قال رجل لطبيب إن أعصابه لم تتحطم عندما ترك التدخين بعد عشرين سنة من إشعال أول سيجارة، لكن الرجل اعترف أنه يجن جنونه عندما يأتي مثلا فلايجد الشاي أمام مكتبه فور وصوله للعمل! لا أظن أن هذا الرجل استثناء ولا حكايته من النوادر اليوم. فالناس الآن تواجه كوارث ومصائب الحياة في شجاعة وصبر نادرين، ثم ويا للغرابة تدع التوافه بعد ذلك تتغلب عليهم! ويروى عن مجرم أمريكي أنه حين أمر بتنفيذ حكم الإعدام فيه بضرب عنقه بالسيف فإنه لم يلتمس العفو ولم يطلب الرحمة، وإنما طلب من الجلاد ألا يضرب بسيفه موضعا في عنقه كان يؤلمه! ونعرف أنا والقارئ أن الإنسان إذا لم يمت بالسيف مات بغيره كما يقول الشاعر العربي. غير أن الحكمة البليغة في علم النفس عن القلق تقول إننا إذا لم نبالغ في الاهتمام به على تفاهته، انتابنا القلق من أجله، وإذا نحن لم نعره اهتماما نسيناه إطلاقا. لكن المؤلم اليوم أن أكثر الناس تعودوا على العيش مع توافه الحياة و «الاستمتاع» بتضييعها لأوقاتهم وتقصيرها لحياتهم القصيرة أصلا. فهناك عباقرة تلهيهم خلافات تافهة عن القيام بمهمات عظيمة لو تفرغوا لها لقدموا أشياء رائعة للبشرية. وهناك سياسيون وما أكثرهم هذه الأيام يعصرون كل خبراتهم وأفكارهم ودهائهم في توافه لاتهم الناس، بل ويقضون ثلاثة أرباع أعمارهم في تفاصيل لاتقدم ولاتؤخر.. ويقضي بالمقابل بشر لايحصون أياما طويلة من حياتهم في خلافات تافهة ونزاعات مع بشر آخرين تأكل أيامهم الحلوة وتقضي على طموحاتهم. وأختم بحكاية رجل بخيل أخذ زوجته وأولاده لأول مرة في إجازة سفر. لكن البخل أفسدها كلها تقريبا. فقد قضى الرجل نصف أوقاته في السفر يبحث عن سائق تاكسي أخذ منه أكثر من الأجرة المطلوبة، وقضى نصفه الآخر في الإجازة بسب ولعن السائق الجبان الذي هرب من عدالته!. [email protected]