النفط يصعد 2% وسط مخاوف الإمدادات    إطلالة على الزمن القديم    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «الولاء» يتفوق في تشكيلة الحكومة الأميركية الجديدة    وزير الرياضة يوجه بتقديم مكافأة مالية للاعبي فريق الخليج لكرة اليد    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    أرصدة مشبوهة !    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    ترمب المنتصر الكبير    فعل لا رد فعل    صرخة طفلة    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    العوهلي: ارتفاع نسبة توطين الإنفاق العسكري بالمملكة إلى 19.35% مقابل 4% في 2018    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    إحباط تهريب (26) كجم "حشيش" و(29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الشاعرة مها العتيبي تشعل دفء الشعر في أدبي جازان    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    الصقور السعودية    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«يهودية» إسرائيل.. بين الصهيونية الدينية والأمنية (2) .. كل يهودي في العالم له الحق في الجنسية الاسرائيلية على حساب الفلسطينيين
نشر في البلاد يوم 16 - 08 - 2010

ظهر مصطلح «يهودية» إسرائيل بوتيرة متسارعة خلال السنوات القليلة الماضية على ألسنة المسئولين الإسرائيليين، ووصل الأمر إلى حد اعتبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتراف الفلسطينيين ب»يهودية» إسرائيل شرطا لموافقة حكومته على قيام دولة فلسطينية ضمن ما تبقى من الضفة وغزة، بعد إسقاطه القدس وحق العودة. وانتقل المصطلح بشكل أسرع إلى ما يشبه الإجماع الدولي عليه، لا سيما من الطرف الأمريكي، سواء أكان الجمهوري السابق جورج بوش الابن أو الديمقراطي الحالي الرئيس باراك أوباما، ومن ثم أضحى الاعتراف ب»يهودية» إسرائيل مطلبا علنيا تجاهر به إسرائيل المفاوض الفلسطيني والأطراف العربية المختلفة. ومما لا شك فيه أن لإسرائيل العديد من الأهداف المبطنة والمعلنة وراء هذا الطرح الجديد الذي بات لا يختلف عليه أقطاب السياسة الإسرائيلية من مختلف المشارب والتيارات، وهي الأهداف التي تقتضي البحث في الجذور الدينية والتاريخية والفكرية والأيديولوجية من جانب، وبحث العوامل الجيوإستراتيجية والديموغرافية وغيرها للوقوف على أبعاد المخططات الإسرائيلية وراء اللهث على اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة العبرية.
ورغم أن الحديث عن «يهودية» إسرائيل لم يظهر على السطح إلا في السنوات القليلة الماضية، فإن مفهوم «الدولة اليهودية» لم يغب يوما عن ذهن مخططي الحركة الصهيونية منذ القرن التاسع عشر. فوفق هذا المفهوم تأسست دولة إسرائيل بالقوة في عام 1948 لتكون مكانا يجمع يهود العالم (أو هكذا افترض أن تكون)، ولولا التشبث العربي بالأرض الفلسطينية لتحول هذا المفهوم إلى واقع حقيقي منذ عقود. ومنذ تأسيسها حتى نهاية القرن العشرين، تعمدت إسرائيل تقنين العديد من الإجراءات والقوانين التي تسعى إلى «تهويد» المكان والإنسان العربي وإجبار فلسطينيي 48 إما على المكوث في دولة يكونون بها مواطنين من الدرجة الثالثة، وإما على الرحيل ومغادرة أراضيهم. وغير بعيد عن ذلك لم تكن حرب إسرائيل التوسعية في عام 1967، في أحد مضامينها، سوى تعبير عن جوهر الفكرة الصهيونية القائمة على التوسع من أجل تحقيق الأمن المطلق إستراتيجيا، وتعبير آخر عن فكرة أرض الميعاد كما ترويها الأدبيات الصهيونية دينيا. ولئن كان يمكن التفرقة في المجال النظري والفكري والأيديولوجي بين يهود يتشبثون بتلك الفكرة وآخرين يرونها محل نقد لأسباب مختلفة، وخاصة ممن ينتمون لتيار «ما بعد الصهيونية»، فالثابت أن إسرائيل وقادتها باتوا يطرحون منذ العام 2003 فكرة «يهودية» الدولة كشرط يجب على العرب والفلسطينيين الاعتراف به مسبقا قبل التوصل لحل ما للصراع العربي – الإسرائيلي؛ مستغلين في ذلك عدة أمور أبرزها: دخول العالم بقيادة القطب الأمريكي في حرب ضد ما يسمى «الإرهاب» بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وتراجع مكانة القضية الفلسطينية بعض الشيء على الصعيد العربي الرسمي، وممارسة إجراءات على الأرض تُحوّل حلم «يهودية» الدولة العبرية القابع في الأذهان إلى ما يشبه الحقيقة عبر تكثيف الاستيطان في الأراضي المحتلة وتهويد القدس الشرقية وتشديد الخناق ضد فلسطينيي 48.. إلخ.
في هذا الإطار تهدف هذه الورقة إلى بحث جذور فكرة «يهودية» إسرائيل، والتحولات التي صاحبت هذه الفكرة لا سيما مع مطلع الألفية الجديدة، ثم دراسة ما تقوم به حكومة نتنياهو الحالية من تطبيق فعلي ل»يهودية» الدولة، والتي بدأت فعليا على يد شارون ومن بعده أولمرت، وبحث الموقف الأمريكي من هذا الطرح الإسرائيلي، وأخيرا الوقوف على أهم التداعيات الخطيرة التي تكرسها فكرة «يهودية» إسرائيل على أرض الواقع.
وبناءً على ذلك تنقسم هذه الورقة إلى أربعة محاور أساسية، وهي:
أولا: الجذور الدينية والأيديولوجية لإسرائيل «اليهودية».
ثانيا: «يهودية» إسرائيل.. نيوصهيونية أمنية.
ثالثا: نتنياهو وأوباما.. توافق على «يهودية» إسرائيل.
رابعا: تكريس «يهودية» إسرائيل.. الأهداف والتداعيات.
أولا: الجذور الدينية والأيديولوجية لإسرائيل «اليهودية»
بغض الطرف عن التأريخ لظهور الصهيونية، سواء كفكرة أو حركة دينية، وهي اللفظ الذي يرتد إلى كلمة «جبل صهيون» بفلسطين، وتعني لدى اليهود «أرض الميعاد» أو «الأرض المقدسة»؛ فإن الصهيونية كاتجاه سياسي برزت بين يهود أوروبا في القرن التاسع العاشر، وصاغه الكاتب اليهودي الألماني «ناتان برنباوم»، لتكون المقدمة الطبيعية لتبلور مصطلح «يهودية الدولة الإسرائيلية» الموعودة فيما بعد.وعلى الرغم من أن فكرة «العودة» التي آمن بها اليهود على مر العصور لم تكن جديدة، فإن «تيودور هرتزل»، اليهودي النمساوي صاحب كتاب (الدولة اليهودية 1896) ومؤسس المنظمة الصهيونية العالمية، كان أول من دعا في التاريخ الحديث جدياً إلى إقامة دولة يهودية، وبهذا ظهر مصطلح «يهودية الدولة» أو «دولة لليهود» في أدبيات المؤتمر الصهيوني الأول الذي أنهى أعماله في نهاية أغسطس 1897 في مدينة بازل السويسرية، ثم أقر المؤتمر الصهيوني السابع (أغسطس 1905) أن هذه الدولة مكانها فلسطين، وقرر وقف جميع النشاطات الاستعمارية، سواء كان ذلك غاية أو وسيلة، خارج فلسطين والأراضي المحاذية لها.
«يهودية» إسرائيل.. فكرة صهيونية الجوهر
ومنذ هذا التاريخ كانت فكرة «يهودية الدولة» دائما إحدى ركائز الفكر الصهيوني حيث تبلور اتفاق داخل الحركة الصهيونية حول إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وإن كانت درجة هذه اليهودية وبعض مضامينها بقيت مثار جدل بين تيارات معينة داخل الحركة الصهيونية لم ينقطع حتى الآن؛ إذ كان هذا الهدف بذاته موضع نقد وتشكيك من جانب عدد من أبرز المثقفين والمفكرين اليهود مثل هرمان كوهن، وفرانز روز، ونزويغ، ومارتن بوبر، وحاييم سولوفيتشيك، والذين لم يتقبل أي منهم فكرة إنشاء دولة يهودية لاعتقادهم أن الشعب اليهودي في جوهره فكرة روحية وأن إنشاء دولة يهودية سيعني بالضرورة أن تعتمد الديانة اليهودية على السياسة والمؤامرات ورأس المال، ما يعني في رأيهم نهاية اليهودية كفلسفة ومثل أعلى وحقيقة.
ومنذ البداية تجلت حقيقة هامة، وهي أن الدولة المنشودة ستكون «يهودية ديمقراطية»، «يهودية» بمعنى غلبة العنصر اليهودي، و»ديمقراطية» لمواطنيها من اليهود رغم وجود عرق آخر بهذه الدولة، أي أنها غير ديمقراطية لغير اليهود؛ فقد استند مفهوم الدولة «اليهودية» في كتاب هرتزل على رفض المبدأ الديمقراطي القاضي بأن الدول تستمد حقها في الحكم من قناعة السكان الذين يعيشون فيها، وكان لابد له من رفض هذا المبدأ، لأن اليهود لم يكونوا أغلبية في فلسطين.
وبدلا من ذلك، أكد هرتزل أن شرعية الدولة اليهودية مستمدة من الحاجة إلى حماية «الوطن الآمن» أيا كانت نواياه نحو إنشاء حكومة في فلسطين (حيث اليهود أقلية بين العرب)، وتكون لها قوة السيادة على كل السكان (يهود وعرب)، وأن تتصرف في الظاهر فقط باسم اليهود المنتشرين حول العالم.
على هذه الخلفية، ابتدع قادة ومنظرو الحركة الصهيونية الأساطير المؤسسة للدولة، وهي أن اليهود «بنو صهيون» أمة متميزة ومفضلة على الأغيار وزعموا أنهم شعب الله المختار، وبالتالي الربط بين هذا الشعب وبين أرض الميعاد التي لليهود حقوق خالدة فيها، ثم «عودة المسيح المنتظر» لبني صهيون؛ وهو الأمر الذي سيضع حدا لشتات اليهود وإقامة وطنهم القومي في فلسطين إلى الأبد.
ويذكر البروفسور الإسرائيلي «يوسف جوراني»، أستاذ العلوم اليهودية بجامعة تل أبيب، أنه وفقا لهذه الخلفية الدينية، تبنت الحركة الصهيونية أربعة مبادئ أساسية، هي: مبدأ تجميع اليهود في أرض فلسطين، وتحويل اليهود إلى الأغلبية السكانية فيها، وضرورة العمل العبري وتبني مبدأ الثقافة العبرية.
وقد أكد هرتزل في مذكراته على هذه المبادئ، بقوله: «إن غاية الصهيونية هي خلق وطن للشعب اليهودي بفلسطين.. وإن المؤتمر الصهيوني يرى في الوسائل التالية الطريق إلى تحقيق الغاية:
1 العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود.
2 تنظيم اليهودية العالمية وربطها بواسطة منظمات محلية ودولية تتلاءم مع القوانين المتبعة في كل بلد.
3 تقوية وتغذية الشعور والوعي القومي اليهودي.
4 اتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الحكومية الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية.
وبناءً على هذه المبادئ شرعت الحركة الصهيونية العالمية، بالتعاون مع القوى الاستعمارية الأوروبية، مع بداية القرن العشرين، في استقدام أكبر عدد ممكن من يهود العالم وتهجير السكان العرب، والاستيلاء على أكبر مساحات ممكنة من الأرض العربية في فلسطين، وبناء الوحدات والتنظيمات العسكرية الإرهابية لتحقيق الأمن لليهود القادمين وتشريد العرب أهل البلد الأصليين.
ولا يمنع الخلاف الكبير الذي نشب بين قادة الحركة الصهيونية حول طبيعة وشكل الدولة الجديدة، وهو خلاف بين العلمانيين والمتدينين اليهود، أن جوهر الدولة «اليهودية» كان هو أساس قيام الدولة؛ فقد سعت إسرائيل منذ اليوم الأول لميلادها لاستخدام تعبير «يهودية الدولة الإسرائيلية»، وتروي أدبيات مجلس الأمن في ذلك الوقت أن المندوب الأمريكي هو الذي حذف تلك الكلمة بتعليمات من الرئيس الأمريكي هاري ترومان في منتصف مايو 1948.
إسرائيل.. «يهودية» وغير ديمقراطية منذ البداية
وجاء إعلان تأسيس دولة إسرائيل (ما يعرف باسم: إعلان الاستقلال)، الموقع في 14 مايو 1948، كوثيقة من صفحتين ليؤكد هذه الحقيقة، إذ عرف إسرائيل بوضوح كدولة يهودية، وشددت الوثيقة على أن السلطة والسيادة في إسرائيل هي للشعب اليهودي. وقد حددت الوثيقة أحد أهداف الدولة في نصها على ما يلي: «دولة إسرائيل ستكون مفتوحة أمام الهجرة اليهودية ولجمع الشتات وستعمل على تطوير البلاد لصالح جميع سكانها».
وبهذا الإعلان وضع مؤسسو إسرائيل تمييزا واضحا لا غموض فيه بين اليهود الذين هم السلطة السيادية في إسرائيل، وبين السكان العرب الذين لا سلطة سيادية لهم، بحيث يتم فرض وتوكيد وضع السكان العرب في إسرائيل كمواطنين من الدرجة الثانية [بالإيجاب]، من خلال القوانين التي تقدم لك الامتيازات لكونك يهوديا، وليس [بالسلب] أو بالإنكار الرسمي لحق العرب في الجنسية أو في التصويت أو في تولي المناصب. تقول وثيقة إعلان الاستقلال: إن للعرب حق «المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية»، وجنسية كاملة ومتساوية وتمثيل عادل في كل مؤسسات إسرائيل الدائمة والمؤقتة».
إن ما جاء في تلك الوثيقة لناحية حقوق غير اليهود في إسرائيل يكاد يتماشى مع وعد بلفور (2 نوفمبر 1917) الذي جاء فيه: «تستحسن حكومة جلالة ملك بريطانيا إقامة بيت وطني للشعب اليهودي في فلسطين، وستقوم بأقصى مجهودها للتوصل إلى هذا الهدف, بشرط واضح هو ألا تؤذي الحقوق الوطنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين وألا تؤذي حقوق ومكانة اليهود في أي بلد آخر». غير أن ديباجة قانون العودة الذي أقر في عام 1950 تستهل القول: «يحق لكل يهودي أن يهاجر إلى إسرائيل وأن يستقر بها»؛ فالهدف الرئيسي من إقامة إسرائيل هو جعلها دولة لليهود المقيمين فيها أو في أي مكان آخر في العالم، ولكل يهودي في العالم الحق في المجيء إلى إسرائيل ونيل الجنسية الإسرائيلية.
كما ألغى القانون الأول الذي أصدره مجلس الدولة جميع الأنظمة التي كانت تحد من دخول اليهود واستيطانهم في فلسطين، وبهذا أعطيت المواطنة الشرعية لكل يهودي داخل فلسطين (وخارجها كذلك)، وفتحت أبواب فلسطين لدخول اليهود، وألغيت جميع القيود القانونية على تملكهم الأرض الفلسطينية. وقد فرضت هذه القوانين على جميع المناطق الفلسطينية التي سقطت تحت الاحتلال، وفيها المناطق الخارجية عن حدود الدولة اليهودية المبينة في خريطة التقسيم وفق قرار التقسيم (29 نوفمبر 1947). وعلى النقيض فإن الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين، قد شلت حركتهم وقدرتهم على فعل نفس الأمر، فهم لا يستطيعون العودة إلى منازلهم في إسرائيل والتي عاشوا فيها لأجيال عديدة، بل حتى العرب الذين لم يغادروا إسرائيل قط، لكنهم مكثوا أياما قليلة عند أقاربهم في قرية مجاورة بانتظار انتهاء الحرب في 1948، هؤلاء الآن مصنفون في إسرائيل ك»غائبين حاضرين»، وهي فئة سيبقون فيها إلى الأبد، ونتيجة لها تبقى بيوتهم وأملاكهم في حيازة «حارس أملاك الغائبين» الذي يضع هذه الأملاك تحت تصرف اليهود. وفي سياق كهذا فإن نشأة إسرائيل من خلال الحركة الصهيونية قد جعل من المبادئ الصهيونية ومن «يهودية الدولة»، مقولات قانونية أساسية تستند إلى قوانين الدولة ذاتها؛ فقد سن الكنيست الإسرائيلي مجموعة من القوانين تخدم حصرا سيطرة الأغلبية اليهودية وهيمنتها في إسرائيل، وذلك من خلال «قوننة» التمييز ضد عرب 48، خدمةً للعنصرين المادي والبشري اليهودي، وهما العنصران اللذان دأبت الحركة الصهيونية على توفيرهما بشكل متواصل من خلال تشجيع الهجرة اليهودية ومصادرة أراضي الفلسطينيين وتهويدها، حيث سنت إسرائيل في الأعوام الأولى لقيام الدولة القوانين اللازمة لتثبيت كيانها كدولة «يهودية» وخدمة أهداف الحركة الصهيونية والهجرة اليهودية، ونزع ملكية العرب الذين غادروا البلاد وأصبحوا لاجئين، وتقليص ملكية العرب الذين صمدوا في أرضهم تحت الاحتلال.
ومن أهم هذه القوانين: قانون العودة لسنة 1950، وقانون أملاك الغائبين لسنة 1950، وقانون أملاك الدولة لسنة 1951، وقانون الجنسية لسنة 1952، وقانون إدارة أراضي إسرائيل في عام 1960.‏ ناهيك عن عشرات القوانين العنصرية التالية التي تميز ضد العرب وتجبرهم إما على الإقامة كمواطنين من الدرجة الثانية، وإما الرحيل ومغادرة أراضيهم.إن هذه السلسلة غير المتناهية من القوانين العنصرية ما هي إلا التزام إسرائيل رسمي بالصهيونية، وبالتالي ب»يهودية الدولة»، وقد رسخ هذا مع الوقت لدرجة أنه أضحى غير قابل لطرحه لمجرد النقاش داخل المؤسسات الإسرائيلية، وذلك بموجب قانون أقره الكنيست في عام 1985، يحظر طرح مشاريع قوانين «تنفي وجود إسرائيل كدولة للشعب اليهودي» .
وعلى الرغم من أن الصهيونية حركة اضطهدت اليهود وغير اليهود سابقا، لكن يبقى أن الصهيونية، كانت ولا تزال، مرتكزا للقومية اليهودية من جانب، وملتصقة تماما بدولة إسرائيل من جانب آخر. وحتى مع مضي الوقت واستقرار دولة إسرائيل على أرض الغير لم تُلغ الفكرة الصهيونية المركزية، وهي أن أرض الميعاد تمتد من نهر النيل بمصر إلى النهر الكبير/الفرات (أو بطريقة أخرى من مصر إلى العراق الحالي)؛ ففي عام 1956 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بن جوريون أن السبب الحقيقي لحرب السويس هو «إعادة مملكة داود وسليمان إلى حدودها التوراتية»، وعند هذه النقطة من خطابه، وقف أعضاء الكنيست كافة، وأنشدوا النشيد الوطني الإسرائيلي». وفي أعقاب حرب 1967، واحتلال إسرائيل لسيناء والجولان والضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، ورد في رسالة من بن جوريون إلى الرئيس الفرنسي السابق شارل ديجول (6/12/1967) قوله: «لقد آمنا طوال آلاف السنين بنبوءات أنبيائنا، وبيننا أشخاص يؤمنون بمجيء المسيح الذي سيجمع يهود العالم أحياءً وأمواتا في الأرض المقدسة» .
لقد كانت أفكار بن جوريون، مؤسس دولة إسرائيل، تقوم على أن أهم ركن من أركان الدين اليهودي هو الارتباط بالأرض «أرض الميعاد»، وأن تعلق اليهودي «بأرض الميعاد» ناتج عن الصبغة القومية والإقليمية في الدين اليهودي، وأن اليهودي الحقيقي هو الذي «يرجع إلى هذه الأرض، أما من يرفض «العودة» والاستيطان في فلسطين، فيعد خارجا على الدين، تاركا لله، لأن الإله «يهوه» ظهر مرتبطا بهذه الأرض. وبرأي بن جوريون، فإن «الصهيوني هو اليهودي الذي يحس ويعترف بأنه يعيش في منفى، إذا كان من مواطني أي بلد غير إسرائيل، ولذلك يقرر العودة إلى جبل صهيون». وبهذا المعنى، فإن الصهيونية هي الجانب القومي في اليهودية، واليهودية هي الجانب الديني في الصهيونية، وإسرائيل بالتالي تحقيق سياسي للاثنين معا؛ الأمر الذي يعني أن الصهيونية هي الوجه السياسي- الفكري والأيديولوجي لليهودية، كما أن اليهودية هي المرتكز الديني للصهيونية. أما «إسرائيل» فهي التجسيد العملي والسياسي والكياني للظاهرتين معا. وفي هذا الإطار يقول الكاتب اليهودي هيرمان ووك في كتابه «هذا هو إلهي»: «إن دولة (إسرائيل)، التي هي أحدث تحقيق لأقدم حلم ديني في الأرض، وضع مُخَطّطها مؤسس لا ديني، وأوجدها رجال هم بالأغلب لا يراعون أحكام العقيدة. ومع ذلك فإن الصهيونية التي ازدهرت حالياً في (إسرائيل) تقع بالتأكيد ضمن مجال النظر البعيد للديانة اليهودية».‏
وبالنظر إلى هذا الارتباط المتلاحم غير المنفصل، بين إسرائيل ك»دولة» والصهيونية ك»حركة»، فإن اليهود داخل إسرائيل وخارجها قد اعتبروا أن قرار الأمم الجمعية العامة بالأمم المتحدة الصادر في 10 نوفمبر 1975، والذي ذكر أن الصهيونية «شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»، ودعا إلى التخلي عن الصهيونية كحل للمشكلة الإسرائيلية، بمثابة إعلان حرب من جانب الأمم المتحدة على الشعب اليهودي واليهودية.
وفي ذلك العام عقد المؤتمر الصهيوني الثامن والعشرون في القدس المحتلة، وفيه أعلن رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيجين، أنه «لا يمكن الفصل بين القومية وبين الدين في اليهودية». وعقد «مؤتمر أورشليم لوحدة الشعب اليهودي» يوم 3 ديسمبر 1975 داخل الكنيست الإسرائيلي، وشارك فيه 170 من زعماء اليهود في العالم، وألقى فيه رئيس «دولة إسرائيل» أفرايم كاتسير، كلمة قال فيها: «إن هذا المؤتمر يشكل رمزا لوحدة إسرائيل واليهود والصهيونية»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.