«مهمة المركز نشر الاعتدال وتعزيزه، ومواجهة التطرف ودحضه، لصنع عالم آمن». كانت هذه أولى تغريدات المركز العالمي لمكافحة التطرّف «اعتدال» الذي تم افتتاحه في ختام القمة العربية الإسلامية الأمريكية، في الرياض. ومركز «اعتدال» ثمرة للتعاون المشترك والجهود الكبيرة التي بذلتها الدول العربية والاسلامية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية في حربها على الارهاب والفكر المتطرف. ولأن العمل العسكري وحده لا يكفي في القضاء على التنظيمات الارهابية، فبناء على الاستنتاجات العامة لتقارير مؤشر الإرهاب الدولي GTI فإنه ما بين عامي 1968 و2006 فإن 7% فقط من المنظمات الإرهابية تم القضاء عليها من خلال العمليات العسكرية. وبالتالي جاء المركز لهدف أساس وهو هدم أركان الروايات الباطلة التي تستند عليها التنظيمات الارهابية وتفنيدها بل ونقضها بالكلية لتفقد بذلك اسسها الايدولوجية والدينية التي تستمد منها قوتها في تجنيد الشباب، وإظهار الصورة الحقيقية لهذه التنظيمات في أنها ميليشيات ومرتزقة متطرفة متعطشة للدماء، تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة او مصالح الدول الحاضنة والداعمة لها، وتستخدم الشعارات الدينية لتحقيقها. ولأن التنظيمات الارهابية وفي مقدمتها تنظيم داعش الارهابي جعلت منصات التواصل الاجتماعي أداة أساسية لتجنيد الشباب في صفوفهم وذلك لمعرفتهم أن الشباب يقضون معظم أوقاتهم على الإنترنت. ففي دراسة بعنوان «القوى الخفية لداعش في الإعلام الجديد» أجراها فريق بحثي من جامعة الملك سعود، عن «أن 80% من مخزون التنظيم (داعش) المعلوماتي يعتمد في الأساس على مواقع إلكترونية وهي متاحة للجميع، دون خرق لأي قوانين أو بروتوكولات الشبكة». أما الدراسة الثانية والتي أعدتها مؤسسة وطني الإمارات، بالتعاون مع هيئة تنظيم الاتصالات، وخدمة الأمين، ومركز دبي للأمن الإلكتروني، فتقول إن معظم عمليات التجنيد التي يقوم بها داعش، تتم عبر مواقع التواصل الإلكتروني، مبينة أن التنظيم يملك أكثر من 90 ألف صفحة على موقعي (فيسبوك وتويتر) باللغة العربية، و40 ألفاً بلغات أخرى. وبالتالي ركز المركز في مكافحة التطرف على ثلاثة أمور رئيسية «المستوى الفكري والاعلامي والرقمي». وعليه فمركز «اعتدال» تكمن أهميته في انه يضم عدداً من الخبراء الدوليين المتخصصين والبارزين في مجال مكافحة الخطاب الإعلامي المتطرف، ويتمتع في الوقت نفسه بمستوى عال في التقنية في مجال مكافحة الفكر المتطرف وأنشطته، عبر كافة وسائل الإعلام التقليدية والفضاء الالكترونية. فقد طور المركز برمجيات مبتكرة وعالمية المستوى قادرة على رصد وتحليل وتصنيف أي محتوى متطرف، وبدرجة غير مسبوقة من الدقة، حيث يمكنه رصد ومعالجة وتحليل الخطاب المتطرف بدقة عالية وبشكل سريع لا تتجاوز 6 ثواني فقط من لحظة توافر البيانات أو التعليقات على الإنترنت، كما جاء في شرح د. ناصري البقمي الأمين العام لمركز «اعتدال». وهذه برأيي نقله نوعية في مكافحة الانشطة في الفضاء الرقمي. واعتمادا على ما صرح به البقمي، «فإنه يجري العمل حالياً على تطوير نماذج تحليلية متقدمة لتحديد مواقع منصات الإعلام الرقمي، التي تحتضن بور وحواضن الفكر المتطرف والمصادر السرية الخاصة بأنشطة الاستقطاب والتجنيد». ولا يقتصر المركز على مكافحة الفكر المتطرف بل كما يؤكد البقمي بالعمل على الوقاية منه وذلك من خلال صناعة إعلام ومحتوى محترف ينشر التسامح والاعتدال وتقبل الآخر وذلك تحت إشراف «لجنة الفكر العليا» التي تضم نخبة من كبار المفكرين والعلماء المسلمين من العالم أجمع، وكذلك بالتعاون مع الحكومات والمنظمات. وأخيرا ستظل السعودية، قبلة المسلمين كافة وأصل الإسلام ومهد الرسالة المحمدية ومهبط الوحي، أساس الاعتدال والوسطية، وبهذا المركز الذي يغطي سبع قارات، سوف تكون المرجع الأول عالميا في مكافحة الفكر المتطرف وتعزير ثقافة الاعتدال.