نلحظ هذه الأيام في الوسط الثقافي المحلي، تصاعداً في الأصوات التي تستخف بالقضية الفلسطينية وتنادي بالتطبيع مع إسرائيل، بحجة أن الفلسطينيين أنفسهم لم تعد تعنيهم قضيتهم، فلا حاجة إلى الانشغال بأمر لم ينشغل به أهله أنفسهم! إن اختلافنا مع سياسة حماس، أو خيبتنا بسبب ما يحدث بين الفصائل الفلسطينية من اختلاف وتنافر وفشل دائم في توحيد الكلمة، وعجز عن التضامن في العمل من أجل بلوغ الهدف الأسمى المتمثل في تحقيق تسوية سلمية، تضمن حق الفلسطينيين في الأرض والحرية والكرامة، ليس مبررا، ولا ينبغي أن يكون، لأن نقول: طالما أن الفلسطينيين على هذه الصورة من التناحر والاختلاف، فإننا سنتخلى عن دعم القضية الفلسطينية. القضية الفلسطينية لا ينبغي أن ينظر إليها من خلال سياسة بعض أبنائها، فهي قبل أن تكون قضية فلسطينية أو عربية، قضية إنسانية في المقام الأول. فسياسة إسرائيل العنصرية أغلقت جميع نوافذ الحياة أمام الفلسطينيين، وهي سياسة ترنو إلى إبادة العنصر الفلسطيني وإجلائه عن أرضه لتخلو الأرض لليهود وحدهم فقط، وهذا ما يجعلها قضية عالمية أكبر من كونها قومية، فالتوسع الإسرائيلي وتنامي المستوطنات وتفشي إقامة جدران الفصل العنصرية، كلها تصرفات تناهض القيم الإنسانية وتنخر في جدران الحقوق والعدالة. وكم كان مخيبا أن ينهض أحد من يصنفون من (المفكرين) في بلادنا، فيعلن على سبيل (الفخر) أو (التهديد) أنه لن يدعم القضية الفلسطينية! ثم يأتي بمبررات لا يتوقع سماعها من جاهل، دع عنك (مفكر)، كقول (إن الفلسطينيين في إسرائيل وفي دول العرب ودول العالم يعيشون أجمل أيامهم)! إذا تجاوزنا عن طلب ما يثبت أن الفلسطينيين في إسرائيل يعيشون أجمل أيامهم، حيث من المعروف أنهم يعاملون على أنهم مواطنون من الدرجة الثالثة، فإسرائيل تتعامل مع مواطنيها على ثلاث مراتب: درجة أولى وهم اليهود البيض، ودرجة ثانية وهم اليهود الملونون، ودرجة ثالثة وهم الفلسطينيون، ولا أدري كيف يعيش الفلسطينيون أجمل أيامهم في مثل هذا الوسط العنصري! ومع ذلك لنفترض أنهم حقا يعيشون سعيدين داخل إسرائيل، هل هم يمثلون جميع أبناء فلسطين؟ كم نسبتهم بين الفلسطينيين؟ ما حال بقية الفلسطينيين؟ هل هم أيضا (يعيشون أجمل أيامهم)؟ ما حال سكان المخيمات والقطاعات المحتلة حيث يزاحم المستوطنون اليهود بكل وقاحة، الفلسطينيين في أرضهم ورزقهم ويفرضون عليهم الحصار وضيق العيش؟ ولندع الفلسطينيين جانبا يتقلبون في أجمل أيامهم، ماذا عن القدس والمسجد الأقصى؟ هل هو أيضا يعيش أجمل أيامه في الحضن الإسرائيلي؟ إن الأخبار تحمل إلينا توجه أمريكا للاعتراف القريب بالقدس عاصمة لإسرائيل، فهل نبارك ذلك؟ ما المصلحة من هذا العزف النشاز على وتر الاستخفاف بقضية فلسطين؟ وأي جدوى ترجى منه؟