بينما عند الغربيين مشكلة «الوقوع في فخ الكمالية» نجد أن الناس عندنا ترفض ربع الكمال وتفضل عليه شيء اسمه «ماشي الحال»! غير أن الحال غير ماشي في الغرب. فقد وجد الكثير من الناس حياتهم تصبح سلسلة من الإنجازات غير الواضحة، لايشعرون خلالها بالسعادة الحقيقية. وهذا الإحساس الذي يملأهم يرجع إلى الوقوع في الكمالية الذي يقع فيه الكثير من الناس عندما يريدون بلوغ الكمالية، مما يجعلهم يفكرون في كل شيء أو لا شيء. وحسب التفسير النفساني فإن هذا السلوك يعني أنه عندما تسيطر فكرة «الكمال» على هؤلاء الأشخاص نجدهم صارمين جدا غير مكتملين من الناحية النفسية، ويصابون بالإحباط بكل سهولة، ولايستغلون الفرص إذا ما توافرت لهم، فضلا عن أنهم كثيرو المطالب والنقد لأنفسهم وللآخرين، ولايتمتعون بروح الدعابة، وفي النهاية يدمرون أنفسهم. والمشكلة الأخرى لهؤلاء الباحثين عن الكمال هي أنهم قد لا يستطيعون البدء بأي مشروع لأنهم في حاجة إلى مزيد من التفاصيل عنه، وأنهم لايستطيعون الانتهاء منه لخوفهم من الفشل. شخصيا أرى أن البحث عن الكمال شيء جميل حتى ولو جلب المشكلات. فمشكلات الكمالية تعنى أن هناك بشرا يبحثون عن الأفضل بل عن الأشياء الكاملة الناقصة من العيوب والخالية من الأخطاء، ما أمكنهم ذلك طبعا. وعلى عكس صورة البحث عن الكمال في الغرب توجد عندنا مأساة البحث عن كل ما يمشي الحال مهما كان سيئا ورديئا وبائسا. وهنا لا أحد والحمد لله يبحث عن الكمال ولا يحزنون بل ولاحتى عن نصف أو ربع الكمال. والسبب بسيط لأن الكمال يعني بذل جهد أكثر وتعبا مضاعفا وبحثا وعناء وإصرارا على الإتقان والجودة، بينما الكل هنا يبحث عن أسهل الأشياء وأكثرها راحة وسهولة. ويستطيع الكثيرون عندنا في النهاية أن يفرحوا لأن الكمالية بها مشكلات. لكن المؤكد أننا سنذرف الدموع الغزيرة على «الحال الذي لايمشى». وإذا تمنيت شيئا واحدا اليوم فهو كلمة واحدة هي ياليت عندنا حتى مشكلاتهم ومصائبهم! [email protected]