في لحظات عاصفة مدوية، خارجة عن المألوف، يأتي صوت سعدون مبحوحًا ومختنقًا، وبخطوات بطيئة وثقيلة، ومتأرجحة بين الحياة والموت: وقف التنفيذ وقف التنفيذ. ولي الدم تنازل، يلتفت السياف إلى هذا الصوت الآتي من المجهول، فيرفع السيف عن القاتل، تحتدم الجموع، وتتحشرج النفوس، وتختنق آهات الناس وتخرصاتهم، بين مكذب ومصدق، بين الحقيقة والخيال، بهذه العقدة الدرامية المتوثبة، والعالية والموجعة، والمختزلة لكل أوجاعنا وآلامنا، يبدأ مسلسل سوق الدماء، أحداثه من بطولة تركي اليوسف، وإخراج ليث حجو، كأول عمل درامي جاد أصيل غير مستنسخ، كما دأب عليه بعض متعهدي الدراما، من استنساخ أعمال باردة باهتة، يقيسونها على مقاسات جيوبهم، ومن خلال مردودها المالي وليس مردودها الاجتماعي. من هنا جاء اهتمامنا كمتابعين، بعيدًا عن زحمة رمضان وذروته المزعومة، التي مرروا من خلالها الغث والسمين، تابعناه كأول مسلسل محلي، بعيدًا عن الشللية والفزعة كما هي العادة التي درجت عليها بعض صناعة مسلسلاتنا المحلية، التي عمقت ظواهر اجتماعية سلبية، فأنشأت الشرير، واللص الانتهازي، حتى الإرهابي، كما هو التأثير الطبيعي للدراما في ثقافة المجتمعات والشعوب. هذا المسلسل وللمرة الأولى يسلط الضوء على تفاقم ظاهرة المبالغة بالديات، من خلال سماسرة جشعين، حولوها من إعتاق رقبة، وهو أمل كل محكوم بالقصاص، إلى المتاجرة والتكسب، ولهذا فإن هذا العمل الدرامي رفع كرتا أحمر في وجه دهاقنة تجار الدم الذين عاثوا في الأرض فسادًا، تاجروا بأحزان وصيحات الأمهات، تاجروا بأحلام وعواطف الناس للتكسب، حتى تضخمت حساباتهم وكونوا ثروات من هذه الدماء، ونحن هنا مع العفو والتسامح وعتق الرقاب بالمال، لكن ليس في العتمة، بل في وضح النهار، ولهم الأجر والثواب. من هنا فإن هذا العمل يعطينا بادرة أمل في أن القائمين على الدراما سيلتفتون لنا بعد كل هذه السنوات من النسيان والإهمال، ويقدمون أعمالًا موازية في رقيها، تحترم عقليتنا وتشبع ذائقتنا، بعيدة عن الشخصنة والمحاباة، فشكرًا لجميع طاقم العمل، فكلهم أبطال، ارتقوا بالعمل، وأخص بالذكر ماجد مطرب، الذي أبلى بلاءً حسنًا، إضافة إلى زملائه من ممثلين وفنيين، حتى من هو خلف الكواليس، الجميع اجتهد وأبدع في هذا العمل، الذي يغير المألوف والرتيب، ويرسم خطًا دراميًا جادًا وحيًا، ينتصر للمجتمع وقضاياه الحيوية.