استقبل بريدي الإلكتروني العديد من رسائل خريجات تخصص رياض الأطفال، يطالبنني فيها بالحديث عن معاناتهن المستمرة مع التوظيف التي دامت أكثر من 7 سنوات، رغم التوسع الكبير الذي تشهده المملكة في مجال الطفولة المبكرة. رسائل حملت مشاعر مختلطة من الإحباط والاستياء، فهؤلاء الخريجات أمضين سنوات في دراسة هذا التخصص بشغف، فقط ليجدن أنفسهن في نهاية المطاف خارج حسابات التوظيف. معاناة هؤلاء الخريجات تكمن ببساطة أنه في الوقت الذي تصرّح فيه وزارة التعليم عن اهتمامها بهذه المرحلة، وتؤكد أهمية توظيف المتخصصات، نجد أن الواقع مختلف تمامًا، حيث إسناد تدريس رياض الأطفال لمعلمات من تخصصات أخرى، ما يثير تساؤلات حول سياسات التوظيف ومدى توافقها مع التصريحات الرسمية. بحسب ما نشرته وزارة التعليم مؤخرًا، شهدت مرحلة الطفولة المبكرة توسعًا ملحوظًا في العام الدراسي الجديد، حيث زاد عدد الأطفال المقبولين في الروضات ليصل إلى 300.329 طفلًا. كما أنه بلغ عدد الطلبة في مدارس الطفولة المبكرة 233.784 طفلًا. وكذلك تم رفع نسبة إسناد تدريس البنين في هذه المرحلة إلى 45 % لمعلمات، في إطار تحقيق رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تعزيز جودة التعليم وتوفير فرص تعلم متكافئة. ورغم هذه الأرقام التي تعكس ارتفاعًا كبيرًا في أعداد الطلبة، لم ينعكس ذلك على سوق العمل، حيث لا تزال فرص التوظيف لخريجات رياض الأطفال صفرًا، فبدلًا من فتح باب التوظيف لخريجات التخصص، يتم اللجوء إلى حلول مؤقتة لا تخدم جودة التعليم، من قبيل تكليف معلمات غير متخصصات بتدريس رياض الأطفال، رغم عدم إلمامهن بطرق التدريس المناسبة لهذه الفئة العمرية. وإبقاء خريجات رياض الأطفال عاطلات عن العمل لسنوات، رغم أن التوسع في الروضات يفترض أن يخلق فرصًا وظيفية جديدة. وكذلك تجاهل الحاجة الملحة إلى معلمات متخصصات، رغم أن افتتاح مستوى أول في الروضات لأول مرة منذ سنوات يشير إلى ارتفاع الاحتياج الفعلي للمعلمات. وهنا أقولها بكل صراحة إن إسناد تدريس الطفولة المبكرة لغير المتخصصات يؤثر سلبًا على جودة التعليم، فهذه المرحلة تحتاج إلى معلمات يمتلكن مهارات تربوية ونفسية متخصصة في التعامل مع الأطفال، وليس مجرد نقل معلومات. إن إهمال خريجات رياض الأطفال لا يُعد فقط إجحافًا في حقهن، بل هو أيضًا إخلال بجودة التعليم، خاصة أن الأطفال في هذه المرحلة يبنون أسس تعلمهم المستقبلية. وعليه وبناءً على هذا التناقض بين وعود الوزارة والواقع الفعلي، فإن خريجات رياض الأطفال يطالبن بما يلي: أولا: فتح باب التوظيف لخريجات التخصص، بما يتناسب مع التوسع الكبير في مرحلة الطفولة المبكرة. ثانيًا: وقف إسناد تدريس رياض الأطفال لغير المتخصصات، والالتزام بتوظيف معلمات يحملن شهادات في رياض الأطفال. ثالثًا: تحقيق العدالة الوظيفية، حيث لا يعقل أن تبقى خريجات التخصص عاطلات لسنوات، بينما تُمنح الفرص لتخصصات أخرى لا تمتلك نفس التأهيل. ختاما: إن تحقيق رؤية المملكة 2030 في مجال التعليم يتطلب خطوات جادة وحقيقية لضمان جودة مرحلة الطفولة المبكرة، وأولى هذه الخطوات هي تعيين خريجات التخصص بدلاً من الاستمرار في الحلول المؤقتة التي قد تؤثر سلبًا في جودة التعليم. إن الوعود وحدها لا تكفي، بل يجب أن تتحول إلى قرارات فعلية تُنصف خريجات رياض الأطفال، وتحقق الهدف الأسمى، وهو بناء جيل يتلقى تعليمًا جيدًا على أيدي معلمات مؤهلات.