تشكل موجة التغيير على الخريطة السياسية فى أركان النظام العربى تداعيات مهمة بالنسبة للملف الفلسطينى، وعلى الرغم من الآمال المسبقة فى تغيير الدور الرئيسى الذى تلعبه الولاياتالمتحدةالأمريكية فى الملف، وكان الملايين الذين يشاهدون الرئيس الامريكى باراك أوباما يتحدث عن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الاوسط ينتظرون منه وعودا تأخرت فى التنفيذ منذ خطابة فى القاهرة قبل نحو ثلاث سنوات، لم تدخل حيز التنفيذ، بل ظلت السياسة الأمريكية أكثر تراجعاً تجاه الآمال الفلسطينية والعربية تجاه مشروع الدولة الفلسطينية الذى وعد به أوباما فى ذلك الخطاب التاريخى. لتأتي زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو لتصب مزيدا من الزيت على النار وتدشن رزمة من « اللاءات « التى اعادت القضية إلى الوراء وقوضت العثور على بصيص أمل فى إمكانية التوجه إلى مشروع سلام حقيقى يناسب حالة التغيير فى العالم العربى. ويقول الخبراء: إن الخلاف بين الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الاسرائيلى كان واضحاً خلال الزيارة الأخيرة، ويؤكدون ان نتنياهو نفسه اعتبر ذلك خلافاً فى الرؤى وليس خلافا حول التوجهات السياسية بين الادارتين، بل فسر محمد عبد الباقى الباحث فى مركز « معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط « فى حديث مع (اليوم) ذلك الموقف، بأن الرئيس أوباما عليه ألا يكون فى مواجهة مع نتنياهو فى الوقت الراهن، خاصة مع دخوله فى موسم الدعاية الانتخابية للتجديد لفترة ولاية تالية، وهو ما كان واضحا فى التوجه الذى اعتمده نتنياهو فى خطابه أمام ايباك، وأمام الكونجرس الامريكى، على الرغم من انه كانت هناك توجهات جديدة تحاول مواكبة التغيير الجارى فى المنطقة بمحاولة تغيير السياسيات، من منطلق أن الشعوب العربية سيكون لها دور فى أى مستقبل سياسى متعلق بالقضية الفلسطينية وان أى سياسى فى الجانبين لن يكون بإمكانه أن يوقع على ورقة مع اسرائيل مثلما حدث فى عهد الرئيس السادات، أو الملك حسين، أو حتى ياسر عرفات. ويضيف عبد الباقى، بعد يوم واحد من اجتماع وزراء الخارجية العرب فى الجامعة العربية فى مطلع مارس الماضى، كان هناك اجتماع للجنة الشؤون الخارجية فى مجلس الشيوخ الامريكى، للوقوف على الاجابة عن تساؤل مهم لعملية السلام وهو، كيف يمكن احياء عملية السلام فى الشرق الاوسط وفق تلك المتغيرات، مشيرا إلى أن جلسة الاستماع هذه حاولت صياغة موقف تجاه القضية الفلسطينية سواء من منطلق المستجدات على الساحة العربية أو حتى المستجدات الفلسطينية نفسها التى ترى أن الشارع فى المناطق المختلفة قد يبدأ فى الانتفاضة التى قد لا تتوقف لأن هناك موجة ثورية فى الدول العربية. وحول الطرح الاسرائيلى وفقا لتحليل مضمون خطابات نتنياهو خلال زيارته الأخيرة الى واشنطن، يقول سعيد عكاشة مدير تحرير دورية مختارات اسرائيلية فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن هناك توجهاً يمينياً اسرائيليا يقضى بعدم العودة الى الخلف على الرغم من المتغيرات التى تجرى فى العالم العربى، وأن تلك الخطابات حاولت تدارك المخاوف الاسرائيلية من موجة التغيير فى العالم العربى وأن نتنياهو حاول أن يقدم روشتة دواء لتهدئة تلك المخاوف. لكن رؤية اكثر سوداوية يقدم الخبير فى الشئون الاسرائيلية الدكتور طارق فهمى، الخبير فى المركز القومى لدراسات الشرق الاوسط، بان اسرائيل بدأت تتحدث عن مشروع الشرق الاوسط الاسرائيلى، بما يعنى ان اسرائيل عليها أن تقود السياسة فى المنطقة فى المرحلة المقبلة، وأنها هى التى عليها ان تقود عملية السلام وفقا لرؤيتها، وهو ما يعنى أن اسرائيل تعاني من فشل سياسى سيقود فى النهاية الى تغيير فى المعادلة الاسرائيلية السياسية فى المرحلة المقبلة. يتواكب مع الفشل الاستخبارى المتتالى سواء على مستوى عدم استكشاف الثورات العربية من جهة، أو الفشل اللاحق فى عدم استثناء القاهرة من مواصلة سياسة عملية التصالح الفلسطينية الفلسطينية التى أنجزتها القاهرة، والتى رفضتها كل من تل أبيب وواشنطن، أو حتى اثناء القاهرة عن فتح معبر رفح بشكل دائم. تسوية الصراع والاستعداد لدفع ثمنها وضمانها من جانبه يؤكد السفير على جاروش مدير إدارة الشئون العربية بجامعة الدول العربية - باعتباره مواطنا عربيا وليس معبرا عن الموقف الرسمي للجامعة العربية – أن هذه اللاءات ليست بالمواقف الجديدة وهي تضاف إلى مواقفه المتشددة والمتكررة باعتباره أحد الصقور الإسرائيليين المتعنتين والرافضين منح حقوق الفلسطينيين. والتساؤل الذي يطرح نفسه أين الموقف الأمريكي ورد فعله باعتباره الراعي لعملية السلام بالمنطقة؟!، والذي ينبغي أن يكون نزيها وأمينا وحريصا على تحقيق عملية السلام، الذي طال أمده في المنطقة واستنزف خيراتها وانهك شعوبها. وأضر كثيرا الأمن والسلم الدوليين. يرى الدكتور علي عطية مسعود الخبير الاقتصادي ورئيس مركز نورث ثاوث للاستشارات أن لاءات نتنياهو بمثابة إعلان غير مباشر للحرب، قد بدد ما تبقى من آمال السلام، لم يترك أمام المفاوض الفلسطيني خيارات سوى التوجه نحو الأممالمتحدة، وهي خطوة معنوية سياسيا، كما تكون فرصة غير مباشرة أمام الجانب الفلسطيني والعربي لكشف حقيقة الموقف الأمريكي. قال السفير عبداللطيف العوضي الوزير الكويتي المفوض بقطاع الإعلام بالجامعة العربية: إن لاءات رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو تنسف كل مبادرات السلام في المنطقة، مطالبا بضرورة أن يكون هناك رد قوي وحازم على افتراءات وأكاذيب واباطيل نتنياهو الذي يتعلل بالحجج والحيل الواهية لتعطيل قيام السلام واستقرار المنطقة. من جانبه يقول الدكتور سمير غطاس رئيس مركز مقدسي للدراسات السياسية والإستراتيجية: إن اللاءات تجعل المفاوضات مع إسرائيل أمراً عبثيا. ومن جانبه قال الدكتور صفوت عبد السلام أستاذ القانون الدولي والأمن العام لرابطة الجامعة الإسلامية: إن نتانياهو لن ينجح في إعادة عقارب الساعة الى الوراء مؤكداً أنه سيفشل في فرض الحل اليميني المتطرف في دولته على الأمة العربية وذلك لأن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أصبحت من أولويات الأجندة الدولية مؤكداً أنه لا جدوى للمفاوضات مع إسرائيل في ظل هذه اللاءات والاملاءات التي يطلقها نتانياهو. وأشار الدكتور عبد السلام الى ضرورة ان يتم تحقيق حل الدولتين في إطار الحل الإقليمي الشامل وليس على طريقة الابتزاز والمقايضات العنصرية التي يريدها نتانياهو. أما الدكتور عماد جاد الباحث والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية فيقول في تعليقه: إن العرب والفلسطينيين في كافة المراحل سواء في السلم أو الحرب مع الإسرائيليين لم يحاولوا فرض أية إملاءات مثل ما يفعل الطرف الآخر فقد سمعناه مؤخرا وسمع العالم كله ل «اللاءات» التي أطلقها نتانياهو وهو يدعو الى بدء المفاوضات وتحقيق التسوية مع الفلسطينيين. وأضاف: إنه يجب على العرب استثمار اهتمام القوى الدولية أو القوة العظمى بتسوية الصراع والاستعداد لدفع ثمن التسوية وضمانها. وأشار الى أن فكرة التدخل الدولي في عملية السلام الفلسطينية والإسرائيلية أمر مهم للغاية نظراً للطبيعة الخاصة للصراع العربي الإسرائيلي عامة والفلسطينيين خاصة. العمل على تعزيز المصالحة الفلسطينية وعدم تفككها و في سياق متصل يقدم الدكتور محمد حمزة رئيس منتدى الشرق الأوسط رؤية مفادها أنه من المطلوب أن يكون هناك توجه مختلف من الجانبين ، العربي و الاسرائيلي ، فعلى العرب أن يكون لهم دور أكثر جرأة في القضية لوقف نزيف التنازلات التي تجري في الملف ، ويقول ، علينا أن نفهم أننا قدمنا تنازلات عبر أكثر من 18عاما ، و أن الواقع على الأرض يجب أن يوضع في الحسبان ، ويوضح حمزة أنه مطلوب أن يكون هناك تأييد للوبي السلام الذي يتحرك الآن في داخل إسرائيل والذي يؤيد التعامل مع مبادرة السلام العربية ،خاصة وأن هذا اللوبي يضم العديد من رؤساء أجهزة الأمن و المعلومات وكبار السياسيين و كبار الأكاديميين في إسرائيل. ضرورة بذل مزيد من الجهود لإحياء مبادرة السلام العربية، وإعادة صياغة وبلورة الموقف العربي) لكن إبراهيم الدرواي مدير مركز الدراسات الفلسطينية في القاهرة ، يرى أن الظروف الموضوعية في العالم العربي تقول أن العرب أكثر قوة مما كانت عليه الأوضاع من قبل ، وأن تعزيز المصالحة الفلسطينية من جانب آخر يقوي الطرف الفلسطيني ، وأن الحجج والادعاءات الاسرائيلية ليس معناها إلا أن إسرائيل ستواجه موجة غضب من الشعوب العربية التي خرجت تزأر في الشارع العربي ، للتغيير ، و أنه أصبح من السهل عليها أن تزأر في وجه إسرائيل . و فيما يرى السفير حسن عيسى سفير مصر الأسبق لدى إسرائيل ، إنه على القاهرة أن تتحرك بشكل موضوعي و ليس بشكل تغلب عليه المشاعر والعواطف ، وأن الشارع العربى يمكن أن يكون قويا و لكن في سياق مفاوضات و ليس في سياق غوغائية غير محسوبة . في الوقت ذاته يعكس محمد عبد الباقي رؤية أمريكية تدور في مراكز صناعة القرار الأمريكي وهناك نقاش موسع حولها يؤيد التعامل مع مبادرة السلام العربية ، وضرورة الإبقاء عليها كفرصة لحل مستقبلي يمكن أن يطرح على طاولة أي مفاوضات مستقبلية ، لكنها عليها أن تعتمد على موقف أمريكي واضح عمليات الاستيطان ، والقدس الشرقية ، وحق العودة والحدود . ويحدد الأجندة التي يجرى التعامل معها الآن في عدة مسارات ، الأول فيما يتعلق بالحدود ، هناك تيار يرى أنه من المفضل أن يتم ترسيم حدود الواقع على الأرض ، ووفقا لعملية تبادل أراض بنسبة يمكن القبول بها فلسطينياً وليس بالمبالغة الاسرائيلية التي تصل من 1: 7 في بعض المناطق ، حيث أنها نسبة غير عادلة ، و لا تعني أنها تسوية وإنما إذعان ، كما أنه مطلوب وفقا للرؤية التي خرج بها اجتماع الكونجرس في مارس الماضى ، تفيد بضرورة أن يكون هناك جدول زمني للتعامل مع أي مفاوضات يمكن أن تنشأ بين الطرفين ، للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي ، وتتضمن مراحل الجدول الزمني الانسحاب الاسرائيلي من المستوطنات التي ستكون ضمن الدولة الفلسطينية ، وكذلك يمكن رسم خطوط ديمغرافية خاصة بالقدس خارج أسوار المدينة للتعامل معها كعاصمتين لدولتين. أما بالنسبة للاجئين الفلسطينيين فمن الضروري البحث عن حل خلاق لعودة البعض وفقا لأطروحات سابقة مثل خطة كلينتون ، أو كامب ديفيد الثانية ، وعلى إسرائيل ان تتخذ قرارا بشأن عدد من اللاجئين ، وكذلك سيتعين على الجانبين دراسة إنشاء لجنة خاصة هدفها مناقشة المظالم التاريخية بين الشعبين.