يلاحظ أن بعض المسؤولين؛ قبل أن يتولوا وظائف عمومية في الجهاز الحكومي، كان خطابهم الأكاديمي، أو الشوروي، أوالإعلامي، يتمحور حول حتمية التطوير وتحسين الأداء والانفتاح على كافة شرائح المجتمع واستثمارها، وتعميق الشفافية الإدارية، والعدالة الاجتماعية، خاصة القادمين من خلفيات أكاديمية أو ثقافية. ولكن بعد أن يتبوأ البعض مقعده على رأس المؤسسة الإدارية، تتبدل الأولويات، ويختلف خطاب البعض في منطوقه ومضمونه، وتتغير الأجندات، إذ تتصدر مهام الوظيفة الجديدة، المحافظة على «الكرسي» لأطول فترة ممكنة، والاستمرار الدائم في كرسي الوظيفة العمومية، التي الأصل فيها التغيير والتجديد. والسؤال يبرز هنا، عن أسباب بروز التناقض في الأفكار والسلوكيات، قبل وبعد الكرسي، فهل في بعض هذه الكراسي مسمار شيطاني يبدل الأولويات، ويعطل المبادرات، أم أنه الخوف من الأخطاء والتردد في التطوير والرغبة الجامحة في الاستمرار، خاصة مع ضعف برامج تقييم وتقويم الأداء العام بطرق مستقلة. واللافت هنا أيضا، استفحال البيروقراطية الورقية، وانتشار المركزية الإدارية في بعض الأجهزة الخدمية، مما يجعل المسؤول يعوم في بحر من الأوراق والمعاملات، ويكبد المسؤولين البيروقراطيين خسائر فادحة في الوقت والجهد، بل وفي الإنجاز أحيانا، فينشغل الموظفون والمسؤول أيضا، في العمل الإداري على حساب العمل الإبداعي والتطويري، وتمتلئ حقائب المسؤولين بالمعاملات، وتبدأ الرحلات المكوكية لشنط المعاملات بين المؤسسات الحكومية ومنازل المسؤولين.
والسؤال يبرز مرة أخرى هنا، هل الوقت الرسمي المحدد لدوام المؤسسات الرسمية الاعتيادية، غير كاف لإنجاز المعاملات، أم أن هناك إشكالية في عمل الهياكل الإدارية، أم إشكالية لوائح وتنظيمات، أم تعدد المهام أم طبيعة بعض الأشخاص.. أم أنها مرة أخرى، المسامير الشيطانية في بعض الكراسي، وهذا يدعونا للتفكير في كيفية معالجتها، لتحقيق الأهداف المنشودة لأداء الوظيفة العمومية.