رد الأكاديمي والمستشار الشرعي الدكتور حمزة السالم على آراء العلماء الذين انتقدوا حلقة طاش (زيد أخو عبيد) التي انتقدت تطبيقات المصرفية الإسلامية في البنوك وما أثير حول قضية التدليس بالفتاوى لتحليل الربا، خصوصا أنه كان المستشار الشرعي للحلقة والمسؤول عن المادة العلمية فيها. حيث قال السالم «اطلعت على التقرير الذي قام به الصحافي نعيم تميم الحكيم حول حلقة طاش العاشرة حول صيرفة الحيل وربوية الأوراق النقدية، الذي جاء فيه اتهام العلماء لطاش بالتدليس وتجويز الربا. والحلقة أثارت موضوع حيل واستغلال ما يسمى الصيرفة (الإسلامية)، ثم أتبعت طاش ذلك ببيان أن سبب خروج هذه الصيرفة المبنية على تشريع الكذب والاستغلال والاحتيال مرده هو تغير المعطيات التي بنيت عليها الفتوى بربوية الأوراق النقدية قبل 40 عاما مع ثبات الفتوى على حالها. وقد استشهد الفنان ناصر القصبي على ذلك بابن تيمية الذي قال: إن الأمة إذا لجأت إلى الحيل لتحليل حكم حرم بالاجتهاد فهو دليل على بطلان الاجتهاد في تحريم تلك المسألة. فالحلقة أثارت الانتباه للنتيجة والسبب. فالنتيجة هي ظهور صيرفة الحيل الاستغلالية المسماة تدليسا وزورا (بالإسلامية) والسبب هو خروج الاجتهاد عن محله وزمانه في القول بربوية الفلوس المعاصرة». وأضاف السالم «سأبدأ بالسبب: وهو الفتوى بربوية الفلوس المعاصرة في ردي على الشيخ عبدالرحمن الأطرم في التقرير المشار إليه، فالحلقة تبنت رأيي أنا وباستشارتي، والذي أصل الأوراق النقدية بأنها أثمان ولم تقل مطلقا بأنها من عروض التجارة بل هذا من تدليس علينا». وطاش أرادت إثارة التفكير في المسألة وإعادة بحثها وتجاوز التكتيم والترهيب في الخوض فيها، ومع ذلك فلم تدلس أو تخطئ أو تحلل ربا». أولا ما قالته طاش: 1 طاش لم تأت بفتاوى مشايخ ابن ابراهيم وابن باز رحمهما الله للاستدلال بأن الفلوس المعاصرة كعروض التجارة كما حاول الأطرم تصوير ذلك، بل لتقطع الطريق على من يستغلون جهل الناس الذين يتصورون بأن كل شيء بمثله وزيادة فهو ربا محرم شرعا، فيمتنعون حتى عن التساؤل أو التفكير. 2 ثم بعد أن صححت طاش هذا المفهوم، وهو أن التماثل (أي أن الشيء بمثله) بزيادة ليست ربا محرم انتقلت إلى طرح سؤال إذن، فما الذي جعل الفلوس تخرج عن حكم القماش في تمويلات البنوك. ثم بينت طاش أن كون الفلوس المعاصرة أثمانا فلا يعني ذلك لزوم جريان الربا فيها، فمن الذي قال إن الثمنية توجب الربا حتى أصبح هذا القول وكأنه منزل من الشرع وليس عله ظنية خالفها جمهور السلف كما خالفها ورفضها كبار العلماء المعاصرين كابن سعدي وابن بسام وابن حميد وابن عثيمين والزرقاء والشنقيطي وعفيفي واللحيدان وابن غديان وغيرهم؟ والحلقة للتوضيح وكشف أي التباس لم تجادل في الثمنية كما جادل فيها المشار إليهم من العلماء من السلف والخلف، بل مشت مع القول طالما أن الثمنية لا تزال موجودة في النقدين. والحلقة في الواقع دافعت عن اجتهاد العلماء سابقا القائلين بالثمنية وساندتهم بالاعتذار لهم بأن فتواهم بإطلاق الثمنية قامت عندما كانت الأوراق النقدية مربوطة بالذهب، ولكن الوضع تغير. فالربط زال والثمنية قد زالت مطلقا عن الذهب والفضة واستقرت في الأوراق النقدية المعاصرة. (المقصود بالثمنية الشرعية هنا هو الثمنية المطلقة وهي كون الشيء يستخدم كوسيط للتبادل ويطلب لا لذاته بل للتوصل به إلى غيره كالفلوس المعاصرة). الثمنية المطلقة وطاش قالت بأن هذه الثمنية المطلقة التي اعتمدها بعض العلماء قبل 40 عاما، ثم اشتهرت، كعلة لإلحاق الفلوس المعاصرة بالذهب والفضة الثمنية المطلقة علة ظنية اجتهادية غير منصوص عليها، فإن عدم وجودها في الذهب والفضة اليوم يبطل هذه العلة. فالذهب والفضة اليوم ليسا أثمانا مطلقة (أي وسيلة تبادل) والاستمرار في اعتماد هذه العلة (إطلاق الثمنية) التي اعتمدها الفقهاء قبل 40 عاما يعني أن لا ربا في الذهب والفضة ويصبحا مجرد سلع كالقماش والغنم في جواز بيعهما بزيادة وأجل، وهذا لازم باطل مبطل للعلة الاجتهادية الظنية (وهذا طرح جديد بالكلية ويحل كل التناقضات والمحظورات القديمة، وكان الأحرى بالأطرم وغيره أن يرد عليه لا يعود إلى أصل الخلاف (الفتوى القائمة) فيحتج به، فكيف يحتج بما هو محل النقاش والخلاف؟. وللتوضيح فعلة إطلاق الثمنية لقياس الأوراق النقدية على الذهب والفضة كعلة إطلاق الإسكار. فكل مسكر يقاس على الخمر، فإن ذهب الإسكار عن الخمر زال الحكم بالتحريم عن الخمر (وعلة الإسكار منصوص عليها شرعا لذا لا تناقض فيها). وأما الثمنية المطلقة فهي ظنية اجتهادية خالفها جماهير السلف وكثير من كبار علماء الخلف المعاصرين وآخرهم ابن عثيمين. وقد ظهرت أهمية رفض الثمنية المطلقة علة ربوية للذهب والفضة عندما زالت الثمنية عن الذهب والفضة. فلو كانت علة صحيحة أو منصوصا عليها لزال حكم الربا في الذهب والفضة، لكنها علة ظنية فهذا دليل فسادها. وزيادة في التوضيح فالقول بإطلاق الثمنية كمن يقول إن علة الرق هي الخدمة وليس كون الرقيق رقيقا ، فقاس الخدم على الرقيق (ومن أراد فهم الثمنية فليعد إلى تفصيلي فيها في مقالاتي في جريدة الجزيرة ومنها من الناحية الشرعية مقال (في القول بقياس العمالة والخدم على العبيد والإماء بقياس الشبه) ومن الناحية العقلية مقالي في الاقتصادية بعنوان (حوار مع صديقي الأندلسي). ممارسات الصيرفة 3 لم تتعد طاش الحقيقة في تصويرها لممارسات الصيرفة الإسلامية اليوم، وكون الدكتور الأطرم أو غيره يجادلون في شيء عام لا يخفى على أحد فهذا من منطلق أنهم يعتقدون بأنهم يتكلمون باسم الدين فلا أحد يرد كلامهم ولو أنكروا حقائق كشروق الشمس. والشارع بيننا. فلنخرج إلى الشارع ولنسأل الناس فهناك مئات الألوف في الشوارع من السعوديين الذين اقترضوا حسب (شريعة الصيرفة) وأكثر من 150 مليار ريال ديونا على ظهورهم. فلنسألهم هل منهم من أحد تعدى في أخذه لقرضه صورة ما صورته طاش في الحلقة. ولم لم يتحرك الأطرم إن كان يهمه الشرع فيبين الفقهاء الذين يدافعون عن الصكوك ثم إذا بان فساد أمرها تبرأوا منها ووضعوا شروطا لصحتها، ثم لما ينسى الناس يعودون فيصدرون صكوكا كالتي نهوا عنها من قبل. هل يستطيعون أن يأتوا لي بصك واحد ليس صوري والملكية فيه حقيقة، أين غيرته المزعومة على الربا وهو لم يحرك ساكنا في ذلك. ثانيا: في حديث الأطرم وتحليله الربا في التقرير السابق: 1 قال الأطرم في معرض رده على طاش ما نصه «وكأنهم يقولون بجواز الربا». وهذا تدليس ظاهر منه، فمجوز الربا كافر ولو لم يرتكبه، ولكن طاش قالت إن تمويلات البنوك ليست بربا لما سبق. والأصح أن يقال إن الأطرم هو ممن يحلل الربا (ولا أقول يجوز). فالتحليل بالحيل كما قال شيخنا ابن عثيمين في وصف أعمال الصيرفة الإسلامية هي سنة معشر يهود بل أسوأ. وكيف يتبرأ الأطرم مما صورته طاش في حصول المواطن على قرض! وهل يختلف ما صورته طاش عن ما تقوم به البنوك التي يرأس الأطرم هيئاتها الشرعية. والعجيب أن يستشهد الأطرم بابن ابراهيم مفتي الديار رحمه الله وهو الذي وصف فعل الأطرم وفقهاء الحيل من الصيرفة بأنه ربا وأنه يفعله من لا يتقي الله وهذا نص قوله رحمه الله «(فمن أنواعه (أي الربا) التي يتعاطاها من قل نصيبه من مخافة الله البيع ب(العينة) وهي أن يبيع شيئا بثمن مؤجل ثم يشتريه البائع أو شريكه أو وكيله من المشتري بأقل مما باعه به)» انتهى. فهل يستطيع الأطرم أن يقول إن البنوك التي يرأس هيئاتها تفعل مع الموطنين في قروضهم الاستهلاكية غير ذلك؟ فأين البنوك التي يقول أشار إليها الأطرم بقوله «إن التعميم ليس صحيحا على كل البنوك التي تتعامل تعاملات إسلامية فبعضها ملتزمة بالقواعد الشرعية» أين هي وأين المواطن الذي رأي الحديد أو الرز وما يتلاعبون به من التيوس المستعارة. بطلان الدليل أخفى الأطرم بطلان دليل الصيرفة الإسلامية اليتيم في التدليس على الناس بإيهامهم على جواز ما تفعله من التحايل على الربا. فهم أهل الصيرقة يحتجون بحديث خيبر في التمر للتدليس على الناس وقد نشرت في ذلك مقالا بعد نقاشي مع الأطرم على التلفون بعنوان (من الذي يتلاعب بالسنة؟ الصحافة أم بعض الفقهاء). ففقهاء الحيل يستدلون على حيلهم بتحليل الربا عن طريق ما يسمى بالصيرفة الإسلامية بدليل حديث خيبر، وهو دليل على التخارج في ربا الفضل لا ربا النسيئة وربا الفضل تحريمه من تحريم الوسائل كالخلوة ونحوها لا دليل على استحلال الكبائر وهو ربا النسيئة. والتجاوز في ربا الفضل في الشرع معروف كالعرايا. فإذن على احتجاجهم بحديث خيبر فإنه يجوز الربا للتفكه والترفه كما أجيزت العرايا للترفه وهي من ربا الفضل، وبقى أن يحدد لنا الأطرم كمية المبلغ الذي يجوز الربا فيه وهل يقاس على قيمة خمسة أوسق من تمر بلد البنك؟! كما أن الاستدلال بهذا الحديث كمن يستدل بحديث الرضاع لتجويز الزنا لا خروجا من حرج الخلوة. 2 ومن عجائب الأطرم استدلاله بفتوى قبل 40 سنة التي لم يوافق عليها شيوخ كبار العلماء كابن حميد والشنقيطي واللحيدان وابن غديان ومن بعدهم وقبلهم ابن سعدي وأبعدهم ابن عثيمين وابن بسام. وليس هذا فقط بل إنه عمدا حذف الحيثيات التي وردت في الفتوى حيث نصت على «وحيث إن الورق النقدي يلقى قبولا عاما في التداول، ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياسا للقيم ومستودعا للثروة» وبعض هذه الحيثيات لم يعد قائما كاستيداع الثروة ومقياس القيم الآجلة فعليه فيجب مراجعة الفتوى. والشاهد هنا كيف أن الأطرم قطع هذا المقطع الذي فيه حيثيات الحكم. فتاوى المجمع 3 استدلال الأطرم بفتوى المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي الذي نص على أن «الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل» هو استدلال ضده وبراءة من التناقض للمجمع الذي يظهر أنه صاغ العبارة بحذر. فإشارة القرار بقوله إن الثمنية لا تقتصر على الذهب والفضة يريد جعل وجود هذه الثمنية هي أصل يقاس عليه الفرع وهو الفلوس. ولكن القرار احتاط فقال «وإن كان معدنهما هو الأصل» أي أنه إن لم يعد الذهب والفضة ثمنين فالربوية باقية فيهما. ثم المفهوم هو: فإذا زالت الثمنية التي في الذهب والفضة وهل أصل القياس فيزول حكم ربوية الفلوس بزوال الأصل الذي اعتمد الفرع القياس عليه. وقد حاول الأطرم وغيره ممن يجادلون فقط من أجل إثبات الربا فقلبوا الأصول والمنطق فساعة يقولون بتعدد نواقض الوضوء وغيرها من الاستشهادات الخاطئة للاستدلال على تعدد العلة حتى بينت لهم أن تعدد العلة لو قيل به في حكم الربا في الذهب فكان للذهب علتين الثمنية وكونه ذهبا فإن الربا يزول بزوال أحدهما، وهو المتبع منطقا وأصوليا وعليه منهج الأصوليين في استنباط العلل الظنية للأحكام. ثالثا: ختم الأطرم بما نقل عنه في التقرير السابق «وبما يتعلق بالتدليس فإنه يجب أن يعتذروا وأن ينشروا رأي هيئة كبار العلماء، وأطالبهم بأن يكونوا صادقين أمام المشاهدين وأن ينشروا ويقروا في جريان الربا في النقود» انتهى من كلام الأطرم وفي هذا ثلاث مسائل: 1 بما أنه قد ظهر حقيقة حديث الأطرم بما نقلته آنفا فهل سيعتذر هو؟. وهل سينشر الأقوال والطروحات في هذه المسألة دون لي وتحريف وتدليس؟. 2 لفظ الشيخ بقوله «ويقروا في جريان الربا في النقود» هو تعبير يحكي عن الاستبدادية المطلقة باستخدام الدين وفيه تهديد فهل ينتبه القارئ إلى كيفية تفكير أمثال الأطرم وكيف ينظرون للمجتمع. 3 هناك أمر أخير قد لا تكون له علاقة هنا ولكنه يحكي إن صح سماعي كيف أهم يخفون عن الناس ما يخالفهم. فأثناء نقاشي مع الأطرم والدكتور الفاضل محمد العصيمي قال العصيمي «إن الشيخ ابن عثيمين قال له إنه لم يتبين له في ربوية الفلوس شيء» والنقاش كان حول ربا النسيئة لا الفضل (فالشيخ رحمه يصرح بالتساهل فيه). وعندها قال الأطرم كلاما ما معناه «لا تقلق فهذا غير مكتوب ولا موثق». وأنا تجاهلت حينها، لأنني لا أستبعد ذلك فالشيخ ابن عثيمين في هذه المسألة يظهر أنه غلبته اتباع الفتوى القائمة لأنه يقول في علة الربا في الذهب والفضة: «كونهما ذهبا وفضة» (أي لا يقاس عليهما شيء) ثم يعود إلى الفلوس القديمة ويقول إن في المذهب قولا يحري ربا النسيئة فيهما دون الفضل وهو قول وسط. وهنا تناقض الشيخ رحمه الله فكيف تجري الربا في الفلوس القديمة وترفض إطلاق الثمنية، فبأي علة. فما قاله العصيمي ليس مستبعدا ويبقى أن يؤكده أو ينفيه هو أو من يعلم هذا القول، فهذا دين ويجب أن لا تخفى الأقوال في هذه المواقف، ونحن لسنا بمذهب باطني. ولكن الشاهد من إيرادي لهذا كيف أن الأطرم همه هو إخفاء كل ما يتعارض مع القول بالربوبة لتبقى صناعة الصيرفة (الإسلامية).