أخذ الجدل المتواصل منذ عقود حول تواجد الأجانب ونفوذهم في سويسرا انعطافة جديدة منذ بضع سنوات تتعلق بتأثير هؤلاء على نظام التأمينات الاجتماعية. وتقول بعض النظريات إن الأجانب يقوّضون النظام الاجتماعي السويسري، فيما تؤكد أخرى أنهم الدعامة الحقيقية لهذا النظام تكافح الأحزاب والتشكيلات اليمينية السويسرية منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي ضد ما تصفه بتصاعد نفوذ الأجانب في سويسرا، على ضوء ارتفاع عددهم إلى مستويات لا يعرفها إلا القليل من البلدان الأوروبية الغربية الأخرى.وتصاعد هذا الكفاح مع وصول أعداد متزايدة من طالبي اللجوء عاما بعد عام، حيث تؤكد التيارات اليمينية أن الأغلبية الساحقة من طالبي اللجوء، تحاول اللجوء لأسباب اقتصادية وتشكل في ذلك عبئا غير مرغوب فيه على نظام التأمينات الاجتماعية وعلى دافعي الضرائب في سويسرا. ولأسباب تكتيكية انتخابية دخل بعض الأحزاب والتشكيلات السياسية التي لم تُعرف تقليديا بكراهيتها للأجانب في لعبة اليمين منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي دون أن يتمكن من وضع حد لتنامي المدّ اليمينيّ، كتقدم حزب الشعب السويسري الذي خرج من الانتخابات البرلمانية الأخيرة كالقوة السياسية الرئيسية في هذا البلد. ويطالب هذا الحزب الذي يشغل منذ مطلع عام 2004 مقعدين من المقاعد الوزارية الفيدرالية السبعة، باتخاذ إجراءات صارمة للحد من نسبة الأجانب بصفة لا تزيد معها على 19% من مجموع السكان، وبمعالجة ملفات طالبي اللجوء معالجة فورية وجذرية بطريقة تقلل من جاذبية سويسرا كبلد للجوء، وتقلل من تكاليف طالبي اللجوء التي تقدّر حاليا بمليار فرنك سنويا.ويعارض هذا الحزب منح الجنسية السويسرية تلقائيا لأبناء الجيل الثالث من الأجانب المقيمين في سويسرا، وتسهيل منح الجنسية للآخرين. وفي المقابل، تشير الأحزاب الرئيسية الثلاثة الأخرى في الحكومة الفيدرالية خاصة الحزب الديمقراطي الاشتراكي، لظاهرة تصاعد الشيخوخة في المجتمع السويسري وظاهرة تراجع الولادات في الوقت نفسه، والحقيقة أن الظاهرتين تتركان مضاعفات سلبية حتمية على نظام التأمينات الاجتماعية في الكنفدرالية. وتقول هذه الأحزاب التي تدعو للتعامل تعاملا عقلانيا مع الأجانب، إن معظم هؤلاء ساهم مساهمة فعّالة منذ الحرب الثانية في تشييد هذا البلد وضمان الرخاء والازدهار في ربوعه، إلى جانب المساهمة في تمويل نظامه الاجتماعي، خاصة نظام التأمينات الفدرالية الإجبارية للعَجزة والعُجّز. ويبدو أن الإحصائيات الرسمية الأخيرة للتأمينات الفيدرالية الإجبارية تؤكد التأثيرات الإيجابية للقوى العاملة الأجنبية، من حيث أن هذه القوى قد ساهمت عام 2000 على سبيل المثال، بحوالي25 % من الدخل الإجمالي لتأمينات العَجزة والعُجّز، ولم تتجاوز نسبة ما حصلت عليه 14% من كامل النفقات في نفس العام. ويقول الخبراء، إن ميزان المساهمات والاستحقاقات الأجنبية، أي المتعلق بالأجانب المقيمين والذين غادروا الأراضي السويسرية على حد سواء، سيبقى في صالح التأمينات الفيدرالية السويسرية للعجزة والعجّز حتى عام 2015 على الأقل، حينما تتعادل المساهمات والاستحقاقات الأجنبية، نتيجة بقاء القوى العاملة الأجنبية فترات أطول في سويسرا بعد التقاعد عن العمل. لا بل ويؤكد الخبراء أن الكفة قد تصبح في صالح الأجانب المقيمين، في حالة لم تتلق أغلبيتهم قدرا كافيا من علاوات التقاعد ويصبحون عالة على التأمينات الاجتماعية الفرعية والإضافية، لضمان الحد الأدنى والضروري للعيش الكريم. وقد تتفاقم الأمور مستقبلا بالنسبة لهذه التأمينات الاجتماعية الفرعية والإضافية، في حالة قررت أعداد متزايدة من السويسريين المتقاعدين عدم مغادرة سويسرا للاستفادة من الظروف المعيشية الأرخص في الكثير من البلدان، أو قررت أعداد متزايدة من المغتربين العودة لسويسرا، حيث لا تكفي علاوات التقاعد لتغطية الاحتياجات والضروريات اليومية المطلوبة.