اعترف الصحافي العربي الشهير محمد حسنين هيكل في حوار أجري معه أخيرا في القاهرة أنه كان يتضايق في بداية عمره الصحافي من المقالات التي كانت تهاجمه ثم اتخذ قرارا مع نفسه كما يقول ومازلت اتبعه حتى الآن وهو الاهتمام بقراءة الدراسات الجامعية والكتب المهمة التي كتبت عنى. أما الكتابات الصحافية الملتهبة والتي تهاجمني على أي شيء فأنا أضعها في دولاب مكتوب عليه «قراءات مؤجلة» وهذا جعلني أستريح نفسيا، فقد أقرؤها يوما، ولكني لا أريد الانفعال! وحسب رأي هيكل الذي بلغ السادسة والثمانين من العمر أخيرا واعتزل الكتابة منذ سنوات فلو كنت أرد على حجم ما هوجمت به لضيعت عمري في الردود، وأنا أريد أن يضيع عمري في قول شيء مفيد للناس. ويضيف: لابد أنك إنسان مؤثر واعتراف من الآخرين بك ورغبة في إزاحة تأثيرك، فإذا أنت تعثرت في الهجوم فقد تعطلت ! وأعجب العجاب اليوم أن عندنا بشرا في كل المجالات ولا يوازون هيكل في قيمته على الإطلاق نراهم يقضون أكثر من نصف أعمارهم في افتعال المعارك ضد منتقديهم، ويهدرون غالبية أوقاتهم في ملاسنات و «هوشات» لامعنى لها. هناك كتاب ينتقدون غيرهم أكثر مما يكتبون، وهناك سياسيون مهمتهم الوحيدة في الحياة هي توجيه إطلاق قنابل كلامية فارغة كل يوم بقصد الظهور على أنهم موجودون في الساحة. وعندنا أيضا مفكرون وصناع قرار وبشر في مستويات عالية من الثقافة شغلهم الشاغل كل ساعة هي ذبح خصومهم وإسالة دمائهم وكل ذلك كي تنتصر «أفكارهم العظيمة» ! ولا أبالغ اليوم إذا قلت إن نصف المعارك أو غالبيتها التي يخوضها الكثيرون من الناس هي معارك وهمية تفترض جميعها بطولات مزيفة لكنها مع الأسف لاتجلب لأصحابها سوى بعض الحماس والتسلية ونسيان المشكلات الحقيقية لبعض الوقت. وفي كثير من الأحيان ينسى الناس أو يصرون على نسيان أن أهم معارك الحياة على الإطلاق هي المعركة مع النفس، معركة الإنسان لإصلاح نفسه وسموها، وهي معركة تهذيب العقل وثراء ثقافته وزيادة معرفته وإيمانه وتطهير روحه وثبات ضميره. فالمؤلم أن الناس يخوضون كل المعارك مع البشر الآخرين بكل ضراوة وربما شجاعة يحسدون عليها، ولكنهم يصابون بجبن فظيع عندما يواجهون أخطاءهم البشعة وذنوبهم التي يرتكبونها أحيانا أو كثيرا بحق غيرهم من البشر.. أخيرا، سئل حكيم يوناني عن سبب انصرافه عن نصح الناس وعدم اهتمامه بتعليمهم الحكمة، فرد بتواضع قائلا: وجدت أن الأهم هو أن أصلح نفسي قبل الآخرين. [email protected]