في إحدى الليالي الرمضانية الجميلة التقيت بأحد طلابي الملتحقين بأحد برامج البورد السعودي في واحدة من أفضل المستشفيات في مملكتنا الحبيبة، وحكى لي قصة حزينة لأحد المرضى المصابين بالسرطان، تدهورت حالته بسبب رفضه وأهله للعلاج الكيميائي والإشعاعي، واتجاههم لخلطات شعبية مجهولة المكونات، كونها - بحسب ابن المريض - كانت سببًا في شفاء أحد أقاربهم! وقصصت عليه ما حصل لي مع ابنتي ذات الاثني عشر ربيعًا عندما سألتني: «بابا لماذا تخفي شركات الأدوية العلاج الشافي للسرطان؟ هل لأنهم يريدون أن تكون الحاجة لعلاجاتهم دائمة وبالتالي تزداد أرباحهم؟». شدني سؤالها وعلمت أنها شاهدت مقطعا لأحد نجوم هوليود يتحدث عن علاجات السرطان التي لا تريد شركات الأدوية كشفها، ومؤامرتها ضد البشرية! بدأت حينها نقاشا جميلا معها عن الحقائق العلمية فيما يخص السرطان وما يدور حوله من مغالطات. السرطان ليس مرضًا واحدًا بل مجموعة من الأمراض التي تتسبب في نمو غير طبيعي للخلايا والتي بدورها تؤدي إلى تكون الأورام. ومنذ تشخيص أمراض السرطان تطورت طرق العلاج بشكل متسارع وتنوعت من الجراحة والعلاج الكيميائي إلى العلاج المناعي والعلاج الجيني. فعادت لتسأل: مع كل هذا التطور التقني والعلمي هل يعقل أنه لا يوجد علاج نهائي للسرطان؟ أو هي بالفعل مؤامرة؟! ابتسمت حينها لكني في داخلي أشعر بالرعب من شدة تأثرها بالمقطع القصير الذي شاهدته لتكون هذا الرأي القوي عن الموضوع، وقلت لها: هذه أسئلة منتشرة ومقبولة لأنها على الأغلب ناتجة عن عدم الفهم والوعي الكافي بالمرض والطرق العلمية لاكتشاف العلاجات والسماح باستخدامها للمرضى، وبعض تلك التساؤلات مبني على نظريات المؤامرة، فعلى سبيل المثال الادعاء بأن شركات الأدوية تخفي العلاج النهائي من أجل الربح، مغالطة كبيرة كون علاج السرطان معقد ومختلف بحسب نوع السرطان، ولا يوجد علاج سحري واحد للقضاء عليها كلها، فالسرطان ليس جرثومة يمكننا القضاء عليها باستخدام مضاد حيوي. السباق دائم ومحتدم ما بين العلماء لاكتشاف علاجات جديدة، والشركات تدعم العلماء وتترقب النتائج للفوز بالحقوق لتزيد أرباحها، أما الإخفاء فيحجم الأرباح وربما يضيع فرصة السبق كون كل الشركات ترغب في الفوز. بادرت وذكرت لها.. ربما ستسمعين أو تشاهدين من يقول إن هناك أعشابا تعالج السرطان تمامًا، وأن العلاج الكيميائي أخطر من المرض نفسه، وهنا لا بد أن تعرفي أن كثيرا من العلاجات التي يتم تركيبها لعلاج السرطان أو الأمراض الأخرى تتكون من مركبات طبيعية أو مستخلصة منها، ولكن استخدامها يتم بعد إجراءات بحثية تجريبية صارمة للتأكد من فعاليتها وأمان استخدامها ومحدودية الآثار الجانبية المترتبة على استخدامها. أما فيما يخص خطورة العلاج الكيميائي، فرغم آثاره الجانبية فإن العلاج الكيميائي أنقذ وما زال ينقذ ملايين الأرواح والأبحاث مستمرة لتقليل آثاره الجانبية، وتطويره ليصبح أكثر استهدافًا وأقل ضررًا، وهناك أمثلة عديدة لمثل هذه العلاجات لبعض أنواع أمراض السرطان. سمعت قبل فترة من يروج بأن الالتزام بنظام غذائي محدد بإمكانه التحكم في انتشار السرطان، بل وربما علاجه، وهنا يجب التأكيد على أهمية الاهتمام بالتغذية الصحية السليمة وممارسة الرياضة والالتزام بحياة صحية لما لها من انعكاس إيجابي في صحة الإنسان الجسدية والنفسية، ولكن وبكل تأكيد لا يمكن اعتبارها علاجًا يستعاض عنه لعلاجات السرطان المثبت فعاليتها عبر الأبحاث العلمية الرصينة. الأهم ألا نفقد الأمل، فهناك تقدم هائل وتطورات مذهلة في مجال علاج السرطان، كالعلاج الجيني الذي يستهدف الطفرات الوراثية المسببة لبعض أنواع السرطان، والعلاج المناعي والذي يساعد الجهاز المناعي على محاربة الخلايا السرطانية، كما أن معدلات الشفاء تتحسن وبعض أنواع السرطان أصبحت قابلة للعلاج بشكل كامل. علاج السرطان في السعودية يواكب آخر التطورات العالمية، بل وتتجاوز التقنيات الموجودة والمستخدمة كثيرا من الدول المتقدمة، ففي تصريح حديث للرئيس التنفيذي لمستشفى الملك فيصل التخصصي عن استخدام تقنية جديدة أسهمت برفع نسبة الشفاء إلى 65 % للأطفال المصابين بأحد أنواع أورام الدم. آخر الحوار مع ابنتي، شعرت أنني نجحت في بث الأمل ورفع إدراكها بأن العلم يتقدم فعلًا حتى لو لم يكن هناك علاج نهائي لكل أنواع السرطان بعد، والأهم أنها بدأت تقتنع أن الحقيقة معقدة لكنها بتساؤلاتها وبحثها عنها بعيدًا عن الشائعات والمبالغات ستصل لها بإذن الله. لا بد أن تعي مبكرًا أن في هذه الحياة ليس كل ما يسمع ويقرأ يصدق، بل ومع طفرة الذكاء الاصطناعي ليس كل ما يشاهد أيضًا يصدق!