أمراء المناطق يوجّهون باستمرار العمل في إجازة العيد    البيعة الثامنة ترسخ مسيرة النهضة والتنمية    أمير الشمالية يرأس استعدادات العيد    الرؤساء التنفيذيون بالمنطقة يخططون لتنفيذ صفقات استحواذ في السنوات الثلاث المقبلة    نائب أمير الرياض يزور مشروع المسار الرياضي    الذهب يرتفع وسط مخاوف التوترات التجارية.. وانخفاض «التكنولوجيا» يضعف الأسهم    3.8 ملايين ريال غرامات أصدرتها الطيران المدني الربع الأول 2025    البديوي يدين إنشاء (إسرائيل) وكالة لتهجير الفلسطينيين من غزّة    بعد اجتماعات الرياض.. اتفاق روسي أوكراني على تأمين البحر الأسود    أميركا تعرب عن امتنانها لولي العهد في تسهيل المباحثات مع أوكرانيا    سورية: قصف إسرائيلي على درعا يقتل خمسة أشخاص    القيادة تهنئ رئيس الهيلينية بذكرى استقلال بلاده    تقلص فرصة قطر في التأهل المباشر لكأس العالم بالخسارة من قرغيزستان    فعالية بسطة خير السعودية في برزان حائل تكتظ بالزوار وتنامي المبيعات    الأخضر يكتفي بالتعادل السلبي مع اليابان بتصفيات كأس العالم 2026    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد العودة بالدرعية    المركز الوطني للعمليات الأمنية يشارك في معرض وزارة الداخلية    "دارك للإسكان التنموي" تختتم ورشة البناء الاستراتيجي لرسم ملامح المرحلة القادمة    رياح نشطة وأمطار رعدية متوقعة على عدة مناطق في المملكة    نزاهة توقف 82 متهما بقضايا فساد في 6 جهات حكومية    اطلع على تقرير أعمال فرع "التجارة".. أمير تبوك يشدد: القيادة تدعم كل ما يحقق للمواطن رغد العيش    اليابان طريق الأخضر للمونديال    المستشار في القانون الرياضي أحمد الأمير ل(البلاد): رافع.. القصة من النهاية    لكبح قدرات الميليشيا المتمردة على استهداف الملاحة البحرية.. الطيران الأمريكي يواصل ضرباته لمراكز الحوثيين الإستراتيجية    تصاعد "احتجاجات أوغلو" وتوقيف صحافيين ومتظاهرين.. تظاهرات إسطنبول تعمق الانقسام السياسي في تركيا    «العالم الإسلامي» يؤيد مخرجات «اللجنة الوزارية» بشأن غزة    إحباط تهريب 108 كلجم من "القات " والإطاحة ب4 مخالفين    مرصد «المجمعة» يوضح ظروف رصد هلال شوال    أمير الرياض يوجّه باستمرار العمل خلال إجازة العيد    نمو اقتصاد الهيدروجين وخفض الكربون.. أرامكو تستحوذ على 50 % في شركة الهيدروجين الأزرق    بادرة الوفاء في العيد لذوي القربى    النظرة السوداوية    «جرائم القتل» بطلة 5 مسلسلات في رمضان    الجود والكرم وبركة الحرم    التوقف الطبيعي للطمث    دراسة صادمة.. آلات القهوة الحديثة تدمر الصحة    وزير الصحة يتفقد جاهزية المنشآت الصحية في العاصمة المقدسة    محافظ ⁧‫خميس مشيط يرعى بطولة وادينا2 ضمن مبادرات ⁧‫أجاويد3‬⁩    صبيا تحتفي بنجاح بطولة كرة الطائرة الثانية الرمضانية بحارة الباصهي    الرئيس التنفيذي لتجمع عسير الصحي يدشن قسم الأشعة المقطعية بمستشفى تنومة    الهيئة العالمية لتبادل المعرفة تمنح العضوية الشرفية للدكتور الحمد    على سبيل الحقيقة    128 بطولة رمضانية في رابطة الهواة لكرة القدم    حلم وبُعد نظر الملك عبدالعزيز    الغيرة المحمودة    صانع المجد ومحقق الأحلام    المحافظ الرابع    «شارع الأعشى» كتلة مشاعر    ربي ارحمهما    مركاز الفريد    قصة الذات في عوالم الأدوار المتشابكة    مصير خريجات رياض الأطفال    أمل علاج السرطان ما بين الحقيقة والشائعات    «الدفاع المدني» يشارك في معرض الداخلية لتعريف ضيوف الرحمن بالخدمات بجدة    مخاوف متزايدة من التجسس وسط إقالات جماعية في واشنطن    نجاح أول علاج بيولوجي لثلاثيني في جازان    أمير تبوك يوجه باستمرار العمل خلال اجازة عيد الفطر    أمير جازان يوجِّه باستمرار العمل في الإمارة والمحافظات والمراكز خلال إجازة عيد الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الذات في عوالم الأدوار المتشابكة
نشر في الوطن يوم 25 - 03 - 2025

الهوية الشخصية وتعدد الأدوار الاجتماعية موضوع يتشابك فيه الذاتي مع الجمعي ويكشف عن الأبعاد الأكثر غموضا في وجود الإنسان، رحلة البحث اليوم مميزة تحتاج الكثير من التأمل، فالسؤال ليس سهلا يمكن الإجابة عليه بوضوح بل هو جدلية فلسفية كبرى تتنازعها القوى النفسية الاجتماعية والثقافية منذ عقود، بل تتعقد أكثر عند إدراكنا أن الفرد لا يعيش في الفراغ بل في عالم متشابك الأدوار والمعاني، حيث يتطلب منه أداء أدوار متعددة تتعارض أحيانا أو تتداخل بشكل يصعب معه تحديد جوهره الحقيقي.
إذا انطلقنا بتأمل الهوية الشخصية فإننا نجد أن هذا المفهوم مرتبط بشكل أساسي بفكرة الذات وديمومتها عبر الزمن، فالهوية الشخصية هي ما يجعل الفرد يشعر بأنه هو نفسه على الرغم من تغيرات الحياة والتحولات التي يمر بها، لكن هذه الاستمرارية ليست بالبساطة التي تبدو عليها؛ إذ إن الفرد يتغير على المستويين النفسي والجسدي، كما تتغير الظروف المحيطة به، ما يجعل الهوية أشبه بشبكة دقيقة ديناميكية تتغير وتتجدد باستمرار دون أن تفقد طابعها الأصلي، ولكن ما هو هذا الطابع؟ هل هو الذاكرة كما فسره فلاسفة غربيون حيث قالو إن الهوية تستند إلى استمرار الذاكرة عبر الزمن، أم أنه شيء أعمق يتجاوز الوعي والذكريات؟.
لو ذهبنا إلى معنى الأدوار الاجتماعية نجد أن الفرد ليس كيانا مستقلا بالكامل بل هو حلقة من شبكة اجتماعية تفرض عليه أدوار ومسؤوليات تتنوع بتنوع الظروف المحيطة والمواقف، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون الفرد أبا في الدار ومديرا في العمل، كما أنه صديقا بين أصدقائه، وكل دور من هذه الأدوار يحمل معه توقعات ومعايير تفرض على الفرد أن يتصرف بطريقة مناسبة لكل منها، ولكن هل يمكن لهذا الفرد أن يحتفظ بهويته الشخصية الحقيقية في ظل هذا التعدد؟ أم أن الهوية تصبح مجرد قناع يتغير بتغير الموقف.
ولو بقينا في محور المثال السابق سنجد أن التوتر بين الهوية الشخصية والأدوار الاجتماعية سيظهر بوضوح في المجتمعات الحديثة؛ حيث يتعين على الفرد التنقل بين أدوار متعارضة في بعض الأحيان، فسيجد الفرد نفسه مضطرا للتوفيق بين دوره كوالد يرغب في قضاء الوقت مع أسرته، ودوره كموظف يتطلب منه العمل لساعات طويلة، وهذا التوتر لا يقتصر على الجانب الزمني بل يمتد إلى الجانب القيمي أيضا؛ إذ قد يجد نفسه مضطرا للتصرف بطرق تتعارض مع قيمه ومعتقداته لتحقيق النجاح في دوره الاجتماعي.
بعض المفكرين العرب قالوا إن الإنسان كائن اجتماعي بالطبع، وإن هويته تتشكل من خلال تفاعله مع مجتمعه، ولكن هذا التفاعل لا يلغي استقلالية الفرد بل يشكل جزءا من تجربته الذاتية، وهنا يلوح في الأفق سؤال: عميق هل هذه الهوية تعبير عن ذات مستقلة أم أنها نتاج للظروف الاجتماعية؟
وفي أمثلة أخرى بهدف التنويع ومن واقع الحياة توضح تعقيد العلاقة بين الهوية وتعدد الأدوار الاجتماعية، نجد الأمهات العاملات يواجهن تحديات كبيرة في التوفيق بين أدوار، الأم، الزوجة، الموظفة، وكل هذا يتطلب منهن مرونة نفسية فائقة وقدرة على التنقل بين الأدوار المختلفة دون فقدان الشعور بالذات، وأيضا نرى حياة الفنانين الذين يعيشون بين عالمين مختلفين تماما، علم الشهرة والأضواء والتوقعات الاجتماعية من جهة، وعالمهم الخاص الذي يعبر عن هويتهم الحقيقية.
الهوية تتغير مع تغير السياقات والمواقف ولكن هذا التغيير لا يعني فقدانها بل يشير إلى قدرتها على التكيف مع الظروف المختلفة، فعند اكتساب لغة جديدة أو الانتقال إلى ثقافة مختلفة سنجد أن الشخص يتبنى بعض الجوانب من هذه الثقافة دون أن يفقد هويته الأصلية، بل يضيف إليها أبعاداً جديدة، بالطبع هذا التعدد في الأدوار يكون مرهقا للفرد وخاصة إذا كانت تتطلب منه التصرف بطرق تتعارض مع قناعاته الداخلية، حينها سيكون بين تحقيق الذات وتلبية توقعات الآخرين، وهذا التصادم يؤدي إلى أزمة هوية إذا لم يتمكن من تحقيق التوازن بين الاثنين. تحقيق التوازن المنشود هذا في منظور فلسفي يتم تحقيقه من خلال قدرات الثبات الداخلي الذي يتسلح به الفرد من خلال مواجهته للتغيرات الخارجية، وأن يتصرف وفقا لمبادئ عقلانية تعبر عن حريته واستقلاليته بغض النظر عن الضغوط الاجتماعية، وهذا الرأي أجده يبدو مثاليا للغاية عندما نواجه تعقيدات الحياة على أرض الواقع.
وفي المنظور المعاكس يمكن النظر إلى الأدوار الاجتماعية كفرصة لتعميق الهوية الشخصية، بدلا من اعتبارها تهديدا لها، إذ إن كل دور يوفر للفرد تجربة فريدة تساعده على فهم ذاته بشكل أفضل، وأعتقد أن هذا النوع من البشر يمتلكون القدرة على التأمل الذاتي وإعادة تقييم حياته باستمرار ومتمكن من تحقيق التوازن بين الخارج والداخل.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن العلاقة بين الهوية الشخصية وتعدد الأدوار الاجتماعية ليست علاقة صراع بل هي علاقة تكامل، فالفرد يحتاج الأدوار الاجتماعية لتشكيل هويته، ولكنه يحتاج أيضا إلى الحفاظ على جوهره الداخلي لتحقيق التوازن بين ذاته من جهة والعالم من جهة أخرى، فهذه العلاقة المعقدة تشكل جوهر التجربة الإنسانية التي تجمع الثبات والتغيير بين الذات والآخر وبين الحرية والضرورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.