بدأ الرئيس الفرنسي المنتخب فرنسوا هولاند منذ أمس مشاورات مع قادة العالم ولا سيما الأوروبيين سعيا منه لدفع مشروعه القاضي بإعادة مفهوم النمو إلى صلب الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من سياسات التقشف. وتلقى هولاند الذي انتخب الأحد ب51,6 بالمائة من الأصوات مقابل 48,33 بالمائة للرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي، فور إعلان فوزه اتصالات تهنئة من قادة العالم. ومن المتوقع أن يتسلم مهام الرئاسة قبل 15 مايو، غير أنه سيباشر العمل سريعا على أحداث تغيير في موقف أوروبا التي اختارت انتهاج التقشف في أعقاب الأزمة المالية الخطيرة عام 2008. التقشف ليس حتميا وقال هولاند مخاطبا أنصاره في معقله تول بوسط فرنسا قبل أن ينضم إلى عشرات الآف الفرنسيين المتجمعين في ساحة الباستيل للاحتفال بعودة اليسار إلى السلطة «أن أوروبا تنظر إلينا. في الوقت الذي أعلنت فيه النتيجة، إنني واثق من أن شعورا بالارتياح، بالأمل، عم الكثير من الدول الأوروبية، فكرة أن التقشف لم يعد أخيرا حتميا». وقال «في كل العواصم، أبعد من رؤساء الحكومات والدول، هناك شعوب تأمل بفضلنا، تتطلع إلينا وتتوق إلى الإنتهاء من التقشف». وذكر هولاند أنه سيخص المستشارة الألمانية انغيلا ميركل بزيارته الأولى إلى الخارج. واتصل به الرئيس الأميركي باراك أوباما مهنئا ودعاه إلى لقاء ثنائي في البيت الأبيض قبل قمتي مجموعة الثماني والحلف الأطلسي المقررتين في غضون أسبوعين في الولاياتالمتحدة. وتفادى القادة المحافظون الأوروبيون التباحث مع هولاند خلال الحملة الانتخابية، وخصوصا انغيلا ميركل التي دعمت ساركوزي وهي التي لطالما رفضت دعوة هولاند إلى تبني سياسة تنمية اقتصادية على الصعيد الأوروبي. ميثاق الانضباط ويعطي الرئيس المنتخب الأولوية لإعادة التفاوض في ميثاق الانضباط المالي الرامي إلى احتواء أزمة اليورو لإضافة شق إنمائي إليه. وقال وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيلي منذ مساء الأحد «علينا الآن أن نقر ميثاق نمو من أجل المزيد من التنافسية» متقدما بذلك خطوة في اتجاه هولاند. من جهته قال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه باروزو «لدينا هدف مشترك واضح: تحريك الاقتصاد الأوروبي لتحقيق نمو دائم». وعلى هولاند أن يباشر العمل على تشكيل حكومته ولا سيما اختيار رئيس الوزراء فيما دعت أوساطه الفرنسيين منذ الأحد إلى «تأكيد وتصعيد» الانتصار الاشتراكي في الانتخابات التشريعية في 10 و17 يونيو، فيما حذر اليمين من تركيز السلطة بشكل مسرف بيد طرف واحد. الانتخابات التشريعية وكتبت صحيفة لو فيغارو المحافظة أمس أن «اليمين سيعلق كل آماله على الانتخابات التشريعية .. وسيسعى لتحويلها إلى دورة ثالثة من أجل تصحيح الانتخابات الرئاسية». من جهتها كتبت صحيفة ليبيراسيون اليسارية في افتتاحيتها أمس «في بلاد تعاني كأن يمكن أن تختار التحصن خلف حدود خيالية واسترجاع ماضيها، أن انتصار فرنسوا هولاند يثبت أن فرنسا فضلت الأمل. أنها توجهت بأنظارها إلى الأمام وليس إلى الخلف». وهولاند أول رئيس يساري منذ فرنسوا ميتران (1981-1995). وجعل هولاند من إعادة التفاوض بشأن المعاهدة الأوروبية إحدى أولوياته ويقضي برنامجه بإعادة التوازن إلى المالية الفرنسية عام 2017، زيادة الضرائب على الأكثر ثراء ومكافحة البطالة من خلال استحداث وظائف ولا سيما للشباب. تهان وهنأ الرئيس الأميركي باراك أوباما في اتصال هاتفي الأحد الرئيس الفرنسي المنتخب فرانسوا هولاند على فوزه بالانتخابات الرئاسية، ودعاه لزيارة البيت الأبيض لعقد اجتماع ثنائي قبل قمتي مجموعة الثماني وحلف شمال الأطلسي اللتين تستضيفهما الولاياتالمتحدة بعد أسبوعين، كما أعلن البيت الأبيض. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أن «الرئيس أوباما اتصل بالرئيس الفرنسي المنتخب فرانسوا هولاند لتهنئته بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الفرنسية «. وأضاف أن أوباما «أعرب عن أمله في العمل الوثيق مع هولاند وحكومته في مجمل الملفات الصعبة في مجال الاقتصاد والأمن». وأوضح من جهة أخرى أن «الرئيس أوباما أشار إلى أنه سيستقبل الرئيس المنتخب هولاند في كامب ديفيد لقمة مجموعة الثماني وفي شيكاغو لقمة الحلف الأطلسي هذا الشهر واقترح أن يلتقيا قبل ذلك في البيت الأبيض». وأشار المتحدث إلى أن الرئيس أوباما والرئيس المنتخب هولاند «ذكرا خلال الاتصال بالتحالف المهم والدائم بين الأميركيين والفرنسيين». واتصل رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر الأحد بالرئيس الفرنسي المنتخب فرانسوا هولاند وهنأه على فوزه واتفق وأياه على عقد لقاء ثنائي قريب، بحسب ما أعلن أحد المتحدثين باسمه في اوتاوا. وقال المتحدث كارل فاليه أن هاربر «شدد على القيم المشتركة وعلى العلاقات التاريخية العميقة والثقافية واللغوية التي تجمع كنداوفرنسا». وأضاف المتحدث أن الزعيمين «اتفقا على ضرورة تعميق العلاقات بين كنداوفرنسا وعقد لقاء ثنائي في مستقبل قريب». وأوضح أن رئيس الوزراء «أعرب أيضا عن رغبة كندا في التعاون بشكل وثيق مع فرنسا على مجمل المسائل الدولية وأشار إلى أن قمم مجموعة الثماني والحلف الأطلسي ومجموعة العشرين ستكون مناسبة للقيام بذلك». كاميرون وأجرى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مساء الأحد اتصالا هاتفيا بفرنسوا هولاند لتهنئته على فوزه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، كما أعلنت رئاسة الوزراء في لندن. وقال متحدث باسم كاميرون أن «رئيس الوزراء اتصل هاتفيا بالرئيس المنتخب هولاند مساء الأحد لتهنئته على فوزه. أنهما متشوقان للعمل سويا عن قرب وبناء علاقة وثيقة، وهي علاقة قائمة أصلا بين المملكة المتحدةوفرنسا». ويختلف الرجلان حول طريقة التعامل مع أزمة الديون. بدوره هنأ زعيم المعارضة العمالية البريطانية اد ميليباند الرئيس الفرنسي الجديد على انتخابه، مشيدا ب»عزمه على المساعدة في خلق أوروبا النمو والوظائف بطريقة مسؤولة ومستدامة». وأضاف ميليباند «نحن بحاجة لهذه الإدارة الجديد في وقت تسعى فيه أوروبا إلى الهروب من التقشف. أنا متشوق للعمل معه خلال الأشهر والسنوات المقبلة». وأعرب رئيس الحكومة الإيطالية ماريو مونتي عن رغبته في «التعاون الوثيق مع فرنسا خصوصا في الإطار الأوروبي» وذلك خلال اتصال هاتفي مساء الأحد مع الرئيس الفرنسي المنتخب فرنسوا هولاند لتهنئته على فوزه. وقال مونتي في بيان صادر عن مكتبه أن هذا التعاون يجب أن يكون «هدفه وحدة أكثر فعالية وأكثر توجيها نحو النمو». وأضاف البيان أن الرئيس الفرنسي المنتخب عبر عن نفس الاتجاه خلال الاتصال الهاتفي، معربا عن الأمل أيضا في «تعاون وثيق» بين الحكومتين. واعتبر مونتي أن نتائج الانتخابات في فرنسا واليونان «تفرض مراجعة السياسة الأوروبية». وأشار إلى أنه أجرى محادثات بهذا لخصوص مع رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فون رومبوي والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من أجل تقييم «الآفاق التي تفتح بالنسبة للسياسة الأوروبية خصوصا بالنسبة للنمو وهو هدف تعتبره الحكومة الإيطالية أولوية». الخليج يهنىء وقدم قادة دول خليجية، بعضها من الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لفرنسا، التهاني بانتخاب فرنسوا هولاند رئيسا. وفي أبو ظبي، بعث رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان برقية تهنئة معبرا عن «تمنياته بالتوفيق وللعلاقات بين البلدين المزيد من التقدم والازدهار في مختلف المجالات»، بحسب وكالة الأنباء الرسمية. من جهته، قدم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني التهنئة لهولاند، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية. لكن أمير قطر لم يشر مطلقا إلى ساركوزي الذي أقام علاقات ممتازة معه وخصوصا أبان الحملة على ليبيا حيث شاركت قطر إلى جانب فرنسا في العمليات العسكرية ضد نظام العقيدي معمر القذافي. كما كشفت قطر عن استثمارات في قطاعات اقتصادية مهمة في فرنسا. وفي البحرين، بعث الملك حمد بن عيسى آل خليفة ببرقية لهولاند يتمنى فيها «التوفيق والسداد في مهامه لتحقيق تطلعات الشعب الفرنسي»، بحسب وكالة الأنباء الرسمية. وأشاد ب»عمق ومتانة العلاقات بين البلدين». بكين وباريس ..علاقة غموض من جهتها,أعربت الصين عن «استعدادها للعمل» مع فرنسا، حسبما أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية أمس غداة انتخاب المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند رئيسا لفرنسا. وصرح هونغ لاي في لقاء صحافي أن «الصين مستعدة للعمل مع الجانب الفرنسي ولمعالجة القضايا الثنائية بأفق استراتيجي وعلى المدى البعيد». وتابع المتحدث أن «مواصلة النمو السليم والمنتظم للعلاقات بين الصين وفرنسا لا يخدم مصلحة البلدين والشعبين فحسب، بل أيضا السلام العالمي والاستقرار والتنمية». واعتبرت صحيفة صينية وخبراء قابلتهم وكالة فرانس برس أن العلاقات بين البلدين لن تشهد تغييرا جذريا لكن يمكن أن تمر بفترة من الغموض. وكتبت صحيفة «غلوبال تايمز» التي صدرت قبل إعلان نتائج الانتخابات في فرنسا أن «الانتخابات الفرنسية لن تحدث تغييرا على الأرجح». من جهته، اعتبر تشو فينغ المحاضر في العلاقات الدولية في جامعة بكين لوكالة فرانس برس أنه «من غير المتوقع أن يحدث تغيير كبير» في العلاقات بين البلدين مع هولاند. إلا أن شين تشيمين المحاضر في جامعة فودان في شانغهاي اعتبر أن الرئيس الفرنسي الجديد «بصفته قائدا من اليسار، يمكنه أن يثير مسائل أكثر حساسية إزاء القادة الصينيين مثل شؤون حقوق الإنسان وذلك من شأنه أن يشكل ضغوطا على العلاقات بين فرنسا والصين»، حسبما نقلت عنه صحيفة «غلوبال تايمز».