كانت ميلانو مثل امرأة باذخة الجمال تترصد عشاقها لتختل بهم، تعج بالمكتبات، ودور السينما، والمقاهي، ومطاعم البيتزا والمكرونة وكل أنواع الأطعمة الشهية، المتناثرة في الأحياء وعلى الأرصفة، باعتبارها وجهة لملايين السياح من الصين وأوروبا وأميركا ومختلف دول العالم، وفجأة يتساقط الناس على الأرصفة وفي المقاهي، وعلى الطرقات في مشهد مريب، في البداية اندهش المارة مما يجري، اقتربوا منهم، وتحلقوا حولهم لمساعدتهم وإسعافهم، باعتباره أمرا طارئا وعابرا، لكن استمر تساقط الناس بالعشرات بل بالمئات دون أن يعلم الناس أنه وباء كورونا، في اليوم الأول توفي ما يقارب الخمس مئة ضحية، وفي اليوم الثاني تضاعف العدد، إنه فيروس كورونا المستجد، عندها استنفرت إيطاليا كل طاقاتها، وسخرت كل إمكانياتها لوقف انتشاره، فقد حصد آلاف الإيطاليين، وكان أغلبهم من كبار السن، وكبار السن هم الجيل الذي بنى نهضة إيطاليا الحديثة، من مثقفين، وسياسيين، وأطباء، ومهندسين وفنانين، حاولوا إيقافه لكنهم لم يستطيعوا، فقد تمدد هذا الوباء إلى فرنسا وإسبانيا وألمانيا، حتى وصل إلى أميركا، حصد الآلاف من الأرواح البريئة، حتى ضاقت بهم المدافن، إنه أمر موجع أن يموت الناس هكذا، وأن تنكسر البشرية بهذا الشكل، حتى أصبحت الجثث تملأ الأرصفة وممرات المستشفيات، إنه أمر محزن أن تفقد قريبا أو حبيبا وتذرف عليه دموع الفراق، لقد عصفت كورونا بمقدرات الشعوب ففقد الكثير مصدر عيشه، لكن رغم كل هذه المعاناة هناك بصيص أمل، سيغادر كورونا، وسيصبح جزءا من الماضي، وسنعود للحياة من جديد، نعود ونحن أكثر ألفة، وأكثر محبة، وأكثر تجربة، وأكثر معرفة لبعصنا البعض، لقد عرفتنا كورونا على أشياء لم نكن نعرفها من قبل، عرفتنا على رجال عظماء اشتبكوا مع الأزمة منذ اللحظات الأولى، واصلوا الليل بالنهار حتى أوقفوا زحفها، في سبيل أن نستكين آمنين في بيوتنا، وعرفتنا كورنا على أننا جزء من هذا العالم نحزن لحزنه ونفرح لفرحه مهما حاول المؤدلجون والعنصريون، ننتمي لكوكب واحد وأكسجين وحياة واحدة.