في فجر ذلك اليوم العصيب.. جاءني خبر رهيب.. أصبت حينها بنوبة بُكاء ونحيب.. وأوشك من حولي أن يستدعوا لي الطبيب.. ففي ذلك اليوم فاضت روح أغلى الناس إلى باريها غاب شمسها.. وانطفأ نورها لم تصدق أذناي ما سمعت.. صوت أبي المتقطع لازال يُرن في أذني وهو يخبرني بالفاجعة.. صرخت.. سقطت.. بكيت.. بكاء حرقة.. بكاء حسرة.. بكاء ندم.. على أنني لم أملأ عيني من النظر إليها قبل وفاتها.. بكاء ابنة فقدت أمها إلى الأبد.. بكاء حفيدة لن ترى جدتها إلى الأبد.. بكاء صديقة لن ترى صديقتها فقد وضعت في اللحد.. نعم.. فقد كانت لي الجدة الحنونة.. والأم الحبيبة.. والصديقة المؤنسة لي في كثير من الأيام والليالي.. قبل رحيلك بأيام.. وعندما أتيت للسلام عليك.. رأيت حالك.. نحل جسمك.. ورق عظمك.. وضعف صوتك.. حينها أطلت النظرات.. ثم أطلقت الدمعات.. أخذت أنظر إليك نظرات مودِّع.. وحين أردت الخروج قبّلت رأسك وأطلت القبلة لإحساسي بدنو أجلك.. وأنني لن أعود لتقبيلك مرة أخرى.. ثم سارعت الخطى بالخروج.. وعبراتي تسبق خطواتي.. وقلبي يصرخ بأعماقي.. .. ستظلين أغلى من عرفت في حياتي.. ذهبت ولم أودعك.. غادرت ولم أقبل جبينك وأملأ عيني منك رحلت ولم تلامس يداي يديك.. غبت وغابت معك البسمات والضحكات.. وبقيت الذكريات تحمل ذكراك.. كل ركن من أركان منزلك يذكرني بك.. جلستك في الخيمة.. ما تحملينه من حلوى معك أثناء جلسة القهوة.. بل حتى جهاز الهاتف يذكرني بأحاديثك الحلوة.. فكثيراً ما نفسِّت عني هماً كان يحمله قلبي كثيراً ما أدخلت السرور على نفسي كثيراً ما شكوت لي حالك وشكوت لك حالي حتى أطلق علي (شبيهة أمك طرفة) في تصرفاتي وأفعالي أغبطك يا عمي الغالي (عمر) فقد تمنيت أني مكانك حال احتضارها.. في الخامس من ذي القعدة لعام 1431ه فقد ماتت بين يديك.. ويداها تضم يديك.. وآخر من نظرت إليه هو أنت دون سواك.. فهنيئاً لك ذلك الشرف العظيم فلله درك. حشود ووفود أتت لتعزينا فيك.. وأدمع انسكبت لفراقك.. أنفس كسرت لفقدك.. وقلوب لم تحتمل مجريات دفنك.. وألسن باتت تلهج بالدعاء لك كيف لا وأنت حبيبة الجميع.. فقد أحبك الصغير قبل الكبير أحبك الغريب قبل القريب أحبك الجار والصاحب والصديق انتهت أيام العزاء.. ولكني لازلت في عزاء فطيفك لم يفارق خيالي.. صورتك لم تمح من ذاكرتي ضحكاتك وكلماتك لازالت تدندن في أذني رؤيتي لوالدي وأعمامي تذكرني بك فهم من يحملون رائحتك بعد رحيلك قالوا إنك متِ.. ولكنك في قلبي حيّة لازلت ولو استرسلت في الحديث عنك.. لتوقف البنان متعباً ولزال الحبر وانتهى.. ولما كفى السطر واكتفى فيارب ارحمها رحمة واسعة.. وأبدلها القصور العالية.. في جنة قطوفها دانية.. وأنهارها جارية.. وهذه بعض ما جاش في الوجدان كتبتها بعدما سمعت عمّا أصابها من مرض عضال قالوا أصيبت جدتي قلت اصطبر هذا كلام من سياق ذوي البشر قالوا أمور أجريت في مختبر ومفادها ونتاجها ذاك الخبر ورم كبير كائن تحت الصدر في شكله في حجمه مثل الحجر لا ماء يسري لا دواء مع النحر والجسم والحال يدمي من نظر شهر وشهران وخمسة أشهر ما بين آلام وأوجاع تمر صبرت ولم تجزع ودوماً في شكر ولسانها وجنانها رطب بذكر رحلت فسال الدمع والقلب انكسر والعقل حار هل يصدق ذا الخبر والكل من هول المُصاب قد اعتبر فالموت أكبر واعظ لذوي البشر أبتاه لا تحزن وعمَاه اصطبر وامسح دموع الحزن الغزير المنهمر رباه فابدلها قصوراً وحبور في جنة الفردوس خير المستقر حمداً إلهي على قضائك والقدر وختامها صلوا على خير البشر