لم يجد الروائي التركي المعروف «أورهان باموك» ما يقوله للجريدة الأمريكية التي أجرت معه حوارا مطولا حول روايته الأخيرة سوى التأكيد على حقيقة هامة تضيع اليوم وسط الضباب الكثيف من الزيف وقلب الحقائق وهي: «أنا كاتب التركيز على هذه القضايا ليس من وجهة نظر رجل سياسي، وإنما من وجهة نظر شخص يحاول أن يفهم وجهة ألم ومعاناة الآخرين. لا أعتقد أن ثمة وصفة ناجزة لكل هذه المشكلات. الشخص الذي يؤمن بوجود حل بسيط لها، هو معتوه، والأغلب أنه سيضحي قريبا هو نفسه جزءا من المشكلة. أنا أعتقد أن الأدب في وسعه التطرق إلى هذه المشكلات لأنك في حينه تستطيع اللجوء إلى مساحات أكثر، مساحات حيث لا أحد فيها على حق، ولا أحد لديه الحق في أن يقول ماهو الحق». وعلى عكس ما يقوله الروائي التركي فإن مأساتنا اليوم هي أن الجميع يحتكرون الحق ويعطونه لأنفسهم ويخترعونه لبطولاتهم المزيفة. فمن هو غير المحق اليوم عند السياسيين والمثقفين مثلا ؟، ببساطة لا أحد. فالكل على حق والجميع يمتلك الحق بل ويستطيع أن يوزعه وأن يهبه على من يشاء من الناس. بل وأحيانا لا يحتاج الموضوع إلى توزيع الحق. فخذ مثلا في هؤلاء الذين يشبعوننا كلاما وهذرا كل يوم في الفضائيات ويسمونه نقاشا أو حوارا. لم أجد أحدا منهم يقول يوما إن الحق ليس عنده. كلهم عندهم الحق وهم وحدهم الذين يمتلكون «شركة الحق المحدودة» ! ومع أن الحق يضيع أحيانا بسبب الدفاع السيئ فإن محتكري الحق يتحدثون كثيرا عن حقوق ليست لهم وعن حق كاذب ولكن بدون خجل أو حياء ! والبحث عن الحق هو بحث مضن عن العدالة وعن الحقيقة وعن الصدق، ولكن أوصياء الحق عندنا لا يهمهم في العادة حقيقة أو صدق أو حتى عدالة. فكل الذي يريدون إثباته أنهم على حق وغيرهم على خطأ. أخيرا.. كان الفيلسوف العظيم سقراط يقول للناس: «قل الحق وإن كان عليك»، بينما محتكرو الحق عندنا يرددون «قل الحق وإن كان على الناس كلهم» !. [email protected]