واضح أن إيران قد بدأت مشاريع الغزو العسكري للأمة العربية علنا، بعد الغزو الفكري والاستخباراتي الواسع النطاق على مدى العقود الثلاثة الماضية. وغزو إيران لمدينة القصير السورية ربما لن يكون الأخير، بعد أن أسقطت هذه المدينة الباسلة أقنعة المقاومة والشعارات الخداعة. وكانت إيران تمهد لهذا النوع من الغزو بكافة الوسائل بما في ذلك تأسيس قنوات وتجنيد عرب لبث الوهن في الأمة العربية وتمجيد إيران وتكبيرها وتصويرها على أنها قوة لا تقهر. ولكن مدينة القصير كشفت الأقنعة المزيفة التي كانت تجمل الوجه العدواني لإيران وجنودها وميليشياتها وعملائها في المنطقة، وبالذات الذين يدعون العروبة والإسلام. فالقصير لم تمط اللثام عن العدوانية الإيرانية الحاقدة فحسب، إنما كشفت أيضا هزالة حزب الله وإيران وقدراتهما المحدودة بالنظر إلى الصورة التي يروجها أتباع إيران في أذهان مريديهم وأتباعهم والتي تصور أن إيران قوة خارقة ومتمكنة وند للقوى العظمى. ولكن القصير العزلى تقريبا، هزمت حزب الله وكل إمكاناته وكل عبقريات إيران وذكاء نظام الأسد وطائراته وصواريخه. وعلى الرغم من أن الحزب ونظام الأسد وآلات إيران الإعلامية صوروا غزو القصير مجرد نزهة قصيرة، إلا أن القصير وبعد أيام من القصف الجوي والصاروخي والهجمات المكثفة، لا تزال صامدة ولا تزال مدينة سورية محررة ولم تستطع ميليشيات حزب الله وقوات الأسد إعادتها إلى الاحتلال الإيراني. بمعنى أن القصير قد هزمت إيران ثلاث مرات، مرة حينما لم يستطع وكلاء إيران الاحتفاظ بها وحررها الجيش الحر قبل سنة تقريبا. ومرة حينما لم يتمكن حزب الله من احتلالها ميدانيا على الرغم من أن الحزب يحيط نفسه بقدسيات ونصر إلهي، وأعادت كثيرا من مقاتلي الحزب جنائز إلى قراهم في لبنان، وثالثا حينما اسقطت القصير اسطورة الحزب، وثبت عجزه وتواضع إمكاناته، وأنه لم يستطع مواجهة فصائل الجيش الحر، المتواضعة الخبرة والتسليح، في مدينة اعتبرها حزب الله أساسا ومصيرية في صمود نظام الأسد وبقاء الحزب في المستقبل. وحتى لو تمكن الحزب من إعادة القصير إلى الاحتلال الإيراني لاحقا، فإن القصير قد سجلت انتصاراتها في جبين التاريخ وأثبتت أنها مدينة باسلة تتواضع أمامها تضليلات الشعارات وأساطيرها.