كل القضايا عندنا سياسة! إذا فكر أحد في مشكلة قالوا له: يا أخي تترك القضايا المهمة وتتحدث في قضايا الحياة التافهة! وعلى عكسنا فكل الشعوب المتحضرة تجد كل القضايا عندها مهمة إلا السياسة! ويبدو أنني قلت هذا الكلام أكثر من مرة ونعيده وقد نسينا ذلك. خذ اليابان مثلا. فالبلد لا يعلى عليه في التقدم الحضاري والتكنولوجيا وغيرها، وبالرغم من ذلك فعنده كبلد مشكلات سياسية لا تحصى، فهل ترك اليابانيون مشكلاتهم وانغمسوا في السياسة؟ خذ آباء اليابان مثلا. فقد عقد المئات منهم قبل أسبوع اجتماعا وصفوه بالمهم جدا شارك فيه العشرات من أولياء الأمور في طوكيو وكل ذلك من أجل ترتيب زيجات سعيدة لأبنائهم وبناتهم. وعلى حسب الصحف التي ذكرت أخبار الاجتماع فإن المجتمعين تداعوا إليه بسبب القلق بين الأسر التقليدية بشأن المستقبل الأسري للأبناء وسط ارتفاع معدلات العنوسة بين الفتيات في العشرينات وزيادة نسبة الرجال غير المتزوجين في الثلاثينات من العمر خلال العقدين الماضيين. هذه مشكلة كبيرة في اليابان، لكن ومع أن عندنا نفس المشكلة بل وأكبر منها فهي لا تعنينا لأنها مشكلة تافهة! وهكذا فكل شيء عندنا غير مهم إلا السياسة وقضاياها، وهي مهمة، لم نقل غير ذلك. لكن مشكلات التكنولوجيا ومستقبلها وظهور الأمراض الجديدة في مقابل التقدم الطبي، وتناقص الغذاء في العالم وزيادة التصحر والتلوث، واستفحال الإرهاب، وكثرة العنوسة وانتشار المخدرات والأمراض النفسانية، كل هذه القضايا الخطيرة والمهمة في العالم وعندنا طبعا، كلها قضايا لا تهم ما دامت السياسة موجودة! وزعماؤها متوافرين بكثرة وفي كل مكان وفي أي زمان يفتون في كل شيء، ويوزعون على الناس أمنيات بأنهم إذا فازوا في الانتخابات فإن السعادة ستكون من نصيب ناخبيهم وإذا فشلوا فإن الاكتئاب سيواصل مسيرته المظفرة في قلوبهم وعقولهم! هل هذا منطق بالذمة؟ لا منطق اليوم ولا يحزنون، فلا قضايا اجتماعية تستحق ولا بيئة تستدعي الانتباه ولا تخلف يدعو إلى القلق. بل سياسة وسياسة حتى الموت! [email protected]