لعلماء فلسطين رؤيتهم المختلفة لقضية زيارة المسلمين للقدس، وربما كان ذلك نتيجة للإحساس بمرارة وطأة الاحتلال الذي يسعى لطمس هوية المدينة. لذلك يعولون على دعوة المسلمين لزيارة القدس ويرفضون اعتبار ذلك تطبيعًا. رغم أنهم في ذلك يخالفون رؤية كثير من الشخصيات الدينية البارزة. وفي حوراه مع “الرسالة” يصر فضيلة الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين على دعوة المسلمين للإسراع بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى، مؤكدًا أن التضامن مع الفلسطينيين ودعمهم لا يعني الاعتراف بمشروعية الاحتلال الإسرائيلي. وفيما يلي نص الحوار: دعوة للصلاة بالأقصى هل ما زلت مع الدعوة لزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى رغم التطورات الراهنة؟ نعم.. بعد منع قوات الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى أو الوصول إلىه، أرى أنه على المسلمين أن يسارعوا بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى لدعم صمود إخوانهم الفلسطينيين الذين يعانون من جرائم التطهير العرقي والتسوق من الفلسطينيين وإنعاش الاقتصاد الفلسطيني. مساندة معنوية ومادية ألا يعد الحصول على تأشيرة من إسرائيل لزيارة القدس نوعًا من التطبيع؟ أيجب التفريق في هذا الأمر، لأن التطبيع هو الذهاب إلى إسرائيل والتعامل معها من خلال اتفاقيات اقتصادية وتجارية وسياسية وما إلى ذلك، لكن الذهاب إلى القدس وزيارة المسجد الأقصى بنية مساندة أهلها ودعم صمودهم ليس تطبيعًا وإنما مساعدة لأهل القدس الذين يعيش أكثر من80% منهم تحت خط الفقر ويتعرضون لمخاطر الطرد والتهجير وهدم بيوتهم والقتل العشوائي، فقوات الاحتلال الإسرائيلي تضيق علىهم في شتى نواحي الحياة، وتفرض علىهم ضرائب باهظة، لذا فإن المسلمين إذا قاموا بزيارة القدس وتسوقوا في أسواقها وتعاملوا مع أهلها فسيقدمون لهم مساعدة كبرى، لذا فإنني أنادي المسلمين والمسيحيين ليأتوا إلى القدس كنوع من مقاومة الاحتلال والتأكيد على أن القدس مدينة إسلامية ومسيحية وعربية، كما يجب أن يأتي الأقباط والمسيحيون من كل أنحاء العالم لزيارة كنيسة القيامة، فنحن تحت الاحتلال وهناك كثير من البلاد الإسلامية خضعت للاحتلال في الماضي، فهل حرم دخولها؟ الجزائر التي احتلتها فرنسا أكثر من 130 سنة ومع ذلك كان يزورها الجميع فهل كان معنى ذلك الاعتراف بمشروعية الاحتلال الفرنسي؟ لكن هل ستسمح إسرائيل للمسلمين والمسيحيين بزيارة القدس؟ إسرائيل لا ترحب بدخول العرب، حتى لو كانوا أوروبيين من أصول عربية فقد لا تسمح لهم نهائيًا مع أنها تسمح للأوروبيين بالدخول بدون تأشيرات ولهذا فإن إسرائيل ترتاح لعدم زيارة العرب، مسلمين أو مسيحيين. أما الأوروبيون فتقدم لهم المسجد الأقصى على أنه هيكل سليمان، لهذا فإن دعوتي للذهاب إلى القدس تعني ضرورة تأكيد عروبتها وإسلاميتها وحتى لا نتركها للجماعات اليهودية المتطرفة. مخطط متكامل للهويد وكيف يعيش أهالي القدس في ظل الغطرسة الإسرائيلية؟ المقدسيون يعيشون حياة صعبة للغاية، فهم محاصرون، وقوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم البيوت فوق رؤوسهم، وتمارس عمليات تطهير عرقي ضدهم على مرأى ومسمع من العالم، وتقوم بطرد وتهجير السكان وتصادر الأراضي وتقيم علىها المستوطنات وتنتهك بشكل صارخ حرية العبادة، وتمنع أهالي الضفة الغربية بالكامل من دخول القدس والصلاة في المسجد الأقصى، كما أن ساحات المسجد الأقصى المبارك تستباح من الجماعات اليهودية المتطرفة بينما يتم منع الفلسطينيين من دخوله. والقدس تتعرض الآن لمخاطر جسيمة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد إقامة جدار الفصل العنصري الذي يغلف المدينة من جميع جوانبها، فأصبح من المستحيل على أبناء القدس وجوارها وأبناء الضفة الغربية دخول مدينة القدس. كذلك تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمصادرة أراضي المقدسيين وتهدم بيوتهم وتسحب الهويات من العائلات المقدسية وهذا مؤشر خطير جدًا، لأنه يعني أن إسرائيل تسعى لإحداث خلل ديموغرافي في المدينة المقدسة لصالح غلاة المستوطنين، الآن يفرغون المدينة من أهلها ويأتون بهذه الجماعات المتطرفة لإسكانهم في المدينة المقدسة. وتسعى إسرائيل بذلك إلى تهويد المدينة بالكامل وطمس معالمها الحضارية والتاريخية العربية والإسلامية المقدسة، ونحن في معركة الدفاع عن القدس والمقدسات لن نيأس ونقدم أرواحنا فداء للقدس والمسجد الأقصى ووطننا. تقويض أساسات المسجد إلى أين وصلت الحفريات أسفل المسجد الأقصى؟ تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بعمليات حفر كبيرة تهدد أساسات المسجد الأقصى بهدف هدمه، وبعد أن جوفت أساساته أصبح المسجد الآن معلقًا في الهواء، كما تقوم إسرائيل بحقن جدران المسجد الأقصى وأساساته بمواد كيماوية تقوم بإذابة الصخور بهدف تقويضه وهدمه لإقامة هيكلهم المزعوم، ونفذت إسرائيل شبكة من الأنفاق أسفل المسجد الأقصى وتستمر في حفرياتها بدعوى التنقيب على أثر لليهود وهيكلهم المزعوم على الرغم من أن علماء الآثار اليهود وعلى رأسهم المهندس “مائير بندون” خرجوا وأعلنوا أنهم لم يعثروا على أي أثر للتاريخ اليهودي أو للهيكل أسفل المسجد الأقصى، إلا أن إسرائيل تستمر الآن في عمليات الحفر لهدم وتقويض المسجد. كذلك قام اليهود بافتتاح “كنيس الخراب” الذي بني على أرض وقف إسلامي على بعد أمتار من المسجد الأقصى، وسمى بذلك بناء على قول حاخام يهودي في القرن الثامن عشر بأن أبناء هذا الكنيس سيقومون بتخريب المسجد الأقصى وهدمه. بيع الأرض حرام ما حقيقة بيع الفلسطينيين أراضيهم وبيوتهم بعدما عرضت علىهم إسرائيل المليارات للتخلي عنها لأنها محيطة بالمسجد الأقصى؟ لا يوجد أحد من الفلسطينيين يفرط في أرضه ووطنه، ولم يحدث بيع، لكن إسرائيل تصادر الأراضي وتطرد السكان وتستولي علىها بالقوة، فالمنازل المصادرة بالآلاف، ومنذ أيام صادروا 77 بيتًا وكل يوم تهدم إسرائيل مئات البيوت في الضفة الغربيةوالقدس بدعوى عدم الترخيص أو غيرها رغم أنها بنيت قبل إعلان إسرائيل، فهذه المبررات غير منطقية، واتفاقية جنيف الرابعة تمنع إسرائيل من هدم هذه البيوت. أرض القدسوفلسطين ليست ملكًا لأحد، ولا يستطيع أحد أن يتصرف فيها، هذه ملك الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين، وهذه الأوقاف (منطقة باب الخليل، ميدان عمر الخطاب كل الأوقاف في فلسطينوالقدس) هي ملك للشعب الفلسطيني، نحن ندافع عنها لأنها أرض القدسوفلسطين. بالإضافة إلى ذلك هناك ملكية أعم وأشمل وهي قدسية الأرض والمكان التي لا يجوز لأي إنسان أن يتصرف فيها أو يفرط بها ليمكِّن أعداء هذا الشعب منها. الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو احتلال استيطاني استئصالي إحلاليّ، يعمل على استئصال أصحاب البلاد الأصليين وطردهم من أراضيهم واستقدام اليهود من شتى بقاع الأرض لإحلالهم مكانهم. ماذا عن الصراع والانقسام بين الفصائل الفلسطينية؟ ما رأيك في الأنفاق وهل هي مسألة وجود لأهل غزة؟ الانقسام الفلسطيني أصاب القضية في مقتل وأضر بها، وتقوم بعض الدول بالعمل على وحدة الصف الفلسطيني لمواجهة المخططات الصهيونية. إذا تمت المصالحة لن تكون هناك حاجة للأنفاق، وسيتم تنظيم الحدود وتعود العلاقات إلى طبيعتها في الدخول والخروج. العودة مع التعويض هناك حديث متوافر يتردد من حين لآخر حول التوطين والتعويض وحق العودة.. كيف ترى الأمر من منظور الشرع الإسلامي؟ حق العودة يعني القضية الفلسطينية إلا أن قضية فلسطين هي قضية شعب شُرِّد وطُرد من وطنه بقوة السلاح، وحق العودة حق طبيعي ومقدس يجب أن نعمل على تسهيله وتطبيقه لأن القانون الدولي مع هذا الحق وكذلك القرارات الدولية، القرار 194 ينص صراحة على العودة والتعويض، والربط بينهما مهم جدًا لان التعويض بدون عودة هو تنازل. فالتعويض عن سنوات الشقاء والحرمان والآلام التي تعرض لها الشعب الفلسطيني خلال السنوات الطويلة منذ عام 1948م، ومن حق الشعب الفلسطيني أن يعود إلى أرضه وممتلكاته. أما أن نقبل بالتعويض دون حق العودة يعني هذا تنازل أيضًا وهذا محرم شرعًا ومن يفعل ذلك فهو آثم يجب أن ينبذ وان نعلن عنه أنه خارج عن إجماع الشعب الفلسطيني وعن الصف الوطني الفلسطيني. التباكي على الأطلال ماذا عن موقف العالم الإسلامي من القضية الفلسطينية؟ موقف العالم الإسلامي من القضية الفلسطينية مخز، وهذا يشجع إسرائيل على التمادي في تنفيذ مخططاتها والسيطرة على المقدسات الإسلامية، فالأمة العربية والإسلامية تملك من المال ما لا عدّ له ولا حصر، ولكن أقول إنها لا تملك إرادة العمل، ولذلك فالأمة تتمنى أن تفعل شيئًا للأقصى ولكن هناك كما قلت قوة خفية تمنع الأمة من القيام بواجبها، وأقول إنه إذا لم تتحرك الأمة على وجه السرعة لإنقاذ القدس والمسجد الأقصى فسيكتب التاريخ عنها صفحات سوداء من العار لأن المسجد الأقصى هو جزء من عقيدة الأمة والسكوت عما يجري فيه من انتهاكات وتدمير يمس شرف وعقيدة وكرامة الأمة. فإذا لم تسارع الأمة لإنقاذ القدس والمسجد الأقصى، فستعقد المؤتمرات قريبًا جدًا للتباكي والبكاء على أنقاض المسجد الأقصى وأطلاله، والخطر الذي يتعرض له المسجد الأقصى هو أكبر وأخطر من أي وقت مضى، وإسرائيل مستمرة بقوة في عمليات التهويد للقدس والمقدسات الإسلامية.