إن جمال الحي أو قبحه يعود إلى بلدية الحي من رئيس ومهندسين وإداريين، فوعي هؤلاء العاملين ينعكس على الحي، ورصيف الحي، وإنارة الحي، وحديقة الحي، وبلكونة الحي التي أقصيت من اهتمام البلديات منذ فترة طويلة لاعتبارات اجتماعية مغلوطة، وكذلك الزقاق الذي خرّج عشرات الهائمين والحالمين والمبدعين، من روائيين وفنانين، ممن تمرغوا بين رائحة الزقاق وظل البلكونة، وإذا ما أردنا أن نتعمق أكثر في شؤون هذا المرفق الخدمي المهم، فعلينا أن نتتبع المهندس، الذي أنشأ وأشرف على خدمات هذا الحي، فإذا كان مهندسا مثقفا تجد أن لمساته داخل الحي جميلة وبسيطة وأنيقة وملهمة، التي تختلف اختلافا كليا عن لمسات المهندس المتعلم، الذي حفظ مصطلحات عامة في دراسته الهندسية وطبقها بمعاييره، التي تعتمد غالبا على الإشراف والتنفيذ ومن ثم التسليم دون الاهتمام بالنواحي الجمالية، التي تنعكس على سكان الحي، وقد تلهم كثيرين منهم أو تربكهم، فمثلا أعمدة الإنارة الطويلة الصفراء داخل أحياء سكنية هادئة أمر غير مقبول، ولا ينسجم مع هدوء الحي، فهي بالتأكيد من وحي مهندس متعلم، فلو أن المهندس لديه خلفية ثقافية لاقترح أن يكون طول العمود لا يتجاوز الثلاثة أمتار، وأن يكون لون النور المنبعث منه أبيض، وبالتالي وفر من طول هذا العمود عمودا آخر لحي آخر هو في حاجة ماسة إليه، ووفر أيضا في التكلفة العامة، أما الرصيف فأحيانا تجده مكلفا ومرتفعا بشكل غير طبيعي، ولا ينسجم مع شكل البيوت المحيطة، وهذا يعود إلى ثقافة ووعي المهندس الذي خطط وأشرف على تنفيذ المشروع، وكذلك اختيار الأشجار داخل الحي ومكان غرسها، فإذا كانت باسقة وموزعة بشكل جميل وأنيق؛ لأن للأحياء دورا مهما وعميقا في إثراء المجتمع بالمبدعين، فالأحياء الجميلة والأنيقة من شأنها أن تلد الروائيين والرسامين والنحاتين والخطاطين والمثقفين؛ لأن الأحياء هي المسؤولة عن تشكيل الناس، وغرس الذائقة الجمالية في دواخلهم وتميزهم عن غيرهم، وليس مهما أن تكون هذه الأحياء فخمة ومكلفة بقدر ما هي بسيطة وأنيقة وفيها روح جمالية جاذبة وملهمة للآخرين، أما المقهى فهو من الأساسيات البيولوجية للحي إذا جاز التعبير، فهو يمثل روح الحي ونكته الجامحة والجامعة لأبناء الحي حول طاولة واحدة، وسقف واحد، يتبادلون اللقاءات، والحكايات، والابتسامات؛ لأن المقهى وسيلة تواصل لأبناء الحي الواحد، من شأنه أن يقوي روح وتماسك الحي وحسه الوطني والثقافي.