مشكلة البطالة في العالم العربي باتت معروفة، وأرقامها واحصائياتها واضحة للعيان ونبوءات المستقبل تنشر في تقارير التنمية البشرية الدولية والعربية شهراً بعد آخر، ولكن يبقى السؤال : أين الحل؟. لذلك جاء انعقاد الدورة (38) لمؤتمر العمل الذي حضره وزراء العمل في البلاد العربية والذي عقدته منظمة العمل العربية بالقاهرة الاسبوع الماضي والذي شارك فيه (370) مشاركاً ويمثل أكبر تجمع عربي ودولي، وقد أكد د. أحمد نعمان المدير العام لمنظمة العمل العربية أن مشكلة البطالة خطيرة وتحتاج الى حلول جريئة. وتأكيداً لهذا التصريح للأمين العام أكدته تقارير المنظمة ان معدلات البطالة في العالم العربي هي الأعلى والاسوأ في العالم ويمضي التقرير ان البطالة في طريقها لتجاوز كل الخطوط الحمراء.. ففي عالمنا العربي اليوم (17) مليون مواطن بلا عمل أي بنسبة (14%) من قوة العمل و(25%) بين الشباب. وهكذا كما يقولون شهد شاهد من أهله، فهذه الحقائق المفزعة التي تضمنها تقرير منظمة العمل العربية يجب ان تدفع وزراء العمل العرب بل وبالأصح تدفعنا جميعاً الى تكرار الاجتهاد في مناقشة القضية باعتبارها مسؤولية المجتمع كله لانها من أكبر الهموم التي تواجه العالم العربي لما تشكله من أبعاد انسانية وعبء ثقيل على الاقتصادات العربية. أريد ان اقول بوضوح إن مواجهة البطالة والتقليل من مخاطرها بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية تجعلنا نؤكد أن البطالة والتشغيل لابد ان ينظر اليهما من منظور مشترك بدعم صندوق دعم المشروعات الصغيرة لانها طوق النجاة وانها الحل السليم ووافقت عليه القمة الاقتصادية الاولى التي عقدت بالكويت وذلك برصد رأسمال (3) مليارات دولار). وفي هذا الاطار يمكنني القول بأن فضل العمل والفعل على القول يعكسه المثل القائل (اعط رجلاً سمكة تطعمه يوماً، ولكن علمه صيد السمك تطعمه مدى الحياة). معنى ذلك ان مواجهة البطالة تتم من تبني سياسات المشروعات الصغيرة التي هي أمل التنمية، وبالتالي فهي قاتلة للبطالة، ان للمشروعات الصغيرة أهمية متعاظمة في الاقتصادات العربية خاصة في ظل الاجتياح المتزايد لتوليد فرص عمل قادرة على الاسهام في حل مشكلة البطالة في البلاد العربية وتجفيف منابعها المختلفة. ان الحديث عن البطالة في البلاد العربية فانني اسمح لنفسي ولقلمي القاء الضوء عن الخطة السعودية المتكاملة لتنمية المشروعات الصغيرة التي تبنتها وزارة العمل منذ زمن ويظهر من هذا التوجه أن الهدف الاساسي هو السعي الى دفع الاداء الاقتصادي لمختلف القطاعات الى الامام حتى يمكن مكافحة الفقر والتي بدورها او من نتائجها مكافحة البطالة التي اصابت سوق العمل للايدي السعودية. بالاضافة الى ما سبق أود ان اوكد انه لا يستطيع احد ان ينكر مدى النجاح الذي حققه برنامج (السعودة) ولكن برغم نجاحه فانني اقول بكل وضوح وصراحة فان مشكلة البطالة ظلت تؤرقنا لبطء الاقتصاد السعودي عن خلق فرص عمل كافية لاستيعاب معدلات العمالة المتزايدة سنوياً. لذلك ستظل مشكلة البطالة العربية من أكبر الهموم التي تواجه مسيرة الانفتاح الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي في بلادنا والبلاد العربية معا بالنظر الى ما تشكله من ابعاد انسانية بالاضافة الى انها عبء ثقيل على الاقتصادات العربية. انه ليس من قبل المبالغة القول ان علاج مشكلة البطالة لدينا ولدى البلاد العربية الاخرى هو المقياس الحقيقي لنجاح التحول الى اقتصاد السوق والتأكيد على أن هذه المشكلة ذات طابع هيجلي بنيوي تستوجب في حلها رؤية متكاملة لاحداث مواجهة شاملة لسياسات تصحيحية متناثرة. لقد اكد تقرير التنمية للبنك الدولي لعام (2000) ان معدل البطالة العالمية يشير الى اوجه قصور خطيرة تعكس في التحدى الحقيقي في سياسات التنمية البشرية.. ان تنمية الموارد البشرية هي التحدي الحقيقي لمواجهة تحديات عصر العولمة لأن الدول التي تتعثر في تنمية مواردها البشرية سينعكس بلاشك على التنمية الاقتصادية بصورة مباشرة، كما ينعكس على الجوانب الاجتماعية والسياسية وربما أيضاً الأمنية. أي ان الموارد البشرية والطاقة البشرية هما اساس التقدم الحقيقي لاي مجتمع. وبنظرة سريعة ولكن بقراءة متأنية للاحصاءات لمخرجات التعلم لدينا نجد ان اعداداً كبيرة من المؤهلات الجامعية ومؤهلات متوسطة ومؤهلات فوق المتوسطة في اطار مراحل التعليم المختلفة ترحل سوق العمل سنوياً وتتفاوت نسبة البطالة فتراها اكبر في المؤهلات المتوسطة ونسبة متوسطة في المؤهلات الجامعية.. اي لدينا بطالة متعلمة.. وهذا يعد اهداراً ونزيفاً حاداً لطاقات المجتمع الذي قامت الدولة بالانفاق عليهم في مراحل التعليم المختلفة. لذلك اقول والقضية ناقشها وزراء العمل العرب في اجتماعهم الاخير في القاهرة ان الموضوع يحتاج الى توظيف روح جديدة ترتكز على المحاور التالية: 1 تطوير التعليم في كل مراحله من حيث المستوى ومن حيث المحتوى في عالم المتغيرات والعولمة وعالم التكنولوجيا التي ليس لها حدود. 2 الاهتمام بموازنات العرض والطلب في ضوء احتياجات سوق العمل. 3 الاهتمام بقضية تدهور السلوك المهني والنظر اليه كاحد معوقات التنمية. 4 تشجيع المشروعات الصغيرة وتسهيل تراخيصها ودعمها مادياً. 5 الاهتمام بالتنمية المحلية من أجل الاحتفاظ بالعمالة في مناطقها بدلاً من الهجرة الى المدن الكبيرة. 6 الاهتمام الاعلامي للتركيز على التغير الاجتماعي للمفاهيم ومخاطبة العقول لا العواطف لتنظيم القدرات الانتاجية. وفي النهاية فإن استيعاب الحلول السابقة ستفتح الباب لمجابهة اعداد البطالة، ووضع استراتيجية بشكل جذري وذات شفافية اكثر أماناً وثقة في المستقبل، اضافة الى مناشدة قوى الاستثمار المختلفة ان تستغل الفرص المتاحة الآن لتقدم للمجتمع المزيد من الامكانيات لاستيعاب قواه الانتاجية الحاضرة والمستقبلية باعتبار ان قوة العمل هي الركيزة الاساسية لبناء مسيرة النهضة الوطنية التي هي مسؤولية الجميع دون اتكال فقط على الحكومة.