لو كنت راكبا قطارا ولفت انتباهك تصرفات غريبة ومريبة من بعض العوائل في تلك العربة، تجدهم يطالعون بعضا بشيء من الحدة، لم يكن بينهم أحاديث ولا أي نوع من التواصل، بالعربي تشعر بالجفوة في تلك الاسرة وبينما القطار مستمر في الانطلاق وهم لم يستمتعوا بالرحلة مثل بقية الركاب للأسف، وقف القطار ليغادر احد افراد الاسرة لانه وصل الى المحطة التي سيبقى فيها للابد!، الغريب هنا كيف تحول ذلك الصمت الرهيب في تلك الاسرة الى بكاء ونحيب عند مغادرة ذلك الشخص، سؤال بسيط سوف يتبادر إلى ذهنك، ليش البكاء والنحيب والعويل؟ الم يكن معكم طوال الرحلة!! هذه المقدمة ليست من الخيال ولكن من واقع مرير، ولكن الاستعانة بالقطار حتى تتضح الصورة عن طريق التفاعل الوصفي او الاستعارة ما يعرف بالميتافور (Metaphor) فالقطار هو العمر الذي نستقله دون ان نعير اي انتباه لمن هم حولنا من الاحباب والاقارب والاصحاب فالكل مشغول او مشحون على قريبه او صديقه ولا نستمتع بالرحلة في قطار الزمن او معه وبعد رحيل احد الاقارب او الاصدقاء ممن دامت بيننا وبينهم سنوات القطيعة، نجد انفسنا في العزاء اكثر الناس حرقة عليه، فبعد سنين الجفاء نسمع انين الندم والالم على ما فات. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «أعمار أمتي بين الستين والسبعين»، ولو حولنا السنين الى كيلومترات حتى يسهل علينا رسم الصورة بل تخليها ونحن في رحلة قطار الزمن، كل من استمر في القطيعة وعمره قارب الخمسين نقول له اعف واصفح واعتذر لكل من اختلفت او تشاجرت معه حتى تستمتع بما تبقى لك من بقية الرحلة والأعمار بيد الله. طبيعي ان لا يكاد يخلو بيت من الخلافات الاسرية والمنغصات، وهذه سنة الحياة بل لولا وجود مثل هذه المنغصات لما شعرنا بقيمة الاستقرار، ما يحز في النفس أن تستمر الخلافات والمشاحنات لدرجة القطيعة بين افراد الأسرة الواحدة لسنوات. كم من اخ لا يكلم اخاه، بل ان هناك من هجر والديه وعقهم من اجل عيون الزوجة ولم يعلم انه يزرع شجرة العقوق في ابنائه والقصص في هذا الجانب كثيرة وكما يقال «كما تدين تدان». يقول لي احد الزملاء كان في عزاء، واكتشف ان هناك انقساما بين الاخوة والاخوات في اقامة العزاء وكل منهم اقام عزاء مستقلا! هل يعقل يا عالم أإلى هذه الدرجة تستمر القطيعة ولم يؤثر فيهم رحيل الاب؟ همسة في اذن كل من قطع رحمه، كل من أغضب والديه، كل من استمع للوشاة بينه وبين اقربائه، لا تنتظر لحظة وداع في وقت مفاجئ لا تعتقد ان دموع الحزن على ما مضى ستعيد لك حبيبا او قريبا، لا والله فالقطار قد مضى وعقارب الساعة لن تعود للوراء. نحن جميعا مسافرون على متن قطار الزمن وهذا القطار لا ولن يعود للوراء.. نحن في عربته ماضون للغد وكل منا لديه محطة قد رسمت له وسوف ينزل فيها عندما تحين ساعة وصوله.. في تلك الساعة الكل سوف يبكي وهو يشاهد احد افراد الاسرة او القرابة يترجل من تلك العربة الى محطته الاخيرة! حينها تبدأ الذكريات الاليمة وتنهمر الدموع، ولسان حال البعض يقول: لماذا لم نستمتع بالرحلة؟، ولماذا غابت عنا حقيقة القطار الذي نحن جميعا نمتطيه، يا ترى لو كنا على دراية ان هناك محطات لكل فرد منا وسوف يغادرنا وحيدا ونبقى بعده حتى نغادر جميعا فردا فردا، هل سنواصل القطيعة والشحناء؟ والله الذي رفع السماء بلا عمد لن نشعر بالراحة ولا بالطمأنينة ونحن ننصت لكل واش وحاقد ونمام، لن نشعر بقيمة الحياة الاسرية والاجتماعية ونحن نكابر ولا نفتح قلوبنا لمن هم اقرب الناس لنا. قبل الندم وقبل الرحيل، اعيدوا حساباتكم يا من يكابر، يا من عق والديه، يا من قطع صلته برحمه التسامح والعفو من شيم الكرام، واللهِ محروم من لم يجرب طعم العفو ولذته ومسكين قاطع الرحم الذي ترك للحقد والكراهية الطريق الى قلبه حتى تحرقه في الدنيا قبل ما اعد له من وعيد في الاخرة. * مستشار تدريب وتطوير