في رحلة الحياة، نقف على عتبات الأمل، نمدّ أيدينا إلى الغيب، ونهمس في صمت: لعلّ وعسى... إنهما كلمتان تحملان في طياتهما رجاءً خجولًا، وأمنيةً لا تكفُّ عن التأرجح؛ بين هُدأة الممكن وصخب المستحيل. كأنهما نافذتان مشرعتان على غدٍ قد يأتي محمّلًا بالبشائر، أو قد يمرّ كما مرّ الأمس، دون أن يترك أثرًا. «لعلّ وعسى» ليست مجرد حروفٍ تائهةٍ في لجّة الكلام، بل هما نداءٌ خافت يتسلل من شقوق القلب، كأنهما أغصانٌ يابسةٌ تتشبث بقطرة ندى، أو سفنٌ مكسورةٌ تبحث عن مرفأ، أو شموعٌ نصف مذابة تقاوم عتمة الليل الطويل. لعل وعسى أن ينبلج فجرٌ يمسح عن الجفون سواد الليالي، فينساب نورٌ خافتٌ في شرايين الروح المُنهكة، فيوقظها من سبات الألم. لعل وعسى: آهةُ العاشق حين يغيب القمر، وصرخةُ الأم حين تُضيع فلذة كبدها في زحام الزمن، ودعاءُ المنفيّ حين يعانق ظلّ وطنه في منامه، وترنيمةُ المؤمن حين تثقل كاهله الحياة، ونشيدُ الشاعر إذا أوصدت الكلماتُ أبوابها؛ فيرى في «لعل» بوابةً إلى الممكنات، وفي «عسى» يحيا أملٌ وثقةٌ خفية بأن الغيب قد يحمل في طياته خيرًا لم تدركه العقول؛ ففي حياة البشر، تتشابك الأقدار بين الرجاء واليأس، بين الصبر والتوق، لكن تبقى «لعلّ وعسى» كلمتين تُعزّيان قلوب الحالمين وتزيّنان شفاه الطامحين؛ فبعض الأماني تحتاج أن نُمسكها بقوة، وبعضها الآخر يحتاج فقط إلى أن نهمس بها للسماء، وننتظر... بكل اليقين.