انطلقت صبيحة اليوم الجمعة أول انتخابات برلمانية في ظل الدستور الجديد بالمغرب، ويشارك فيها نحو 13 مليون ناخب لانتخاب 395 نائباً بينهم 60 من النساء و30 من الشباب أقل من 40 سنة. جاءت انتخابات الغرفة التشريعية الأولى "مجلس النواب"، وسط مخاوف من ضعف المشاركة والمعبر عنها من خلال الملصقات التي تعم جميع شوارع المدن المغربية لحث المواطنين الذهاب إلى صناديق الاقتراع من أجل اختيار منتخبيهم، وكذلك البلاغ الذي بثته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وبعض الصحف الوطنية، ويحمل توقيع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي دعا الدولة المغربية إلى توفير وسائل النقل للمواطنين، وهو الموقف الذي لم يرض الجهات الداعية للمقاطعة، التي رأت في دعوة المجلس انحيازا إلى الدولة والجهات الداعية للمشاركة. إلا أن الساعات الأولى من الاقتراع شهدت إقبالا ملحوظا كما شهدت "العربية.نت" في جولتها ببعض مراكز الاقتراع فقد سبقت الانتخابات حملات متبادلة بين الإسلاميين والحداثيين والليبراليين، كان لها تأثيرها الايجابي على الانطباعات المجتمعية التي خرجت لتدلي بأصواتها لصالح نواب من هذا التيار أو ذاك. حظوظ الإسلاميين ويبقى الحديث الأول للناخبين ولوسائل الإعلام ومنها فرنسية عن حظوظ التيار الإسلامي في تشكيل الحكومة القادمة ومدى تأثير ذلك على المجتمع والداخل والسياسة الخارجية. التخوفات كانت كتلك السائدة في دول الربيع العربي خصوصا مصر لكن عبدالإله بن كيران رئيس حزب العدالة والتنمية الممثل لهذا التيار بدا في حملاته حريصا على إبراز قدرته على تشكيل الحكومة القادمة ومعالجة المشاكل الاقتصادية وإن تناول الجانب الاجتماعي لكنه تناوله من زاوية الأخلاق وليس من زاوية الحجاب واللباس الإسلامي كما حال التيار المشابه في دول الربيع العربي. وركز على مكافحة ما سماه بالسياحة الجنسية ضاربا المثل بطنجة التي قال إنها تحتل المركز العاشر عالميا. تخوفات الطبقة السياسية من ضعف المشاركة، يختلف في دوافعه ومبرراته، فبعضها، يتخوف من تراجع موقعه في الخريطة السياسية بالنظر لوضعه السابق، فيما يراهن البعض الآخر والنظام السياسي المغربي كذلك على ارتفاع نسبة المشاركة لتعزيز مشروعيته السياسية والإصلاحات التي أقدم عليها والمتعلقة بإصلاح الدستور خاصة في ظل دعاوى المقاطعة من طرف جماعة العدل والإحسان وبعض الأحزاب اليسارية، وهي حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والنهج الديمقراطي والاشتراكي الموحد وحزبا البديل والأمة ذوا التوجه الإسلامي، وحركة 20 فبراير. 30 حزباً متنافساً يشارك في الانتخابات حوالي 30 حزبا، وتنقسم بحسب بعض الباحثين الى 3 فئات، فئة أولى لن يكون لها تأثير في تشكيل الحكومة بالنظر إلى عدد اللوائح الانتخابية التي قدمتها، فئة ثانية تتشكل من أحزاب متوسطة، تتوفر على مقاعد برلمانية متواضعة، لن تخول لها التأثير المباشر في تشكيل الحكومة، وفئة ثالثة تلعب دورا مباشرا في تشكيلها. وحسب نمط الاقتراع المطبق في المغرب، فإن تكوين أغلبية برلمانية لتشكيل الحكومة يتطلب على الأقل 4 أحزاب. احتمال فوز تحالف الثمانية في هذا السياق يطرح بعض المحللين السياسيين احتمال فوز التحالف المكون من ثمانية أحزاب، ينتمي بعضها إلى الائتلاف الحكومي، خاصة تلك التي تشكلت في كنف السلطة ك:"التجمع الوطني للأحرار"، وهو ليبرالي بزعامة وزير الاقتصاد والمالية الحالي، صلاح الدين مزوار)، وأخرى كانت خارج الحكومة مثل "حزب الأصالة والمعاصرة"، (ليبرالي) أسسه عالي الهمة، والاتحاد الدستوري، وهو حزب يميني ولد في كنف السلطة بدوره في نهاية السبعينيات، و"الحركة الشعبية"، تشكلت في أواسط الستينيات للدفاع عن المؤسسة الملكية، وتكمن قوتها في كونها تعتمد في لوائحها على الأعيان والنافذين قبليا واقتصاديا. ويضم هذا التحالف أيضا، أحزابا يسارية وإسلامية صغيرة وهي: "العمالي المغربي"، "الحزب الاشتراكي"، "اليسار الأخضر"، "حزب الفضيلة" (إسلامي). ولن يتسنى لها تشكيل فريق حكومي إلا في حالة حفاظها على انسجامها. الاحتمال الثاني، حسب المحللين السياسيين المغاربة دائما، يذهب نحو فوز أحزاب الكتلة الديمقراطية: وهي أحزاب وطنية لها عمق تاريخي كحزب الاستقلال، الذي تأسس سنة 1946 و يرأس الحكومة الحالية، وقد احتل الصدارة من حيث تغطيته للدوائر الانتخابية، يليه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تأسس سنة 1975، المنبثق عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي خرج من رحم حزب الاستقلال سنة 1959، تم حزب التقدم والاشتراكية أي الحزب الشيوعي سابقا، وتأسس إبان المرحلة الاستعمارية من طرف الشيوعيين الفرنسيين. هذه الأحزاب تتحمل إلى جانب بعض الأحزاب اليمينية مسؤولية الحكومة الحالية المطوقة بحصيلة سياسية يرى البعض أنها ضعيفة انطلاقا من مجموعة من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي ففي حالة صعودها ستكون مضطرة إلى استقطاب بعض الأحزاب اليسارية الصغيرة، المنضمة إلى تحالف الأحزاب الثمانية السالفة الذكر. فمن المعروف على الممارسة السياسية للأحزاب المغربية تغيير تحالفاتها بسهولة لكونها غالبا ما تكون غير منسجمة وهشة، وظرفية يتحكم فيها تكوين الفرق البرلمانية وتوزيع المهام، ثم المعطى الحكومي المتمثل في تكوين الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية. وفي السياق ذاته، هناك احتمال ضعيف للتحالف مع حزب العدالة والتنمية، نظرا للتباعد الكبير بينه وبين هذه الأحزاب، باستثناء حزب الاستقلال ذي المرجعية الإصلاحية السلفية التنويرية. كما يمكن لأحزاب الكتلة أن تستنجد ببعض مكوناتها من الائتلاف الحكومي الحالي وخاصة حزب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية. الإسلاميون الأكثر تنظيماً أما الاحتمال الثالث، فيتمثل في فوز حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، لكونه يستثمر الموروث الديني والتقليدي، ويركز على القيم والمعايير الأخلاقية، التي تجد قبولا لها لدى المواطنين في ظل بيئة اجتماعية تتميز بالمحافظة، كما أن هذا الحزب يعد الأكثر تنظيما مقارنة بباقي الأحزاب، وهو ما مكنه من تغطية أغلب الدائر الانتخابية، محتلا الصدارة إلى جانب حزب الاستقلال. ويساعد من حظوظه فوز حزب النهضة بتونس القريبة من المغرب، وجاذبية النموذج التركي الذي يتزايد دوره الإقليمي في منطقتنا العربية، غير أن هذين النموذجين لا يتماثلان في نظر البعض وبالمطلق مع حزب العدالة المغربي الذي يغلب في منظوره الدولة الدينية على حساب الدولة المدنية، ما يجعل فوزه مثار مخاوف من لدن أحزاب التحالف الثمانية، وخاصة حزب الأصالة والمعاصرة الذي خاض وإياه جدالات سياسية طيلة المرحلة التشريعية الحالية، وصلت حد القذف فيما بينهما. ومهما كان الفائز من هذه الأحزاب والتكتلات فإنها ستظل محدودة الفعل على مستوى مؤسستي البرلمان والحكومة أمام القوة الملكية التي تتمتع بصلاحيات واسعة، حتى وإن تشكلت الحكومة المقبلة من الإسلاميين، فإنها لن تغير شيئا من الحدود المرسومة بدقة من طرف الملكية، وهذه من أبرز المسوغات التي تستند إليها الأحزاب المقاطعة للانتخابات.