لم تسحرني حكايات ألف ليلة وليلة الشهيرة وبطلاها «شهرزاد» و«شهريار» لوحدي، بل أظنها سحرت العالم كله بقصص لا تزال تعتبر من أهم كتب التراث العربي والإنساني كله. فقد كانت تلك الحكايات التي قرأناها في سن مبكرة تعبر عن خيالات رائعة وقصص لا تنسى أبدا. لكن بما أننا نعيش اليوم عصور المنع والتحقير للإبداع ومصادرة ليست الأفكار فقط، بل حتى الحكايات القديمة والجديدة، فهناك ملاحقة في هذه الأيام بمصر ضد طبعة جديدة صدرت من ألف ليلة وليلة يعتقد أنها من أهم الطبعات على الإطلاق وأنها تقارب النص القديم كثيرا. أما الملاحقون لألف ليلة فهم يعتقدون أن الكتاب «سيئ السمعة ويخدش الحياء العام»، وبالتالي تجب مصادرته ومنع جميع البشر من قراءته! لا يهمني الآن العقول المريضة التي ترتاب في كل شيء ولا تفكر إلا في المصادرة ومنع الناس من القراءة والتفكير، لكن المهم اليوم هو أن الكثير من العقول العربية صارت مهووسة بشيء خطير اسمه «خدش الحياء». فالكثير من شؤون حياتنا صارت تخدش الحياء، ولا مأساة تحدث عندنا إلا عندما يخدش هذا الحياء، الذي لا يعرف له مثيل بين شعوب العالم كلها. لا أدرى لماذا كل هذا التخلف والبطالة والأزمات المالية وقمع الحريات وعدم التعبير في عالمنا المصاب بهذه اللوثة لا يصاب بالخدش أمامها؟ ولا أعرف لماذا لا ينخدش حياؤنا عندما نرى أن حياتنا تسير على تكنولوجية الغرب وأدويته وطائراته وسياراته وكل مستلزمات حياتنا المهمة بما فيها الطعام، خاصة أننا نعاني من خدش الغرب لحيائنا في الفن والأخلاق والحياة والحضارة وفي كل شيء؟ لماذا لا يصاب هؤلاء بلوثة الخدش في الحياء عندما يرون عالمنا المملؤ بالمذابح الطائفية والعرقية والسياسية؟ ولماذا لا يخرج حياء هؤلاء إلا عندما يصدر كتابا أو رواية أو فيلم أو أفكار هنا وهناك؟ أنها ليست ألف ليلة وليلة فقط، بل إنهم يريدونها ملايين الليالي من الظلام والخدش والتخلف! [email protected]