تظهر بين الفينة والأخرى حملات مقاطعة شعبية لأحد المنتجات أو السلع الغذائية -يقوم بها المواطنون والمستهلكون بعد كل مرة يشهد فيها السوق ارتفاعاً لسعر أحد المنتجات-؛ وذلك بهدف التأثير والضغط على الشركات والتجار لإرجاع ثمن السلعة لما كانت عليه، إلاّ أنّ هذه الحملات للأسف لا تحقق النتيجة المرجوة لأسباب عدة، أهمها: عدم تكاتف جميع المستهلكين للمقاطعة الجادة، وعدم استمرارها لفترة طويلة. وأكد مختصون على أن غياب «ثقافة المقاطعة التلقائية» من المستهلك للمنتجات التي تم رفع أسعارها وبدون أي حملات تدعو لذلك هي أحد أهم أسباب فشل «المقاطعة الشعبية»، وهو ما جعل التجار والشركات يتشجعون لرفع أسعار منتجاتهم وعدم اهتمامهم لما يقوم به المستهلك من مطالبات لمعرفتهم بأن ضوضاء الحملات لا يستمر في أفضل الحالات لأربعة شهور ليرضخوا بعدها للأسعار الجديدة. شعب لا يجيد «فن المقاطعة» ونَفَسه قصير ويستهلك بسرعة رغم غلاء الأسعار تجارب ناجحة وتعد تجربة مقاطعة الشعب الأرجنتيني لتجار البيض من أفضل التجارب التي يستشهد بها الاقتصاديون؛ لتأكيد مدى التأثير الناتج لامتناع المستهلكين عن شراء منتج معين لفترة زمنية ممتدة، حيث تعود القصة لسنوات مضت عندما تفاجأ الأرجنتينيون في أحد الأيام من ارتفاع أسعار البيض بعد أن اتفق جميع التجار وأصحاب مزارع الدواجن لرفع سعر البيض في وقت واحد، ما جعل الشعب الأرجنتيني يتراجع عن الشراء بشكل جماعي وبدون أي دعوات أو حملات للمقاطعة، حيث كان لسان حالهم يقول «لن يضرنا عدم أكل البيض لفترة»؛ لتكون المفاجئة للتجار عندما علموا من موزعيهم رفض كافة المتاجر لاستقبال أي كمية بيض جديدة لعدم بيعهم أياً من الكميات القديمة المتكدسة على الرفوف. التجربة الأرجنتينية خفّضت سعر البيض75%.. والهنود هزّوا اقتصاد بريطانيا الوعي والتفاهم وأثبت الشعب الأرجنتيني في هذه التجربة وعيهم وثقافتهم العالية، إضافة إلى اتفاقهم وتكاتفهم بشكل تلقائي للضغط على التجار الذين حاولوا المواصلة وتحديهم بالإبقاء على الأسعار مرتفعة؛ إلاّ أنهم خضعوا لإرادة الشعب بعد اكتشافهم بأن كميات البيض الموجودة في الأسواق قد فسدت، إضافة لوجود كميات أخرى كبيرة، وذلك أنّ الدجاج لا يعلم عدم رغبة أصحاب المزارع في المزيد من البيض الجديد؛ ليستمروا بالإنتاج لتمتلئ المستودعات بكميات جديدة بشكل يومي، ما جعلهم –التجار- يتفقون فيما بينهم لإرجاع السعر لما كان عليه، ولكن لم ينته الأمر هنا، حيث واصل الأرجنتينيون المقاطعة وعدم شراء البيض بهدف تأديب التجار الذين قاموا بتخفيض السعر مرغمين لأكثر من مرة، مع تقديم اعتذار رسمي في الصحف ليتمكن الشعب من الانتصار على جشع التجار ليشتري سلعة البيض بتخفيض 75% من سعره الأصلي، إضافة لإرسال تحذير واضح وصريح لجميع تجار السلع الأخرى بعدم محاولة التلاعب بالأسعار. د.العبدلي: علينا التفريق بين «حملات مقاطعة» بسبب التلاعب بالأسعار.. و«حملات مغرضة»! التجربة الهندية فيما تشكل تجربة الهند في مقاطعة المنتجات البريطانية مثالاً قوياً ليس للتأثير على التجار فقط، بل أدى لزعزعة استعمار المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، وذلك بعد أن اتفق الهنود على عدم شراء أي منتجات تقوم بتصنيعها الشركات البريطانية داخل وخارج الهند والتي تكبدت خسائر مادية فادحة أثرت على اقتصاد قوة الاحتلال في الأراضي الهندية، وكانت الفكرة التي أطلقها «المهاتما غاندي» وتفاعل معها الشعب الهندي من خلال «نعمل لهم، ولا نشتري منتجاتهم»، وبالتالي يستلمون رواتب منهم فيما لا يحصلون على أي مقابل او أرباح . ورغم أن «غاندي» لم يكن يتوقع أن يتحطم اقتصاد المستعمر من خلال فكرة المقاطعة؛ إلا أنه كان متأكداً من قوة إرادة الشعب الهندي وعزيمته لمقاطعة المنتج الأجنبي وإحلال المحلي بدلًا منه. إرتفاع الاسعار ينتظر حلولاً أكثر من دعم المنتجات الاساسية الالتحاق بالمقاطعة وأكد «غاندي» على ضرورة أن يبدأ بنفسه قبل دعوة أي آخرين للالتحاق بالمقاطعة، حيث حرق كافة الملابس التي يملكها من صناعة أجنبية والبدء بنسج قطع الأقمشة بنفسه ليرتدي الإزار المعروف ب»الكادي»، كما اقتصر طعامه على الماء، وحليب الماعز، وما تجود به الأرض من حبوب، إضافة لامتناعه عن حلق ذقنه بشفرة بريطانية؛ لتكون المحصلة بأن يسري روح الكبرياء والعزة في النفس لدى جميع الهنود الذين استطاعوا بذلك من جعل المحتل يلجأ للتفاوض معهم بعد ان تعرض لهزات وخسائر اقتصادية فادحة أدت لانسحابه عام 1947م. الوعي الاستهلاكي أهم في مواجهة غلاء الاسعار أسباب الفشل تعد مقاطعة المنتجات التي تشهد تلاعباً بالأسعار من السياسات القوية التي يلجأ لها المستهلكون للضغط على التجار والشركات؛ إلا أنّ هذه الحملات تحتاج لوعي وقوة كي تحقق أهدافها، حيث أيد «د.عبيد العبدلي» -أستاذ التسويق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن- فكرة المقاطعة الشعبية باعتبارها حقاً مشروعاً للمستهلك؛ الذي يرى بأن هناك تلاعباً بالأسعار في ظل غياب الرقابة الجادة من الجهات ذات الاختصاص لقمع ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، وهو ما تقوم به جميع المجتمعات المدنية المتحضرة لإيصال رسالة من جهتهم للشركات والتجار برفضهم للأسعار الغالية، وذلك بأسلوب بسيط وهو الامتناع عن شراء السلع الغالية والاتجاه لسلع بديلة. مواطن أمام كاشير الحساب يعاني من ارتفاع الأسعار التفريق بين الحملات وشدد «د.العبدلي» على أهمية التفريق بين حملات مقاطعة المنتجات بسبب تلاعبها بالأسعار، وبين ما يقوم به بعض التجار من حملات مغرضة بهدف الإطاحة بشركات منافسة لهم، من خلال إشاعات معينة تثير حفيظة العامة من المستهلكين، مؤكداً على قوة المقاطعات الشعبية وتأثيرها الفعلي على الشركة المصنعة والمسؤول الحكومي أيضًا والرقيب المختص بمراقبة الأسعار ليقوم بعمله بالطريقة الصحيحة، خصوصًا في السلع المهمة والتي يكون لها خيارات متعددة ومتاحة، مشيراً إلى أنّ المقاطعات الشعبية لدى الشعوب العربية تتعرض للفشل في كثير من الأحيان لعدم امتلاكها للنفس الطويل، حيث تكون الحملة (ثورة حماسية) تمتد لأسابيع وفي أفضل الحالات لعدد قليل من الشهور. د.عبيد العبدلي ثقافة الاستهلاك وقال «د.العبدلي»: ما ينقصنا لإنجاح حملات المقاطعة هو ثقافة الاستهلاك والمطالبة بحقوق المستهلك، من خلال حس المسؤولية لدى كل مواطن الذي يقوم باستبدال أي سلعة يجد بأن سعرها قد ارتفع بدون مبرر، مع عدم الحاجة لوجود شخص أو جهة تدعو لضرورة المقاطعة، كما يحدث عند الأسواق من قيام البعض بنشر منشورات لمقاطعة منتج معين دون تفاعل أو اهتمام من قبل المستهلك الذي من المفترض أن يقاطع بشكل ذاتي لتكون النتيجة فعالة ومجدية. علي المطاوعة تحايل الشركات وأضاف: تتظاهر بعض الشركات التي يتم مقاطعتها من قبل المستهلكين بالخضوع لرغبتهم من خلال إعادة الأسعار لما كانت عليه، وذلك بقيامهم بتقليل كمية محتوى السلعة بنسبة ليست بالقليلة ما يجعل السعر يعتبر مرتفعا دون انتباه المستهلك؛ لتقوم بعد ذلك برفع السعر مع الإبقاء على الكمية القليلة ما يعتبر ارتفاعاً مضاعفاً في السعر. عيسي بو شجاع مواطنون يعانون وطالب المواطن «علي المطاوعة» بأهمية استحداث آلية تحمي المواطنين من جشع التجار، مشيراً إلى أن المواطن ليس لديه ثقافة المقاطعة، ويجب أن تسهم مؤسسات المجتمع في تثقيف المواطن، بينما يلحظ «عيسي بو شجاع» تغيّراً يومياً في الأسعار؛ بسبب جشع بعض التجار، وتلك العمالة التي استوطنت محلات التجزئة، داعياً إلى تكثيف الرقابة ومحاسبة المقصرين سواء التجار أو المواطنين المتسترين على العمالة المخالفة. وقال المواطن «محمد علي» إنه بالفعل التجار غلبونا، وانتصروا علينا، ونحن نشتري بضاعتهم برضا أنفسنا، فأين العدالة؟، ومتى نحس بأهميتنا عند هؤلاء التجار؟، مشيراً إلى أن ذلك لن يتحقق إلاّ إذا أصبحنا يداً واحدة. محمد علي وأشار المواطن «مصطفى الناصر» إلى تلاعب التجار مع كل الزيادات التي يأمر بها خادم الحرمين الشريفين، وقال:»الآن لا استطيع أن أشتري الكثير من المواد الغذائيه مثل السابق»، مشيراً إلى أن هناك أمرا مهما، وهو سعر اللحم، حيث ارتفع بشكل غير طبيعي، فمثلاً ربع خروف بلدي يعادل 2 كيلو وربع يباع بأكثر من 300 ريال.. الله يستر علينا من القادم!. مصطفى الناصر