كشف تقرير "تحديات التنمية في الدول العربية" الذي أعدته الجامعة العربية بالاشتراك مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي معلومات تؤشر إلى واقع صعب بالغ الصعوبة في الوطن العربي، فنصف الشباب عاطلون عن العمل، وهي أعلى نسبة للبطالة في العالم، وتزيد على النسبة العالمية للبطالة ب 78 %، ونصف العرب (حوالي 140 مليونا) يعيشون تحت مستوى خط الفقر، وتحتاج الدول العربية وفقا لتقديرات منظمة العمل العربية إلى تأمين 51 مليون فرصة عمل في السنوات العشر المقبلة ليس لتخفيض معدلات البطالة وإنما لمنع زيادتها وبقائها ثابتة حتى العام 2020. وتواجه الدول والمجتمعات العربية أيضا تحديات تنموية أخرى بالإضافة إلى الفقر والبطالة، مثل ندرة المياه، وضعف الإنتاجية في القطاع الزراعي، والهجرة، والتصحر. ومنذ عشرين عاما ومعدلات الفقر في الوطن العربي لا تنقص إن لم تزد، ما يعني أنه ليس ثمة تنمية تذكر، وأن الموارد العامة متجهة لغير أهدافها الحقيقية المفترضة، تحسين حياة الناس ومواجهة الفقر والأمية والمرض. الوزراء العرب الذين ناقشوا التقرير ركزوا أساسا على الأبعاد السياسية والإعلامية المحيطة بالتقرير، وأغضبهم عدم الإشارة في التقرير إلى ما تبذله دولهم من أجل التنمية، كانوا مشغولين بالفضيحة أكثر من السؤال عما يجب عمله، أو يطرحون أفكارا وشعارات كبيرة وإن كانت صحيحة فإنها لن تحل المشكلة على الأقل في المدى القريب والعاجل. أصبح العرب استثناء من كل موجات الإصلاح والتنمية والتقدم التي هبت على العالم منذ أواخر الثمانينيات، الحريات والديمقراطية، والتنمية والازدهار، وهذا أمر محير ومرعب أيضا، فبرغم الموارد الهائلة والضرائب التي تجبى من المواطنين، فإن حياة الناس، سواء في التعليم أو الصحة أو الدخل أو الحريات والحقوق العامة متجهة إلى التراجع، وبالطبع فإن حكومات الدول العربية تتحمل أولا المسؤولية، فهي لم تدر الموارد على النحو الذي يعود على حياة الناس بالتطور والتحسن، ولم تشارك المجتمعات والمواطنين في إدارة حياتهم وخياراتهم، وفي موجة الخصخصة التي هبت على العالم تحولت الخدمات والمرافق إلى استثمارات لقلة من المتنفذين وشركائهم. يقول عبد اللطيف الحمد رئيس مجلس الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، إن وجهة التنمية العربية تتجه منذ منتصف السبعينيات إلى التراجع بعدما تحسنت كثيرا في مرحلة ما بعد الاستقلال، فقد ساد الإهمال وتدنى معدل الإنتاجية للعامل العربي ليصل إلى نحو 32% من إنتاجية العامل الأمريكي، واتسعت الفجوة التعليمية والعلمية بين العرب وغيرهم من أقاليم العالم. يحتاج العرب أولا إلى وعي واضح باحتياجاتهم وتوجيه مواردهم وفق هذا الوعي، وهو ما لم يحدث حتى الآن، فالموارد وإنفاقها في واد واحتياجات الناس وأولوياتهم في واد آخر، وحسابات المخططين مختلفة وبعيدة عن حسابات وتطلعات المواطنين، ولأجل توفير الموارد وترشيد إدارتها وإنفاقها فإننا بحاجة إلى شراكة حقيقية وفاعلة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمعات، وإن لم تشارك المجتمعات في التنمية، فإن الإنفاق العام يفشل والقطاع الخاص يتغول ويفشل أيضا.