع الغذائية إلا أن نسبة من المستهلكين بلغت 50.4% لا تلجأ إلى تخزين بعض السلع الغذائية تجنباً لارتفاع الأسعار. وبطبيعة الحال يحدث تغير في نمط الاستهلاك عندما ترتفع أسعار السلع الغذائية، إذ أكدت نسبة من المستهلكين بلغت 37.9% أنها تقوم أحياناً بتغيير نمط استهلاكها من السلع الغذائية، كما أفادت نسبة من المستهلكين بلغت 46.3% عدم وجود رقابة حكومية مستمرة على الأسواق والأسعار. ومن خلال المؤشرات الوصفية لقياس حالة الأمن الغذائي على مستوى الفرد في العينة البحثية للسعودية، يتضح أنه لا توجد مشكلة أمن غذائي على مستوى الفرد نظراً لارتفاع مستوى الدخول وتوافر السلع الغذائية الأساسية في الأسواق بصفة دائمة.