صدمني رحيل محمد علوان؛ لأنه صديق ورفيق درب، وكاتب عميق كتب بتجرُّد عن الإنسان والحياة والقيم والمبادئ حتى أسقطته على كرسي متحرك.
بدأت علاقتي بمحمد علوان في الثمانينات، عندما دلفت إلى مكتبه في إدارة المطبوعات بشماليتي المعهودة، وبيدي أوراق مسرحية (...)
من حي «عفيرا» بالشمال الغارق في حكايات الماضي ومضارب القطين وعرضة الدحة: هلا هلا بك يا هلا لايا حليفي يا ولد.. من هذا الحي المختنق بالأحواش والأعمدة والسيارات حَدَّ الفوضى، والمكتنز ببياض أهله الطيبين.. من هذا الحي تحديدًا لمحت وميضًا يلوح في الأفق (...)
أينما يحل ناصر القصبي تحل الدهشة، هذا العام استطاع أن يلحق بدراما رمضان الحولية بطريقة ماراثونية، وعلى طريقة جبر الخواطر، بعمل سريع ومرتبك لم يطبخ على نار هادئة كما هي عادة ناصر في أعماله، وكأن العمل لفق على طريقة الفزعة التي دأبت عليها الكثير من (...)
يعتبر الكسكسي في طليعة الأكلات الشعبية المغربية ذات الشهرة الواسعة، فكثيرا ما تُشد الرحال إلى مراكش نظرا لشهرتها بالكسكسي لما لها من سحر في ذاكرة السائح الخليجي، أما الملوخية بالأرانب فحدث ولا حرج، فهي سيدة المائدة المصرية بلا منازع، لما تتمتع به من (...)
كانت ميلانو مثل امرأة باذخة الجمال تترصد عشاقها لتختل بهم، تعج بالمكتبات، ودور السينما، والمقاهي، ومطاعم البيتزا والمكرونة وكل أنواع الأطعمة الشهية، المتناثرة في الأحياء وعلى الأرصفة، باعتبارها وجهة لملايين السياح من الصين وأوروبا وأميركا ومختلف دول (...)
بلغني أمس أن الزميل عبدالله صايل أصيب بفيروس كورونا اللعين، فحزنت وسعدت بنفس الوقت، حزنت لأن ريشة الفنان عبدالله ستتوقف بعض الوقت عن العطاء، وهذا يعد خسارة فادحة لنا كمتلقين، وسعدت لأنه سوف يهزمه هزيمة ساحقة بل وسيسحقه سحقا نظرا لحبه للحياة، وقوة (...)
تخيل أنك في معركة، وأصوات الانفجارات في كل مكان، والرصاص يلعلع في سماء المعركة، والعدو يحاصرك من جميع الجهات، يحاول قتلك أو أسرك، وقائد المعركة يحثك على الثبات والمقاومة حتى النصر، تستمر المعركة، ويستمر دوي الانفجارات، فتشعر في بداية الأمر بالخوف؛ (...)
فيما فرنسا تعيش أزمة السترات الصفراء، وبورس جونسون يعد العدة لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وترمب مشتبك مع شي جين يينغ، في أضخم معركة تجارية يشهدها القرن، بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأميركية، والرئيس أردوغان يدفع بآلاف (...)
في لحظات عاصفة مدوية، خارجة عن المألوف، يأتي صوت سعدون مبحوحًا ومختنقًا، وبخطوات بطيئة وثقيلة، ومتأرجحة بين الحياة والموت: وقف التنفيذ وقف التنفيذ. ولي الدم تنازل، يلتفت السياف إلى هذا الصوت الآتي من المجهول، فيرفع السيف عن القاتل، تحتدم الجموع، (...)
كان الزعيم الأسطوري هتلر يبني النازية بهياكلها العملاقة، البرية والبحرية والجوية، استعداداً لهزيمة العالم هزيمة ساحقة، ثأراً لهزيمة ألمانيا المذلة. كان هتلر يواصل الليل بالنهار؛ هو ومجموعة من رفاقه المؤمنين بجنون هتلر ونازيته المتوحشة، سخّر هتلر كل (...)
أكياس من الرمل يتمترس خلفها شبان مسلحون بالكلاشينكوف، يحاصرون جداراً سميكاً له أبواب متعددة، يقبع خلفها آلاف الأطفال، وآلاف النساء، وآلاف الشيوخ، يرصدون مرور أي كائن ليطلقوا النار عليه، لأنهم قتلة يأتمرون بأوامر المعلم، فيما بيروت تحترق من أقصاها (...)
تنهض حنان في السادسة صباحاً، تغسل وجهها، ترتب أشياءها، ترتدي مريولها الزهري، تمتشق حقيبتها تتحفنا بحكاياتها الوردية الجميلة، تضحك من أعماقها حتى تملأ المكان طاقة وحيوية، فيما أنا بانتظارها خلف مقود السيارة، تصعد إلى جانبي، تغلق الباب برفق، ثم نسير (...)
هنا الرياض حيث الثمانين عاماً ونيف من سنين الكفاح الخالدة، الموشومة على سواعد الرجال، ووجدان الأمهات، وحقائب الأطفال، أيها الوطن المترع بالحلم والحكايات البعيدة، من قصص البطولة والملاحم التي وحدت البلاد، تحت راية المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن (...)
هم الأمناء على المؤسسات التربوية، التي تخرج الأجيال، فهم كالأشجار الواقفة - إذا جاز التعبير - ألوانها متشابهة وعطاؤها مختلف، فمنها مثمر ومنها بلا ثمر، فهناك مدير عندما تدلف إلى مكتبه يمطرك بفناجين القهوة، وحكايات ألف ليلة وليلة، وعبارات الثناء (...)
كنت أسير بسيارتي على أنغام سافروا ما ودعوني للرائعة ابتسام لطفي، فيما كانت تقف على الطرف الآخر من الشارع، تقف بفخامة عالية، مثل لوحة رائعة لفنان مخضرم، أثارت داخلي سخطاً وعتباً على السنين المنفرطة من العمر، وأشعلت وجداً عميقاً أعادني إلى حيث الحدود (...)
في سوق عام بأحد بلاد الإفرنج، تدخل الكاميرا الخفية، يأتي صبي في العاشرة من عمره، يتقمص دور السارق، يحاول أن يدس يده خلسة في جيوب الناس ليختبر ردة فعلهم، فيكتشفه أحد الواقفين عند الكاشير، يكتشف يد هذا الصبي وهي تتسلل إلى جيبه، فيمسك بيد الصبي، نحن (...)
هذا بولاق الدكرور، وذاك مقهى الفيشاوي، وتلك إهرامات الجيزة، هذه الأماكن تموج في ذاكرتي كفيلم سينمائي، تلك مصر التي تركت شيئاً من حكاياتي هناك في مقاهيها ومكتباتها وسحر لياليها وعبق أزقّتها، عندما كنت مكتنزاً بالحلم والشباب، كانت القاهرة في ستينات (...)
إن جمال الحي أو قبحه يعود إلى بلدية الحي من رئيس ومهندسين وإداريين، فوعي هؤلاء العاملين ينعكس على الحي، ورصيف الحي، وإنارة الحي، وحديقة الحي، وبلكونة الحي التي أقصيت من اهتمام البلديات منذ فترة طويلة لاعتبارات اجتماعية مغلوطة، وكذلك الزقاق الذي خرّج (...)
عيد بأي حال عدت يا عيد.. هذا هو اليوم الأول من العيد، أتهيأ بشكل عبثي، وقد تراجعت فرحتي بالعيد، ربما لأن شمس العمر قد تمايلت نحو المغيب، بعد أن أثقلتها السنون المنفرطة، وربما بسبب الأحداث المحيطة بالمنطقة العربية، وما تحمله من مناظر بشعة، كنت (...)
كمشاهدين نحن أسرى لهذين البرنامجين، بالإضافة إلى برنامج هايبر الحبيب والزهراني، فهو يمثل وجبة خفيفة تساعدنا أحيانا على هضم هذين البرنامجين، وأحيانا تتسبب بالعسر، معالي العلياني هو معالي المواطن، الذي ينقلب في رمضان إلى مجموعة إنسان، تتفاوت درجات (...)
على الرغم من أنه شهر كريم، إلا أن سلوكيات الناس تنقلب رأساً على عقب، ففي الصباح تجد أن الأحياء يلفها السكون، أحياء هامدة لا حراك فيها، وفي الظهيرة يتعمق هذا السكون، وكأنها خالية من السكان تماماً، وبعد الظهيرة يخرج الناس على استحياء، ملثمة متعبة، (...)
عندما أدخل قاعة إحدى الشركات، وأرى المرأة مستوية خلف مكتبها، كموظفة أو كاشيرة أو مسؤولة علاقات، فإنني أشعر بزهو وفرح عارمين، نظراً للمكانة التي حصلت عليها المرأة، قياساً بالأيام الخوالي الغابرة، وكيف كانت تقف على أبواب الشركات والبنوك، تستعين (...)
مشهد.. شخصان يتطاردان وسط شارع مختنق بالناس، والسيارات، والحيوانات، المجرم راجو الهارب من وجه العدالة يطارد الضحية بابو، يستمران بالمطاردة، تعترض طريقهما بقرة، فيتوقفان عن المطاردة احتراماً لقدسية البقرة، وما تمثله من توازن بيئي في وجدان السواد (...)
صوت مجلجل ومزلزل، يتعقبك من الخلف، يحاصرك من جميع الاتجاهات، يحتويك بقوة، ثم يخبو شيئاً فشيئاً، ويصمت، إنه صوت سيارة الإسعاف، وهي تمخر بحراً هائلاً مختنقاً بآلاف السيارات، تحاول أن تسير بصعوبة بالغة، لكنها تتوقف مثل قارب تعطل محركه، وبقي مكشوفاً (...)
لا تخشى الموت، مهما حلك سواده وتعددت أسبابه، فعندما يغشاها ويتمكن منها، تموت لكنها واقفة شامخة، غير منكسرة أو منحنية، هكذا هي الأشجار يا سادة، خضراء باسقة، شكلها يسر الناظرين، وظلالها ملاذ للمشردين، ولحاؤها مرسم للعاشقين، وجذورها الضاربة ديمومة على (...)